وضاح حيدر - الخليج أونلاين-
كثرت الدعوات لإقامة مؤتمر دولي لوقف الحرب في غزة، التي دخلت شهرها السادس، وبعد وصول عدد الضحايا إلى أكثر من 104 آلاف بين شهيد ومصاب، إلى جانب دمار واسع في البنى التحتية.
ومنذ بدء الحرب عقدت سلسلة مؤتمرات دولية، لكنها لم تفضِ إلى أي شيء ملموس لوقف الحرب، فيما تستمر الوساطة القطرية المصرية الأمريكية لإبرام هدنة طويلة بين حركة "حماس" الفلسطينية و"إسرائيل".
لكن هذه المرة يتم التركيز على أن يكون محور المؤتمر هو الاعتراف بإقامة دولة فلسطينية، وإنهاء الصراع في المنطقة، فهل تنجح هذه المساعي؟
دعوات ممنهجة
أحدث الدعوات جاءت في ختام الاجتماع الوزاري لدول مجلس التعاون الخليجي، يوم الأحد 4 مارس 2024، حيث طالبت بـ"عقد مؤتمر دولي عاجل يجمع الأطراف الدولية ويشمل كافة مكونات الشعب الفلسطيني، ويفضي إلى تلبية حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره".
ودعا المجلس "كافة الدول إلى استكمال إجراءات اعترافها بدولة فلسطين، واتخاذ إجراء جماعي عاجل لتحقيق حل دائم يضمن إقامة دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس الشرقية، بهدف إنقاذ الشعب الفلسطيني من معاناة العوز والإبادة والمأساة الإنسانية، وضمان عودة اللاجئين، وفق مبادرة السلام العربية وقرارات الشرعية الدولية".
وأكد المجلس "دعمه مبادرة السعودية والاتحاد الأوروبي وجامعة الدول العربية لإحياء عملية السلام في الشرق الأوسط بالتعاون مع مصر والأردن"، إلى جانب "أهمية عقد مؤتمر دولي عاجل يجمع الأطراف الدولية ويشمل كافة مكونات الشعب الفلسطيني، ويفضي إلى تلبية حقه في تقرير المصير".
وفي 23 فبراير 2024، دعا وزير الخارجية العماني بدر بن حمد البوسعيدي، إلى عقد مؤتمر دولي طارئ بشأن فلسطين يشمل جميع الأطراف؛ بهدف التوصل إلى اتفاق لوقف دائم لإطلاق النار وإنهاء الصراع في المنطقة.
البوسعيدي أشار في مقابلة مع صحيفة "الإيكونوميست" البريطانية، إلى أن المبادرة التي تدعو إليها مسقط تماثل مبادرة الرئيس الأمريكي جورج بوش الأب، عندما دعا إلى مؤتمر مدريد للسلام عام 1991.
كما شدد على أن المؤتمر الذي تدعو إليه السلطنة "يجب أن يشمل الجميع؛ لأن الجميع لهم مصلحة في التوصل إلى الاتفاق"، مشيراً إلى أن العالم "أرجأ مسألة الدولة الفلسطينية فترة أطول مما ينبغي".
ورأى في حديثه أنه "بغياب وجود دولة فلسطينية فإن المنطقة بالكامل محكوم عليها بدائرة مستمرة من العنف، وسوف يستمر الفلسطينيون في العيش في ظل التهديد بالفناء".
ولدى سؤاله عن المكان والزمان المناسبين لانعقاد المؤتمر الدولي الطارئ بشأن فلسطين، قال: "حيث يشعر جميع الأطراف بالراحة، قد يكون في سويسرا أو النرويج، على سبيل المثال، وفي أسرع وقت ممكن بهدف التوصل إلى اتفاق على خطة لقبول عضوية دولة فلسطين في الأمم المتحدة، ومن الممكن أن يكون هذا بمثابة منصة للمفاوضات العاجلة حول حل الدولتين الشامل، وكل ما هو مطلوب لضمانه".
وعقد مؤتمر مدريد لعام 1991 برعاية الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي السابق؛ لإطلاق عملية السلام الإسرائيلية العربية الفلسطينية من خلال المفاوضات، وهو الأول من نوعه منذ نكبة 1948، وكانت أولى نتائجه التوصل إلى اتفاق أوسلو للسلام بين السلطة الفلسطينية و"إسرائيل" عام 1993.
وفي ديسمبر الماضي، أكد الرئيس الفلسطيني محمود عباس أن عقد مؤتمر دولي للسلام ضروري لإنهاء الحرب في غزة والتوصل إلى حل سياسي دائم يؤدي إلى إقامة دولة فلسطينية.
وطالب في مقابلة صحفية "بأن يكون هناك مؤتمر دولي للسلام برعاية دولية، يجب أن يقود إلى حل بحماية دولية يقود إلى دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة في الضفة الغربية وقطاع غزة وعاصمتها القدس الشريف".
وشدد عباس على أن "الصراع بين إسرائيل والفلسطينيين بشكل عام وصل إلى مرحلة خطيرة، تتطلب عقد مؤتمر دولي وضمانات من القوى العالمية".
لم تقدم شيئاً
ومنذ بدء الحرب على غزة، في 7 أكتوبر الماضي، أقيمت سلسلة مؤتمرات دولية لكن دون أن يتنج ما يؤدي لوقف الحرب.
أبرز هذه المؤتمرات "المؤتمر الدولي الإنساني" الذي استضافته باريس، في نوفمبر الماضي، والذي انتهى بإعلان التزامات بتقديم مساعدات تتجاوز قيمتها مليار يورو، والدعوة إلى "العمل من أجل وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحركة حماس".
وفي إسطنبول عقد مؤتمر "القمة الأوروبية حول فلسطين"، في يناير الماضي، ودعا إلى إنهاء "مجازر إسرائيل" المستمرة في قطاع غزة، وإعلان وقف دائم لإطلاق النار، مشددين على ضرورة الاعتراف بدولة فلسطينية مستقلة.
كما عقدت، في نوفمبر الماضي، قمة عربية إسلامية طارئة انتهت بالدعوة إلى "كسر حصار غزة، وفرض إدخال قوافل مساعدات إنسانية عربية وإسلامية ودولية، تشمل الغذاء والدواء والوقود إلى القطاع بشكل فوري".
وعقب اندلاع الحرب استضافة القاهرة، في أكتوبر الماضي، قمة مصر للسلام، بمشاركة قادة إقليميين ودوليين، والتي انتهت بالدعوة لتخفيف حدة الصراع الراهن بين "إسرائيل" و"حماس"، والعمل على حماية المدنيين في قطاع غزة المُحاصر، وفتح ممرات آمنة، والسماح بإدخال المساعدات الإنسانية.
ما المأمول من المؤتمر الجديد؟
ترغب الأطراف الداعية للمؤتمر الدولي الموعود إلى استثمار حالة التعاطف مع القضية الفلسطينية وإقامة دولة مستقلة للشعب الفلسطيني.
من بين هذه الأطراف ما ذكرته شبكة "سكاي نيوز"، في 22 فبراير الماضي، حول أن 4 دول في مجلس الأمن وافقت على الاعتراف بالدولة الفلسطينية من جانب واحد.
ونقلت الشبكة عن مصدرين متطابقين أن "كبريات الدول الأوروبية أعطت الضوء الأخضر بالموافقة على الاعتراف بالدولة الفلسطينية من جانب واحد".
وأضافت أن إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن أصبحت تفكر بقدر أكبر من الجدية في ضرورة الاعتراف، لكن الملف ما زال قيد الدراسة.
وفي الـ30 من يناير الماضي، أعلن وزير الخارجية البريطاني ديفيد كاميرون أن لندن تدرس الاعتراف بالدولة الفلسطينية، مؤكداً ضرورة إظهار "تقدم لا رجعة فيه نحو حل الدولتين".
كما سبق أن تعهد رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز، في 15 نوفمبر الماضي، بأن تعمل حكومته على الاعتراف بالدولة الفلسطينية.
لكن في المقابل، ترفض "إسرائيل" البحث في "حل الدولتين"، وهو موقف أثار غضب المجتمع الدولي، وقد جدّد رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو، في يناير الماضي، تأكيد معارضته أي "سيادة فلسطينية".
وكان نتنياهو قد شدّد على "وجوب أن تحتفظ إسرائيل بالسيطرة الأمنية" على غزة والضفة الغربية المحتلة، الأمر الذي يجعل من المؤتمر الدولي حاجة ملحة للدفع باتجاه إقامة فلسطينية.
خطوة مكررة.. لكن
ويرى الكاتب السياسي تيسير محيسن أن الدعوة لعقد مؤتمر دولي للدفع باتجاه إقامة دولة فلسطينية ووقف الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة خطوة مكررة ولا أتوقع أنها ستحقق أي نتيجة بالوقت الراهن.
ويضيف محيسن في حديثه لـ"الخليج أونلاين": "المطلوب حالياً هو ضغط دولي كبير وحقيقي على إسرائيل لتوقف عدوانها على غزة، والانسحاب من أراضي القطاع، وبعد ذلك يمكن الدعوة لمؤتمر دولي يبحث في إعمار غزة وإيجاد حل للقضية الفلسطينية".
واعتبر أن أي مؤتمر دولي "لن ينجح إذا لم تتوفر الإرادة الحقيقية لدى المجتمع الدولي لإجبار إسرائيل على وقف عدوانها على غزة، والاعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني، وبإقامة دولة فلسطينية كاملة السيادة".
ويعتقد أن الخطوة الأهم حالياً هي "وقف الدعم الدولي لإسرائيل في حربها على غزة حتى ترى إرادة عالمية حقيقية تساند الحق الفلسطيني وترفض الظلم والإبادة الجماعية التي تمارسها".
وتابع: "بدون ذلك فإن المؤتمر سيعقد وسيشهد مشاركة دولية كبيرة وإقراراً لقرارات كبيرة وتعهدات مالية ضخمة لإعمار غزة، ولكن فعلياً ستبقى القضية الفلسطينية تراوح مكانها بسبب التعنت الإسرائيلي".
ويشير إلى أن المجتمع الدولي أثبت في هذه المرحلة فشله في تحمل المسؤولية الإنسانية والسياسية تجاه حقوق الشعب الفلسطيني التي انتهكتها "إسرائيل" على مرأى ومسمع جميع دول العالم.
ودعا محيسن إلى حراك سياسي من الدول العربية والإسلامية والصديقة للشعب الفلسطيني لتقديم دعم حقيقي للفلسطينيين واتخاذ خطوات من شأنها أن تجعل تل أبيب تعيد حساباتها "بعيداً عن الشعارات الرنانة والمؤتمرات الدولية غير المجدية".
لكنه استدرك حديثه قائلاً: "لو أن هذا المؤتمر حمل نوايا دولية حقيقية بدعم الفلسطينيين واتخاذ خطوات على الأرض ضد الانتهاكات والجرائم الإسرائيلية فإنه بالفعل سينجح بوضع القضية الفلسطينية على طريق الخلاص من الاحتلال وإقامة الدولة المستقلة".