علامات استفهام عديدة ومثيرة للقلق أثارها تلويح وزير الدولة للشؤون الخارجية الإماراتي أنور قرقاش بأن الإمارات أنهت مهمة جنودها باليمن، الأمر الذي اعتبره مراقبون ما يشبه "انسحاب إماراتي أحادي الجانب"، ومؤشر ضمني على تأكيد الاتجاه لانفصال الجنوب، والوقوف بالعمليات عند هذا الحد بما يعني عدم المشاركة في تحرير صنعاء، الأمر الذي يعكس تضارب في أجندات الرياض وأبو ظبي، وانسحاب إماراتي مفاجيء بينما هناك انسداد في العملية السياسية ومشاروات الكويت، وتعنت حوثي غير مسبوق، فهل هناك خلافات إماراتية سعودية مكتومة، وهل ينذر الموقف الإماراتي بتفكك التحالف العربي في اليمن بقيادة الرياض، والذي تعد الإمارات شريك استراتيجي مهم داخله باعتبارها القوة الثانية بالتحالف؟ فهل أصبحت الرياض وحيدة في اليمن في مواجهة إيران؟
انسحاب إماراتي أحادي الجانب
تحرك نوعي وصفه مراقبون "بانسحاب إماراتي أحادي الجانب"، حيث اعتبر وزير الدولة للشئون الخارجية الإماراتي "أنور قرقاش" أن الحرب في اليمن انتهت عمليا لجنود بلاده، مشيرا إلى أن الإمارات ترصد الترتيبات السياسية على هذا الصعيد في الوقت الراهن.
وأضاف أن دور بلاده الأساسي، في ما يتعلق بعملية "عاصفة الحزم" في اليمن، صار يقتصر على تمكين اليمنيين في المناطق المحررة.ولفت قرقاش النظر إلى أن الأزمة اليمنية استنفدت الأدوات السياسية في ظل استمرار الدعم الإيراني، ولم يبق إلا أن يكون هناك قرارا حاسما، دون أن يوضح طبيعته، في إشارة ضمنية إلى الانفصال.
جاء ذلك في محاضرة ألقاها قرقاش الأربعاء 15 يونيو/حزيران تحت عنوان "الإمارات والتحالف وأزمة اليمن: القرار الضرورة"، نشر مقتطفات منها حساب أخبار الشيخ محمد بن زايد ولي العهد في إمارة أبو ظبي على موقع "تويتر".
أي أهداف تحققت؟
وأعاد وزير الخارجية الإماراتي إلى الأذهان، أن الأهداف الثلاثة لعملية "عاصفة الحزم" التي انطلقت في الـ26 من مارس/آذار 2015 بقيادة السعودية تلخصت في "العودة إلى المسار السياسي، وعودة الشرعية، والرد على التدخل الإيراني".
وتابع إن "عاصفة الحزم حققت الأهداف المرجوة منها، وبفضل جهود جنود الحق تمكنّا من ردع التدخل الإيراني في المنطقة، ومنعنا إقامة حزب الله في جنوب الجزيرة العربية، وكان البناء السياسي للتحالف الذي أدارته الرياض باقتدار، رسم الأهداف الضرورية من دون التوسع فيها، الأمر الذي أوجد إطاراً استراتيجياً يدرك التحولات الدولية والإقليمية التي يعيشها العالم والمنطقة".
وأضاف أن «الوقوف مع الرياض هو حجر الأساس في الحفاظ على أمن المنطقة، وأمن السعودية جزء من أمن الإمارات، وأمن الإمارات جزء من أمن السعودية، وهذه الحال تنطبق على دول مجلس التعاون الخليجي كافة». وأكد أن «الأداء السياسي والعسكري للإمارات فاجأ المراقبين، وكان السند الأساسي للسعودية والتحالف في هذا الامتحان العسير».
اليمن على مفترق طرق
يأتي الموقف الإماراتي بتوقيت شديد الحساسية واليمن يقف على مفترق طرق بين خيارات الحل السياسي المتعثر، والحسم العسكري الذي تدفع إليه إيران والحوثي وصالح بقوة.هذا، وتستمر عمليات التحالف تحت اسم "إعادة الأمل"، بتغطية جوية توقفت شبه كليا مع بدء مشاورات السلام في الكويت قبل شهرين، وغموض الصورة عما إن كان التحالف قرر الحسم سياسيا أم سيواصل عملياته العسكرية حتى النهاية.ويرى مراقبون، أن القرار الحاسم الذي ينتظر المناطق المحررة هو قرار الانفصال وهو ما قصده الوزير قرقاش حيث تسعى دولة الإمارات المشاركة في التحالف العربي للترتيب للانفصال.
وكانت قد مرّت مشاركة الإمارات في عاصفة الحزم، خلال عام وعدة شهور، بعدة مراحل، ذهب مراقبون في بعض تلك المراحل للقول إن "الإمارات لديها مشروع مختلف تماما عن دول التحالف، واعتبروا أن "الإمارات سعت منذ اللحظة الأولى لمشاركتها في حرب اليمن إلى تشكيل منطقة نفوذ لها، إلا أن تلك الأماني تلاشت؛ بسبب تعقيد الأوضاع، وذهاب الطرفين المتحاربين للتفاوض في الكويت".
الإمارات وشبح الانفصال
هل يمهد انسحاب الإمارات إلى ترتيبات انفصال الجنوب سؤال مطروح بقوة، في المقابل كان قد حذر الكاتب والإعلامي السعودي جمال خاشقجي في تغريدة له عبر "تويتر" في وقت سابق من أن "تشجيع الجنوب نحو "إعلان" الانفصال الآن سيلغي كل شرعية للتحالف الذي تقوده المملكة ضد الانقلاب والحوثيين ويؤدي إلى انتصارهم بحكم الواقع" .
يتهدد اليمن شبح الانفصال المتنامي بدعم إماراتي بحسب مراقبين، فقد أكد مصدر حكومي يمني، إن مدير أمن عدن شلال شايع، رفض أوامر الرئيس عبد ربه منصور هادي بالحضور إلى العاصمة السعودية الرياض لعقد لقاء بينهما، بعد الإجراءات التي اتخذها شلال في عدن وشملت ترحيل المئات من مواطني تعز ومحافظات شمالية أخرى.وقال المصدر لـ"عربي21" إن هادي أصدر أوامره لمحافظ عدن عيدروس الزبيدي، لإلغاء كافة الإجراءات المتخذة ضد المواطنين من تعز وغيرها من المدن الشمالية المتواجدين في عدن.وأكد المصدر أن الرئيس حاول الاتصال بشايع المقرب من الإمارات، لكن مسؤولي الأمن في عدن أبلغوا هادي أن شايع أصيب بوعكة صحية وتوجه إلى أبو ظبي.
يشار إلى أن هادي عين محافظ عدن ومدير أمنها بطلب إماراتي، حيث يعتبر الرجلان من الشخصيات المقربة من أبو ظبي وولي عهدها محمد بن زايد.وكان الرئيس هادي قد عبر عن رفض الإجراءات التي اتخذت بحق أبناء تعز وغيرها من المدن الشمالية في عدن، واعتبرها فردية، مؤكدا أن تعز تبقى العمق لمدينة عدن.
هذه الإجراءات تمت بموافقة إماراتية، حيث تسيطر أبو ظبي بشكل كامل على عدن والمحافظات المجاورة لها، وتدير جميع المرافق الإدارية والعسكرية والأمنية في هذه المحافظات.
ترحيل قسري متنام
تصاعدت مؤشرات انفصال جنوب اليمن، مؤخرا وكان من بينها مؤشرات تهجير قسري متنام تمثلت باعتقال اللجنة الأمنية العليا في العاصمة اليمنية المؤقتة عدن، حتى يوم الخميس 13 مايو الحالي، 1207 مواطنين يمنيين من أبناء المحافظات الشمالية، وقامت بتهجير جماعي لـ841 مواطناً إلى محافظة تعز (158 كيلومتراً شمال مدينة عدن)، في حين ما يزال 388 مواطناً في معتقلات متعددة. ورغم ما تناقلته وسائل الإعلام نقلاً عن مسؤولي عدن لناحية التوقف عن تنفيذ تلك الحملة، فإنّها لا تزال مستمرة وبالوتيرة نفسها، لتصبح ترحيلاً جماعياً عرقياً، بحسب العربي الجديد.
شهادة وفاة التحالف العربي
في إطار رصد تداعيات توجهات الانفصال حذر المحلل السياسي الكويتي الدكتور "سامي الرميحي" من أنه في حالة تم اعلان انفصال جنوب اليمن عن شماله كما يروج له البعض من القيادات اليمنية الجنوبية، في هذه المرحلة الصعبة، فإن هناك عوامل عدة سوف تفرض نفسها وبقوة على أرض الواقع وهي على النحو التالي، الإنفصال يعني:
انتهاء عمليات التحالف العسكرية الجوية والبرية والبحرية – نتيجة عدم تطبيق قرار مجلس الأمن رقم 2216 . وفشل دول التحالف بقيادة السعودية في تنفيذ هذا القرار.
انتهاء الدولة الشرعية بقيادة الرئيس هادي وحكومته وبالتالي انتهاء المشاورات السياسية في الكويت.
الإنفصال سوف يخدم بالدرجة الأولى تحالف صالح والحوثي، والذي بلا شك إن هذا التحالف سيحظى بتأييد شعبي كبير في شمال اليمن وجنوبه وشرقه وغربه.. وقد يليه تأييد دولي.. كون تحالف صالح والحوثي هو الطرف المنتصر والقادر على الحفاظ على الدولة اليمنية الموحدة.
الإنفصال سوف يؤدي الى حالة عدم استقرار وحروب طاحنة هنا وهناك ستشمل كل مناطق اليمن.
الإنفصال بداية انهيار دول التحالف بقيادة السعودية الأمر الذي سوف يؤدي إلى تغيير الخارطة السياسية لدول مجلس التعاون الخليجي.. وسيطرة إيران على المنطقة سياسيا واقتصاديا وثقافيا وعسكريا.. بل وستكون ايران هي الدولة الاقوى والمهيمنة.
معناه انتهاء مفعول كل قرارات مجلس الأمن المتعلقة بالعقوبات على زعماء الانقلاب، الأمر الذي سوف يتيح لزعماء الانقلاب تصدرهم المشهد السياسي من أوسع أبوابه.
سيناريوهات مؤلمة
يأتي الموقف الإماراتي بينما يحاول حلف الحوثي صالح إحكام قبضته على اليمن واستنساخ النموذج العراقي في اليمن، حيث حذر الكاتب مطلق بن سعود المطيري في مقال له بعنوان "مليشيات الحشد الشعبي في اليمن" بصحيفة "الرياض" في 8 يونيو،2016 ، من أنه "إن نجحت الخطة الايرانية المتمثلة بصعود الحوثي سياسيا وهيمن على القرار الأمني في اليمن، فسوف يسمح بدخول قوات الحشد الشعبي العراقي ويعطيها كامل الصلاحيات الميدانية لحماية مشروعه الطائفي.
شؤون خليجية-