بدأ كل شيء في عام 1985. أصبح الزعيم الشاب، من النخبة السياسية القائمة والتي يعلم عيوبها أيضا، وأمسك بزمام السلطة وسط التهديدات الخارجية، والسخط المجتمعي وانخفاض أسعار النفط، الذي يعتبر المصدر الرئيسي لإيرادات دولته.
لقد أطلق «ميخائيل غورباتشوف» البيريسترويكا معتقدا أنه يمكنه تحقيق الإصلاح، وفي نهاية المطاف، الحفاظ على الاتحاد السوفيتي.
ولكن أثبتت نتائج مكيافيلي صوابها : «لا يوجد شيء أكثر صعوبة في فعله أو أكثر مغامرة في إجرائه أو أكثر غموضا في نجاحه أكثر من أخذ زمام المبادرة في تطبيق أمر جديد من الأمور. نظرا لأن أعداءك سوف يكونون هم كل الذين أبلوا بلاء حسنا في ظل الظروف القديمة، وسيكون المدافعون الفاترون عنه هم فقط أولئك الذين يظنون أنهم قد يبلون بشكل جيد في ظل النظام الجديد».
نأتي الآن إلى أمير سعودي يبلغ من العمر 30 عاما، هو ابن الملك «سلمان» والزوجة الثالثة للملك، والذي يتمتع بوفرة من الثقة. وقد وعد الأمير بتغييرات واسعة النطاق، وقد أوضح ذلك لمسؤولين أمريكيين رفيعي المستوى خلال زيارته إلى واشنطن الأسبوع الماضي.
يواجه «محمد بن سلمان» قضايا التنافس مع إيران التي ولّدت عدة حروب بالوكالة. والسخط بين الشباب والنساء تجاه القيود الدينية القمعية. وحكومة منتفخة تعتمد بشكل كبير على أسعار النفط المتقلبة، وهي تحمل بعض الشبه لتلك التحديات التي واجهها «غورباتشوف».
يواجه ولي ولي العهد معارضة كامنة في الوقت الراهن، ولكن يحتمل أن تتحول إلى معارضة غاضبة. ويبقى السؤال. هل يستطيع «بن سلمان» تغيير السعودية دون زعزعة استقرارها؟
بالتأكيد، فإن الأمير، الذي أوكل إليه الملك «سلمان» حقيبة وزارة الدفاع ومسؤولية السياسة الاقتصادية الرئيسية، لديه أفكار مشرقة. وهو صاحب «رؤية 2030» التي من شأنها أن تقلل اعتماد في المملكة العربية السعودية على تذبذب عائدات النفط لصالح الأرباح من صندوق الثروة السيادية المخطط بحوالي 2 تريليون دولار، كما يريد الأمير محمد التقليل من البيروقراطية، وجلب المزيد من رؤوس الأموال الأجنبية، و المزيد من المصانع وقبل كل شيء، العمل الأكثر إنتاجية للسعوديين. كما ألمح لزيادة دور المرأة السعودية.
الهدف الاستراتيجي هو تقليل التعرض لصعود وهبوط أسواق النفط، وضمنا، تقلب المزاج في الولايات المتحدة، وهو ما أثار غضب وخوف السعوديين من عقد صفقة نووية مع إيران.
خلال اجتماعاته في واشنطن، بما في ذلك مع الرئيس «أوباما»، أكد الأمير «محمد» المصالح المشتركة، وعلى رأسها الحملة ضد «الدولة الإسلامية» وغيرها من الجماعات الإرهابية. و للأسف، فقد سقطت المملكة العربية السعودية من عيون جمهور الولايات المتحدة، ولدى جزء كبير من القيادة السياسية الأمريكية، لسبب وجيه وهو ليس فقط لأن السعوديين أنفسهم لعبوا دورا غامضا في نمو الفكر الإسلامي المتطرف على مر السنين، ولكن أيضا لأن عددا أقل من الأميركيين يعتقدون أن العلاقات مع الرياض تبرر غض الطرف عن السياسات الداخلية القمعية السعوديين، وخاصة خنق حقوق المرأة.
كتب الأمير «محمد» في مقدمة رؤية 2030 القول: «رؤيتنا هي بلد متسامح كدستور الإسلام ومعتدل كما منهجه». ومع ذلك فإن المدون «رائف بدوي» يقبع في السجون السعودية، منذ عام 2012، بعد أن تم جلده وسجنه لجريمة الدعوة لمزيد من التسامح والاعتدال. وكتب بدوي:«بالنسبة لي، الليبرالية تعني ببساطة، عش ودع غيرك يعيش». وما لم يستخدم الأمير «محمد» سلطته الجديدة لحماية وتعزيز الحريات الأساسية للسيد «بدوى» وأمثاله، فإنه حتى أولئك الذين يرغبون في تغيير المملكة العربية السعودية قد يشككون في وعود التغيير.
واشنطن بوست- ترجمة وتحرير أسامة محمد - الخليج الجديد-