تجدد الحديث حول إغلاق المحلات في التاسعة مساء، أي مبكرا ثلاث ساعات عما هو حاصل حاليا، مع استثناء أنشطة محددة كالمطاعم والصيدليات والمقاهي ومراكز الألعاب والترفيه، وعلى رغم أن القرار لم يصدر بعد وخضع مطولا للدراسة لدى أكثر من جهة، والتنسيق بين وزارتي العمل والتجارة، إلا أن توقع صدوره أثار ردود فعل واسعة ومتعارضة.
إغلاق المحلات مبكرا ليلا ليس بدعة ولا سابقة على مجتمعنا، ولا بجديد في العالم لأنه موجود في دول أوروبية وغيرها، وهكذا كان هذا حالنا في الماضي، إذ كان المجتمع يعمل وينشط نهارا، ويغلق مع صلاة العشاء أو بعدها بقليل، توافقا مع طبيعة حياة زمان ومع النواميس الصحيحة عملا بقوله تعالى «وجعلنا الليل لباسا وجعلنا النهار معاشا»، فكانوا أكثر حيوية في عملهم، وأكثر راحة وعمقا في نومهم، لكن غيرت المدنية الحديثة كل شيء وقلبت الساعة البيولوجية رأسا على عقب في مواعيد النوم واليقظة لمختلف الشرائح كبارا وصغارا، دارسين وموظفين وأسواقا، وقنوات إعلامية 24 ساعة، وإنترنت وتواصل على الشبكة العنكبوتية على مدار الساعة، حتى ضيع السهر التركيز في العمل والتعليم، فالموظف يأتي من عمله والطلاب يعودون من دراستهم ليكملوا نهارهم نوما ويبدأ سهرهم ليلا بكل حيوية ونشاط حتى يغلبهم النوم.
المختلفون حول قرار الإغلاق مبكرا يطرحون مبرراتهم وأحيانا تقرأ تعليقات وآراء لها العجب كالذين لا يحلو لهم الأكل والخروج إلا ليلا، والمؤيدون يرون فيه توفير استهلاك الكهرباء وفوائد أمنية وضبط الشارع بتخفيف الزحام المروري الذي لا يهدأ إلا بعد العاشرة مساء، ويرونه مناسبا لعمل المحلات النسائية في الأسواق.
المعارضون يرون فيه إضرارا بالأنشطة التجارية ولا يتوافق مع مصلحة مواطنين كالذين تم تشغيلهم بقطاع كالاتصالات وأسواقها النشطة ليلا، والأسواق عامة في ساعات النهار الأولى إلى ما بعد الظهر تكون الحركة التسويقية خفيفة، كما أن الأسر اعتادت على التسوق ليلا لظروف عمل رب وربة الأسرة، وتفضيل التسوق مساء، ويرى بعضهم أن الإغلاق مبكرا سيستلزم اختصار المدة بين الأذان والإقامة لصلوات الظهر والعصر والمغرب، ثم تأخير صلاة العشاء إلى التاسعة حتى يتوافق مع موعد الإغلاق كنهاية الدوام.
هكذا مصالح ورغبات وظروف متضاربة يستحيل التوفيق بينها، لكن في النهاية قرار كهذا من المهم دراسته جيدا، وفي حال تطبيقه سيعيد المجتمع والأفراد تكييف أوضاعهم في العمل والتسوق والترفيه، وبالتالي إيجاد نمط جديد للحياة اليومية مع مراعاة العطلات الأسبوعية والصيفية.
المؤكد أن الجهات المعنية تدرك الآراء المؤيدة والمعارضة، لكن قد يكون لدى هذه الجهات أسباب ومعطيات مختلفة محسوبة جيدا من حيث الفوائد التي تحقق الصالح العام، فالحاصل فيه الكثير من فوضى إهدار الوقت، وأبسط سؤال: ما الذي يقدمه مجتمع في العمل والتعليم ومعظمه سهران إلى ما بعد منتصف الليل وبعضه حتى الفجر، والنتيجة أذهان مشوشة وأجساد متثاقلة متثائبة.
أعتقد أن قرارا كهذا بحاجة إلى حل وسط بتأخير الإغلاق إلى العاشرة مثلا، أي ساعة عمل زيادة تسمح بالتسوق فترة أطول وفرصة مناسبة لظروف الأسر، وكذلك بعض الأنشطة ستحتاج لساعة زمن، ويبقى توفير ساعتين بالإغلاق عند العاشرة سيحقق الأهداف بتوفير الكهرباء وأسباب أفضل لنوم صحي مدة كافية قدر المستطاع، وهذا ما يدعونا إلى نقاش آخر حول دوام رمضان لنستعد عن قناعة لتصحيح الهدر، ونكون مثل بقية دول العالم الإسلامي لا تغير مواعيد عملها في شهر الصوم.
إبراهيم إسماعيل كتبي- عكاظ السعودية-