سياسة وأمن » تصريحات

الكويت تعود للمربع الأول.. ما السيناريوهات بعد استقالة الحكومة؟

في 2022/04/09

أشرف كمال - الخليج أونلاين-

دخلت الكويت أزمة سياسية جديدة بعد تقدّم الشيخ صباح الخالد باستقالته للمرة الثالثة من رئاسة الحكومة؛ بسبب خلافات مع مجلس الأمة (البرلمان)، الذي يواجه خطر الحل بمرسوم أميري.

وفي (5 أبريل 2022)، قدّم "الخالد" استقالته لولي العهد الشيخ مشعل الأحمد، وذلك قبل يوم واحد من تصويت كان مقرراً على طلب "عدم تعاون" تقدّم به 10 نواب، وانضم له 13 آخرون على الأقل.

وجاء طلب عدم التعاون بعد استجواب خضع له الصباح، مطلع أبريل، بشأن اتهامات تتعلق بانتهاك الدستور وعدم مكافحة الفساد وتعطيل عمل البرلمان، وهي اتهامات نفاها رئيس الحكومة المستقيل، وقال إنها "غير دستورية".

وهذه هي الحكومة الرابعة لصباح الخالد، والثالثة في عهد الأمير الحالي الشيخ نواف الأحمد، والذي حاول منذ توليه الحكم في سبتمبر 2020، رأب الصدع المتزايد بين الحكومة والبرلمان.

أزمة الاستجوابات

جاء الخلاف الجديد بين الحكومة والبرلمان بعد أشهر قليلة من "الحوار الوطني" الذي  شيّد الكويتيون عليه كثيراً من أحلام الاستقرار، خصوصاً أنه تمخض عن عفو أميري طال نواباً ظلوا خارج البلاد لسنوات.

وكان يفترض أن يكون العفو الأميري مقدمة للتعاون بين الحكومة ومجلس الأمة، وقد تعهد نواب المجلس بتقديم كل ما يلزم لإنجاح عمل الحكومة ودعم جهود المصالحة التي رعاها الأمير.

وشكّل الخالد حكومته الرابعة، في 28 ديسمبر 2021، لكن نواباً بالمجلس النيابي ما لبثوا أن فتحوا أبواب الاستجوابات وطلبات الثقة واسعة، الأمر الذي دفع وزيري الدفاع والداخلية للاستقالة، في فبراير الماضي.

وفي 16 فبراير الماضي، أعلن وزير الدفاع الكويتي الشيخ حمد جابر العلي، ووزير الداخلية الشيخ أحمد المنصور، استقالتهما من الحكومة بسبب ما قالا إنه "مشاحنات واضطراب المشهد السياسي".

وبنهاية الأسبوع الماضي، أعلن غالبية أعضاء مجلس الأمة أنهم سيصوتون ضد رئيس الوزراء، وهو العدد الكافي لإقرار حالة "عدم التعاون" بين السلطتين التشريعية والتنفيذية.

ويعني عدم التعاون من الناحية الدستورية رفع الأمر لأمير البلاد ليقرر بنفسه إعفاء رئيس الوزراء وتعيين وزارة جديدة أو حل مجلس الأمة.

ويتمتع البرلمان الكويتي بنفوذ أكبر مما يحظى به أي مجلس مماثل في دول الخليج العربية الأخرى، ويشمل ذلك سلطة إقرار القوانين ومنع صدورها، واستجواب رئيس الوزراء والوزراء، والاقتراع على حجب الثقة عن كبار مسؤولي الحكومة.

وبهذه الخطوة تنتهي حالة من الصراع استمرت منذ الانتخابات البرلمانية التي جرت في ديسمبر 2020، وأسفرت عن تقدم نسبي لأصحاب المواقف المعارضة للحكومة، لا سيما القبلية والإسلامية.

وشكل هذا البرلمان تحدياً حقيقياً للحكومة التي عانت أزمات اقتصادية وسياسية طاحنة في ظل جائحة فيروس كورونا وهبوط أسعار النفط، قبل أن يرتفع في الأسابيع الأخيرة.

سيناريوهات..

في خلافات سابقة مماثلة لجأ الأمراء السابقون لحل البرلمان، وكان الحل سلاحاً سريع الاستخدام لفترات طويلة، لكن الأمير الجديد لا يزال متحفظاً في اللجوء إلى هذا النوع من الحلول.

في هذا الإطار يقول المحلل الكويتي عيد الفضلي، في تصريح لـ"الخليج أونلاين"، إن أمير البلاد ربما لا يقدم على حل البرلمان كخطوة أولى، مشيراً إلى أن الأمور ربما تتجه إلى تكليف حكومة جديدة.

وربما يكلّف أمير البلاد رئيس الوزراء المستقيل بتشكيل الحكومة الجديدة على غرار ما حدث في الاستقالتين الماضيتين، لكن هذه الخطوة وإن كانت سليمة من الناحية الدستورية "إلا أنها تعني إبقاء البلاد في نفس الدائرة المغلقة".

تكتيك سياسي 

الكاتب والباحث السياسي الكويتي عبد العزيز سلطان، يؤكد أن البلاد تمر بحال من الاحتقان السياسي بعد تقديم رئيس الحكومة الشيخ صباح الخالد استقالته.

وتعد حكومة الخالد، حسب حديث "سلطان" لـ"الخليج أونلاين"، رقم "40" في تاريخ الكويت، مبيناً أن تقديم رئيسها الاستقالة جاء في ظل توتر الأوضاع داخل مجلس الأمة، وحسابات سياسية أخرى لرئيسها المستقيل.

ويرى أن تقديم الخالد باستقالته إلى ولي العهد الشيخ مشعل الأحمد الجابر قد تكون ضمن تكتيك سياسي من قبل رئيس الحكومة المستقيل، هدفها كسب المزيد من الوقت لتحقيق مصالح سياسية.

ولدى صباح الخالد، حسب سلطان، قدرة على تجاوز الاستجواب الحالي المقدم ضده في مجلس الأمن قبل استقالته، كما نجح وزراء سابقون في حكومته في تجاوزه بفضل الأدوات السياسية التي يمتلكها، ولكنه "يريد إطالة وجود المجلس، والتخطيط للمستقبل".

وبحسب الكاتب السياسي، فإن رئيس الحكومة المستقيل يريد تجنب حل مجلس الأمة، لضمان بقاء تحالفه مع رئيس المجلس مرزوق الغانم، وتشكيل ثنائي سياسي ناجح في قيادة البلاد واستقرارها.

وفي المقابل، يوضح "سلطان" أن المعارضة تهدف من خلال عدم التعاون مع رئيس الوزراء إلى الضغط على السلطة لحل مجلس الأمة، والعودة من جديد بشكل أقوى، وإسقاط الغانم، وتحالفه مع رئيس الوزراء.

وحول السيناريوهات المتوقعة بعد استقالة الخالد، يتوقع المحلل السياسي قبول الاستقالة من قبل أمير البلاد، وربما حل المجلس، إضافة إلى سيناريو آخر وهو تكليف الخالد بإعادة تشكيل الحكومة الجديدة، وهو الأقرب من وجهة نظره.

دائرة مغلقة

بعد الحوار الوطني كانت حكومة صباح الخالد تعوّل على تمرير قانون "الدين العام" الذي يسمح لها باقتراض 20 مليار دينار (66 مليار دولار) على مدى 20 عاماً، وهو المشروع الذي رفضه البرلمان السابق.

والعام الماضي، واجه الاقتصاد الكويتي، المعتمد على النفط كمورد أساسي للدخل، عجزاً بلغ 46 مليار دولار؛ بسبب جائحة كورونا وهبوط أسعار النفط. وكثيراً ما رفض البرلمان تمرير قانون الدين العام الذي تعتبره الحكومة حجر زاوية في عملية الإصلاح المأمولة.

ورغم أن الصعود الأخير لأسعار النفط قد قلل الفجوة الكبيرة بين مصروفات الحكومة ونفقاتها، فإن الأمور لم تصل إلى حد التوازن، وإن فعلت فإنها لن تعوض خسائر فترة الجائحة التي بلغ عجز الموازنة خلالها 175%.

أصبح الخلاف بين مجلس الأمة والحكومة جزءاً من الحياة العامة في الكويت، خلال العامين الماضيين، وهو جزء من خلاف أوسع حول الآليات التي يمكنها إخراج البلاد من أزمتها الاقتصادية التي كان الفساد واحداً من عواملها الأساسية.

يدور الخلاف بين رؤية مجلس الأمة الذي ترى أن بإمكان الدولة اتخاذ مزيد من الخطوات لمحاسبة الفاسدين وإعادة توزيع النفقات للتخلي عن فكرة الاقتراض، وبين رؤية الحكومة التي لا ترى طريقاً سوى طريق الإصلاحات الاقتصادية.

ديمقراطية الكويت

تمثل الديمقراطية الكويتية واحدة من أهم أسباب النزاع المتواصل بين الحكومة والبرلمان، حيث لا يمكن لأي من الطرفين إلحاق الهزيمة بالآخر، وإن كان قادراً على تعطيله إلى حد العجز.

ورغم الصلاحيات الواسعة التي يمنحها الدستور لأمير البلاد فإنه أيضاً يظل مرهوناً باحترام مساحة الحرية السياسية التي أصبحت جزءاً من الشخصية السياسية للبلاد، مهما كانت محدودة أو مؤطرة.

لا تتوقف الأصوات المعارضة للحكومة داخل البرلمان عن المطالبة بإعادة هيكلة الاقتصاد على نحو يضمن إعادة تقسيم الثروة بشكل جديد.

خلال الأزمة الماضية، أصدر أمير البلاد مرسوماً أميرياً، في فبراير 2021، بتأجيل انعقاد اجتماعات مجلس الأمة شهراً كاملاً، وفي سوابق تاريخية كثيرة أدى توتر الخلاف بين الحكومة والبرلمان إلى تغيير حكومات متعاقبة وحل البرلمان.

هذا التغيير المتواصل للحكومات أو حل البرلمانات المنتخبة عرقل إلى حد كبير مشاريع الإصلاح الاقتصادي والمالي التي تحتاجها البلاد كما أصاب الحياة السياسية بالجمود.

ويعتبر النظام السياسي في الكويت الأكثر انفتاحاً في منطقة الخليج، لكن أعضاء الأسرة الحاكمة يتولون المناصب العليا وللأمير القول الفصل في أمور الدولة.