متابعات-
بعد حالة من التوتر السياسي، والخلافات بين السلطتين التشريعية والتنفيذية بالكويت خلال المرحلة الماضية، شهدت الحياة السياسية في البلاد حالة من الارتياح والتفاؤل، مع عقد أول جلسة لمجلس الأمة بمشاركة ولي العهد الشيخ مشعل الأحمد الصباح، ورئيس الحكومة الشيخ أحمد النواف الصباح، وانتخاب أحمد السعدون رئيساً للبرلمان بالتزكية.
وغابت الخلافات وحالات التشنج السياسي عن أول جلسة لمجلس الأمة (الثلاثاء 18 أكتوبر الجاري) وسط تأكيد من القيادة السياسية في البلاد لأهمية التعاون بين السلطتين التشريعية والتنفيذية.
ونفذ خلال الجلسة الأولى بنود اللائحة الداخلية للمجلس، بدءاً من افتتاح الجلسة، وانتخاب رئيس المجلس السعدون، ومحمد المطير نائباً له، وأسامة الشاهين أميناً للسر، وعبد الكريم الكندي لمنصب مراقب مجلس الأمة لدور الانعقاد الأول، بعيداً عن أي خلافات أو تجاوزات.
وخلال انتخاب رئيس المجلس غاب أعضاء الحكومة عن تلك الجلسة، وهو ما يعكس رغبتها بالتعاون، وعدم تدخل مجلس الوزراء في اختيار الرئيس، وتجنب أي صدام متوقع.
وجاء خروج الحكومة عند اختيار رئيس المجلس تأكيداً لتصريح ولي العهد داخل قبة البرلمان بأن الحكومة لن تتدخل في انتخابات رئاسة المجلس ولجانه المختلفة.
وإلى جانب ذلك تظهر جميع المؤشرات أن مجلس الأمة سيشهد خلال الفترة القادمة حالة من التعاون وعدم الصدام مع الحكومة.
سيد قراراته
وأظهرت تصريحات ولي العهد وجود رغبة لدى القيادة السياسية في الكويت بأن تكون المرحلة القادمة هادئة وبدون أي خلافات حادة بين الحكومة والمجلس، ويطغى عليها التعاون.
وقال الشيخ مشعل الأحمد، في كلمته أمام المجلس: إن "الخطاب اليوم هو وثيقة العهد الجديد بإرشاد ومتابعة، ورسالة موجهة من القيادة السياسية لما سيكون عليه العمل في المرحلة المقبلة".
وشدد ولي العهد على أن الحكومة لن تتدخل في اختيار المناصب بمجلس الأمة ولجانه، ليكون المجلس "سيد قراراته"، داعياً أعضاء المجلس إلى "الوفاء بالعهود، والارتقاء بالممارسة الديمقراطية، وإصدار القوانين التي تجسد الوحدة الوطنية".
وأوضح ولي عهد الكويت أنه سيكون أول من يحاسب الحكومة عن عملها قبل أعضاء مجلس الأمة، في إشارة منه إلى ضرورة التزام مجلس الوزراء بالقانون وعدم السماح بأي تجاوزات.
من جانبه أظهر رئيس الحكومة الشيخ أحمد النواف وجود نوايا صادقة له بأن يكون هناك تعاون مع مجلس الأمة، حيث ظهر وهو يهنئ السعدون بمناسبة انتخابه رئيساً لمجلس الأمة بالتزكية، وسط أجواء إيجابية.
وقال النواف: "بافتتاح دور الانعقاد الأول نستقبل فيه عهداً جديداً وبحاجة إلى نهج جديد، بعيداً عن أجواء الصراعات، فنحن أمام مسؤولية أمانة تكليف لا تشريف".
وأضاف: "نحن بحاجة إلى رؤية جديدة للعمل الوطني تستند إلى الإصلاح والمشاركة الفعالة لتحقيق الطموحات الشعبية، ويجب صيانة وحدتنا الوطنية لأنها صمام الأمان لروح المواطنة، والحصن الحصين لحاضرنا ومستقبلنا".
كما قال نائب رئيس مجلس الأمة محمد المطيري: إن "الأجواء داخل قاعة عبد الله السالم خلال الجلسة الافتتاحية كان بها نوع من التعاون بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، ونتمنى أن يستمر التعاون في مصلحة البلاد".
ويتمتع البرلمان الكويتي بسلطات واسعة تشمل سلطة إقرار القوانين ومنع صدورها، واستجواب رئيس الحكومة والوزراء، والاقتراع على حجب الثقة عن كبار مسؤولي الحكومة، ليأتي السؤال الذي يتبادر إلى أذهان الجميع حول ما يمكن أن يقوم به المجلس خلال المرحلة المقبلة، وإمكانية استمرار التعاون بين السلطات.
لجنة تنسيقية
حرصت الحكومة مبكراً على تجنب التصعيد مع مجلس الأمة من خلال اعتمادها، خلال تأديتها اليمين الدستورية أمام ولي العهد (الاثنين 17 أكتوبر الجاري)، تشكيل لجنة تنسيقية مع البرلمان تتولى وضع الأولويات بينهما بما يضمن تحقيق التعاون بين السلطتين.
ويرأس اللجنة علي الشيتان، نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الدولة لشؤون مجلس الوزراء، وتضم في عضويتها بدر الملا، نائب رئيس مجلس الوزراء وزير النفط، وعمار العجمي وزير الدولة لشؤون مجلس الأمة وزير الدولة لشؤون الإسكان والتطوير العمراني.
وتهدف اللجنة للتنسيق بينها وبين مجلس الأمة للعمل من أجل تحقيق التعاون بين السلطتين اللتين تسبب التصادم بينهما في الفترة الماضية بعرقلة الحياة السياسية في البلاد، قبل أن يقرر أمير البلاد، الشيخ نواف الأحمد الصباح، حل البرلمان، في يونيو الماضي، بهدف تصحيح المشهد السياسي.
وبعد قرار الحل ذهبت الكويت إلى انتخابات برلمانية، في سبتمبر الماضي، وشهدت العملية الانتخابية إقبالاً واسعاً أسفر عن نسبة تغيير بلغت 54٪ عن المجلس السابق، باحتساب عدد أعضاء المجلس المنحل الذين فضلوا عدم خوض الانتخابات الحالية.
وأفرزت الانتخابات دخول 27 عضواً جديداً إلى مجلس الأمة، منهم 15 مرشحاً لم يسبق لهم الحصول على عضوية البرلمان من قبل، و12 نائباً من نواب المجالس السابقة، وبينما لم يترشح سبعة من أعضاء مجلس الأمة 2020، فشل 20 عضواً في الحفاظ على مقاعدهم البرلمانية.
التقاط للأنفاس
الأكاديمي والباحث السياسي عايد المناع يتوقع وجود تعاون بين الحكومة ومجلس الأمة خلال الفترة القادمة، وربما يمتد إلى عام أو عامين.
ويقول المناع في حديثه لـ"الخليج أونلاين": إن "المرحلة الماضية طويت صفحتها، والنواب الحاليون غالبيتهم يدخلون البرلمان لأول مرة، أو من النواب الذين كانوا معارضين لرئيس الوزراء ورئيس مجلس الأمة السابقين، والذين كانوا يطالبون برحيلهم".
ويرى أن "الكل يريد التقاط الأنفاس خلال الفترة القادمة، خاصة أن ولي العهد تعهد بأنه سيكون المحاسب الأول للحكومة، إضافة إلى أن رئيس الوزراء أبدى حرصه على التعاون".
ويوضح المناع أن اختيار السعدون رئيساً للمجلس، والذي يعد رجلاً مخضرماً ورئيساً لعدة مرات سابقة، "سيؤدي دوراً في أن يكون الاحتكام للدستور وللائحة، ومساومات بين النواب والنواب، والنواب والحكومة، لحل الكثير من الخلافات".
واستبعد المناع أن تشهد المرحلة القريبة القادمة استجوابات داخل مجلس الأمة، خاصة أن الحكومة الحالية أعيد تشكيلها أكثر من مرة، وتم الاستئناس برأي النواب، و"ذلك يعد شيئاً جديداً لم يحدث بالسابق".
ويبين أن رئيس الحكومة أراد تجنب الصدام مع المجلس، لذلك عدل التشكيلة وحظيت حكومته برضا النواب بنسبة أكثر من 90%.
ويشير إلى أن مجلس الأمة لديه بالمرحلة القادمة مجموعة من المتطلبات؛ كتعديل القوانين المقيدة للحريات، والعمل على استكمال العفو الأميري بإعادة الكثير من المحكومين الموجود بعضهم في الخارج.
ويلفت إلى أن قضايا السكن والتعليم والصحة، والأمن الداخلي والخارجي، ومكافحة الفساد وغسل الأموال، ستكون محل نقاش خلال المرحلة القادمة، من خلال اللجان وتقاريرها داخل البرلمان على مسمع ومرمى الحكومة.
من جهته يؤكد رئيس تحرير صحيفة "الرؤية" الكويتية أن هناك حالة من التفاؤل لوجود تعاون مشترك كبير بين مجلس الأمة والحكومة الكويتية.
ويقول مجبل في حديثه لـ"الخليج أونلاين": "نترقب خلال الجلسات القادمة تقديم ما هو خير للكويت بسبب التعاون بين المجلس والحكومة، وهو ما سينعكس على تحسين حياة المواطنين للأفضل".
وبين أن مجلس الأمة "عاش أفضل أيام عمره خلال الجلسة الافتتاحية له، يوم (الثلاثاء 18 أكتوبر الجاري)، وهو ما كان يعد عرساً كبيراً".