يوسف حمود - الخليج أونلاين
حياة سياسية جديدة تشهدها الكويت في منتصف العام الجاري، بعد أجواء عاصفة ضربت المشهد السياسي خلال الأشهر الماضية، وسط آمال شعبية بأن تستقر الأوضاع السياسية لكي تمضي البلاد نحو التنمية والازدهار.
وبعد أزمات كبيرة بين الحكومات والمجالس النيابية السابقة، أبصرت حكومة جديدة في الكويت، هي الخامسة في أقل من عام، النور، برئاسة الشيخ أحمد النواف، نجل أمير البلاد، وهي الخطوة التي اتخذها أمير الكويت، بعد أقل من أسبوعين من انتهاء الانتخابات التشريعية، على أمل أن تمضي البلاد نحو الاستقرار السياسي.
ومع العودة المفاجئة لإحدى أبرز الشخصيات السياسية المتمثلة بالشيخ أحمد الفهد الصباح، بعد ابتعاد 12 عاماً عن العمل الحكومي، سيكون أمام الحكومة الجديدة مهمات صعبة، أبرزها تهدئة المناخ السياسي السائد في المرحلة الماضية مع مجلس الأمة، فهل تتمكن من تجاوزها، أم أن الخلافات والاستقالات ستعود مجدداً؟ يتساءل مراقبون.
15 وزيراً.. و"الفهد" يعود
بعد 11 يوماً من إعلان الشكل النهائي والفائزين بمقاعد مجلس الأمة في الكويت، كانت البلاد على موعدٍ مع صدور مرسوم بتشكيل الحكومة الـ44 برئاسة الشيخ أحمد النواف، والتي ضمت 15 وزيراً بينهم 4 نواب لرئيس الوزراء، و9 وزراء من الحكومة الماضية، في حين دخل 6 جدد وغادر 5 من الحكومة السابقة.
ووفق صحيفة "القبس" المحلية، فإن الحكومة الجديدة حدث فيها "تغيير بنسبة بلغت 40% مقارنةً بسابقتها"، فضلاً عن وجود امرأة واحدة هي أماني بوقماز وزيرة الأشغال العامة.
وسجلت الحكومة الجديدة مفاجأة بعودة الشيخ أحمد الفهد إلى الطاقم الحكومي، بعد أن غادره في 13 يونيو 2011، حيث يعود هذه المرة نائباً لرئيس الوزراء وزيراً للدفاع.
وشملت الحكومة الشيخ طلال الخالد نائباً أول لرئيس الحكومة ووزيراً للداخلية، والشيخ سالم العبد الله وزيراً للخارجية، وعيسى أحمد الكندري نائباً للرئيس وزير دولة لشؤون المجلس وشؤون مجلس الأمة.
كما ضمت أيضاً سعد حمد البراك نائباً للنواف ووزيراً للنفط ووزير دولة لشؤون الاقتصاد والاستثمار، وأحمد العوضي وزيراً للصحة، وحمد العدواني وزيراً للتعليم، ومحمد العيبان وزيراً للتجارة والصناعة وزير دولة لشؤون الشباب، ومناف الهاجري وزيراً للمالية.
وكان الشيخ أحمد النواف قد أعيد تكليفه بتشكيل الحكومة الجديدة في الكويت (13 يونيو 2023)، ليكون التكليف الرابع له بتشكيل حكومة خلال أقل من عام، بعد إجراء انتخابات مجلس الأمة.
مجلس أمة.. وصراعات سابقة
بعد أن اختار الشعب الكويتي ممثليه في مجلس الأمة 2023، زكى البرلمان أحمد السعدون رئيساً لمجلس الأمة للفصل التشريعي الـ17، ومحمد المطير نائباً، كما زكى مبارك الطشة أميناً للسر، ومحمد هادي الحويلة مراقباً للمجلس.
وكان لافتاً تسجيل رئيس مجلس الأمة السابق، مرزوق الغانم، اعتراضه على تعيين الشيخ أحمد الفهد في منصب النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع، بسبب ما سماه مخالفته المادة 125 من الدستور، وحُكم المحكمة الدستورية رقم 8 لعام 2008.
ويخوض الغانم والفهد صراعات مريرة منذ عام 2011، حيث يتهم الأخير مرزوق الغانم بأنه أحد المسؤولين عن إقصائه من المشهد السياسي، ومواجهته في أروقة المحاكم على خلفية قضايا متعددة، وخاصة القضية التي عرفت بـ"بلاغ الفتنة".
ورغم أهمية القضايا التي ينتظر الكويتيون لحلها، فإن إعادة الثقة بين الحكومة الجديدة -التي تضم في عضويتها 15 وزيراً- والسلطة التشريعية -التي تتمثل في مجلس الأمة- تعد أبرز التحديات، خصوصاً بعد رفض الحكومة السابقة بعض القرارات، مثل إسقاط القروض ورفض التعامل مع الاستجوابات التي تم تقديمها للحكومات المستقيلة.
وتعد الحكومة الحالية هي الرابعة، منذ تشكيل أول حكومة للنواف في الأول من أغسطس 2022، أي في أقل من عام، التي استقالت بعد شهرين فقط وتحديداً في أكتوبر الماضي، قبل أن يشكل حكومته الثانية في 16 أكتوبر، والتي استمرت شهرين ونصف الشهر حتى 26 يناير 2023، وكانت استقالة الحكومتين بسبب خلافات وصراعات مع أعضاء في مجلس الأمة.
وفي 9 أبريل 2023 شكل حكومته الثالثة التي استقالت بعد الانتخابات الأخيرة، قبل الإعلان الحديث بتشكيل حكومته الرابعة.
موجة تفاؤل ولكن!
المؤسس والرئيس التنفيذي لمركز ريكونسنس للبحوث والدراسات، عبد العزيز العنجري، يقول إن "هناك موجة من التفاؤل وأملاً لدى النخبة وعموم الشعب بتحقيق تعاون حكومي برلماني يقودنا من أعماق الخلافات التي مزقت الحياة السياسية وأضعفت الاقتصاد طوال العقد الماضي، سعياً لتحقيق قدر أعلى من الإنجازات".
وأوضح العنجري، في حديثه لـ"الخليج أونلاين"، أنه من الصعب تقدير فرص نجاح الحكومة الجديدة دون معرفة خططها وسياساتها المستقبلية. لكنه استدرك قائلاً: "بشكل عام نجاح أي حكومة عادةً يعتمد على القدرة على التصدي للتحديات الاقتصادية والاجتماعية، وكذلك القدرة على الحفاظ على الوحدة والتجانس وسط الضغوط السياسية".
وأضاف أنه رغم وجود بعض الأسماء المكررة، واعتماد نفس الآليات القديمة في تشكيل الحكومة، "فإن هذه الحكومة الجديدة تتميز بتشكيلة من الأسماء المبشرة بالتفاؤل، والتي يعول عليها في تحقيق التطلعات السياسية، شرط أن تحرص على تعزيز الشفافية والتواصل مع الشعب".
وحول اختيار الشيخ أحمد الفهد يقول العنجري إنه شخصية بارزة، بحضور جماهيري وشعبية لا تنكر، و"من الممكن أن يمثل قيمة إيجابية استثنائية للحكومة الجديدة".
وأشار إلى أن الفهد "لديه أصدقاء كثر في واشنطن ويحظى بتقدير واهتمام دوليين، وهناك رغبة مِن واشنطن بأن تكون الولايات المتحدة أولى محطات زياراته الدولية الرسمية".
وبخصوص مجلس الأمة، يرى أنه "لا يوجد وصف دقيق لمعارضة أو موالاة، نظراً لأن الانتخابات لا تتم بين أحزاب أو جماعات سياسية معترف بها رسمياً، وهذا يجعلنا أمام مجلس مكون من خمسين عضواً يمثلون ذواتهم الفردية المختلفة. يجتمعون على قضايا محددة ويختلفون على قضايا أخرى".
وأكمل أنه "لا بد للحكومة من السعي الجاد لتعميق الحوار والعمل المشترك مع النواب لإيجاد حلول متفق عليها للقضايا الراهنة".
وشدد على أن جلسة افتتاح البرلمان كانت استثنائية في أحداثها، لا سيما في التوافق بين الحكومة والبرلمان، وقد كشفت هذه الجلسة عن قدرات لبعض النواب على مستوى رجال دولة محترفين وعلى مستوى عالٍ من الكفاءة، مضيفاً أنه "مشهد افتقدناه لما يقارب العقد من الزمن. وهذا مؤشر على أننا أمام مجلس أكثر استقلالية من المجالس السابقة".
وحول الملف الاقتصادي يعتقد العنجري أن القضايا الاقتصادية لا تزال غائبة عن سلم الأولويات المعلنة من 49 نائباً حتى الآن، و"لا يبدو أنها ذات أولوية رغم أهميتها، فالمخاطر المرتبطة بالوضع الاقتصادي والمالي الحالي مهولة لكنها متخفية خلف ستار أسعار النفط المرتفعة".
وخلص في ختام كلامه إلى أن هذا الوضع الاقتصادي المعقد "تعيه الحكومة جيداً وقد أشار له رئيس الوزراء في كلمته أمام البرلمان، ولا شك أنه سيكون على قمة أولوياتها".
وشدد على أهمية أن يفهم النواب هذا الوضع والتعاطي معه بإيجابية، وتعديل أولوياتهم بناء عليه، "حتى لا تختلف الأولويات وتتضارب الأجندات ونعود للمربع الأول من جديد".
الاستجواب.. مؤشر التصادم
يعد الاستجواب أحد أدوات الرقابة التي يقوم بموجبها عضو مجلس الأمة الكويتي بتوجيه اتهام لأحد أعضاء الحكومة بخصوص معلومة تثير الشكوك في موضوع محدد، ضمن حقوق النواب لتقصي الحقائق ومراقبة أداء السلطة التنفيذية، وفقاً للدستور.
ومنذ تأسيس الحياة البرلمانية في الكويت عام 1963 وحتى منتصف يناير الماضي، بلغ عدد استجوابات البرلمان للحكومة 138 استجواباً، مع تقديم نائبة سابقة استجواباً لنائب رئيس الحكومة السابق براك الشيتان، والذي انتهى بتقديم الحكومة استقالتها.
وعرفت الكويت رحيل 14 حكومة واستقالة وإعفاء 16 وزيراً من جراء هذه الاستجوابات، في ظاهرة أصبحت لافتة لتكرار استخدام النواب الاستجوابات الأداة العليا برلمانياً.
ومن بين من قدموا استقالتهم سابقاً بسبب الاستجوابات الشيخ أحمد الفهد، عام 2011 بوصفه حينها نائباً لرئيس مجلس الوزراء وزير الدولة لشؤون الإسكان وزير دولة لشؤون التنمية، بسبب استجوابه في البرلمان على خلفية اتهامات بقضايا فساد، وسط مخاوف أن تكون عودته سبباً للتوتر مع البرلمان.
وفي مارس الماضي، ذكرت صحيفة "القبس" المحلية أن أعضاء الحكومة تلقوا 2370 سؤالاً من أعضاء مجلس الأمة، أي بمعدل 20 سؤالاً يومياً، منذ بدء ممارسة الحكومة أعمالها في أكتوبر الماضي وحتى استقالتها في يناير الماضي، أي خلال أقل من 4 أشهر.