سياسة وأمن » تصريحات

ما مستقبل العلاقات الأمريكية - الخليجية في ظل الحرب على غزة؟

في 2024/01/11

يوسف حمود - الخليج أونلاين

تمكنت دول الخليج حتى الآن، من خلال استراتيجيات متباينة ومتزامنة إلى حد ما، من اجتياز أزمة العدوان الإسرائيلي على غزة وحماية مصالحها مع الولايات المتحدة، خصوصاً في ظل السياسة الأمريكية خلال الحرب.

وبرغم تطابق مواقف الإدارات الأمريكية السابقة مع المبادرة العربية التي طرحتها السعودية عام 2002، والتي حظيت بإجماع عربي، فإن الانحياز الأمريكي للاحتلال الإسرائيلي أدخل العلاقات بين الجانبين في اختبار صعب.

وسبق أن أصيبت علاقة أمريكا في الخليج بأزمات ثقة متتالية خلال الأعوام الماضية، بدءاً من تخفيض قواتها في المنطقة، والعلاقة مع إيران، والانسحاب المرتبك والفوضوي من أفغانستان عام 2021، فيما لا تزال التباينات غير الواضحة فيما يتعلق بالعدوان الإسرائيلي الحالي.

بين الاختبار والإحباط

مثل العدوان الإسرائيلي على غزة اختباراً جديداً للعلاقات بين دول الخليج وأمريكا، مما أثار تساؤلات حول الرؤية الأمريكية للنظام الإقليمي التي تركز على العلاقات الاقتصادية، بدلاً من حل الخلافات السياسية والانقسامات التاريخية.

ولطالما دافعت الولايات المتحدة عن التطبيع العربي مع "إسرائيل"، فقد أقامت الإمارات والبحرين علاقات رسمية مع الاحتلال في عام 2020 بموجب اتفاقيات أبراهام، التي توسطت فيها واشنطن وتلاها كل من المغرب والسودان.

وبينما كانت واشنطن تأمل أن تكون السعودية، الدولة الأكبر في الخليج، هي التالية، فإنها أصيبت بإحباط عقب الحرب على غزة واختلاف المواقف بين السعودية والولايات المتحدة منها.

وجاء موقف السعودية واضحاً بالدعوة إلى وقف شامل لإطلاق النار في غزة، ووصف الحرب بأنه "تطور خطير وكارثة إنسانية"، والقيام بجهود دولية لوقف العدوان، فضلاً عن إطلاق جسر إغاثي لغزة وتنظيم حملة تبرعات شعبية.

كما أشار "كريستيان ساينس مونيتور" الأمريكي، إلى أن دول الخليج محبطة بسبب عدم قدرة الإدارة الأمريكية أو عدم رغبتها في استخدام نفوذها لدى "إسرائيل" لوقف الحرب، وسط مخاوف من التوترات التي تشهدها المنطقة في البحر الأحمر والعراق ولبنان، وإمكانية أن يتوسع الصراع.

تحالفات واهتمام أمريكي

وبشكل مستمر تواصل دول الخليج الضغط على واشنطن عبر تشكيلها تحالفاً دبلوماسياً لوقف الحرب في غزة، حيث قدمت الإمارات العربية المتحدة إلى مجلس الأمن عدة قرارات، لكن واشنطن استخدمت حق النقض (الفيتو) ضدها، ما جعل أمريكا "مسؤولة عن مواصلة الحرب" وفق المواقف الخليجية.

وفي ظل الموقف الأمريكي الداعم لـ"إسرائيل" اتحدت دول الخليج مع الدول العربية والإسلامية، ونسقت جهودها الدبلوماسية حول 3 "لاءات"؛ هي: "لا تهجير قسري للفلسطينيين من قطاع غزة، ولا قوات عربية في غزة، ولا لإعادة احتلال إسرائيلي للقطاع".

وبينما تركز أمريكا بشكل كبير على التقارب مع السعودية بعد الأزمات التي مر بها البلدان، ترتبط واشنطن بعلاقات كبيرة مع الدوحة، التي أصبحت مزاراً لدبلوماسيين من أمريكا ودول مختلفة؛ لدورها الكبير في إنجاح هدنة وتبادل أسرى، وعملها المستمر لوقف الحرب وإبرام صفقة تبادل أسرى ثانية.

ولم يؤدِّ الدور الأمريكي في المنطقة إلا إلى تفاقم الوضع، وارتفاع نبرات الغضب داخل دول خليجية، حيث تزايدت الدعوات في الكويت وعُمان لطرد السفير الأمريكي، كما سحبت البحرين سفيرها من "إسرائيل" في نوفمبر الماضي، وأعلنت مغادرة سفير الاحتلال لديها.

وتقود سلطنة عُمان، وبطلب أمريكي مباشر، وساطة مع مليشيا الحوثيين في اليمن لوقف هجماتها على السفن الأجنبية التي تتوجه إلى "إسرائيل" في البحر الأحمر.

تحديات معقدة

وعلى الرغم من الاهتمام الأمريكي بالمنطقة على ضوء التطورات، لا يزال الخليجيون يسعون نحو بناء تحالفات مختلفة، خصوصاً مع الصين وروسيا ودول أخرى، وهو ما كان لافتاً من الزيارات والاتفاقيات العسكرية، كما حدث بزيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى الرياض مطلع ديسمبر الماضي .

وعلى عكس الجانب الأمريكي، فقد بدا لافتاً تناوب وزير الخارجية أنتوني بلينكن، ووزير الدفاع لويد أوستن، ومدير وكالة المخابرات المركزية ويليام بيرنز، ومسؤول شؤون الشرق الأوسط في البيت الأبيض بريت ماكغورك، على زيارة العواصم العربية والخليجية منذ 7 أكتوبر وحتى مطلع يناير الجاري لبحث وقف الحرب في غزة.

يؤكد عبد العزيز العنجري، المؤسس والرئيس التنفيذي لمركز "ريكونسنس" للبحوث والدراسات، أن على الولايات المتحدة الأمريكية "ضرورة إعادة تقييم لموقفها تجاه القضية الفلسطينية".

ويشير، في حديثه لـ"الخليج أونلاين"، إلى أن "العلاقات بين الولايات المتحدة ودول الخليج تواجه تحديات معقدة ومتزايدة، متأثرة بعوامل عديدة"، مؤكداً أن أبرز هذه التحديات يتمثل في "تدرج واشنطن نحو الاهتمام أكثر بمصالحها الخاصة وما تسميه أمنها القومي، حتى وإن أدى ذلك إلى سياسات تجد استهجاناً واستنكاراً شعبياً عربياً".

ويرى أن الدول التي تضم قواعد عسكرية أمريكية، من بينها دول الخليج، "هي الأكثر تضرراً محتملاً في المرحلة القادمة"، مشيراً إلى أنها "تواجه خطر الاستهداف من جماعات لا تستطيع كبت غضبها تجاه تصرفات أمريكا، مما قد يزيد التوترات الأمنية بالمنطقة"، حسب تقديره.

ويلفت، في حديثه لـ"الخليج أونلاين"، إلى أن فقدان الهيمنة الأمريكية، وتغير التوازن الجيوسياسي العالمي "يؤدي إلى تقليل قدرة أمريكا على الاعتماد على هيمنتها كقوة عظمى، ويحد من قدرتها على التحكم بقرارات المنطقة، مما يدفعها للتركيز أكثر على مصالحها الخاصة، وما تسميه أمنها القومي".

ويقول في هذا الصدد: "قبل عشرين عاماً، نجد دولاً كانت مستقرة أو شبه مستقرة رغم وجود مشكلات، كانت تعيش وضعاً مختلفاً عما هي عليه الآن"، مضيفاً: "العالم يبدو وكأنه ينكمش، ولم يتبق إلا دول الخليج كمعاقل استقرار نسبي في وجه هذه التحديات، مما يطرح تساؤلات حول استمرار هذا الوضع".

وتابع: "لم يعد هناك عالم عربي بالمفهوم التقليدي، بل نواجه الآن عالماً يضم عرباً يعانون من الإنهاك والتعب، ويناضلون من أجل الإصلاح دون تحسن ملحوظ في مستوى معيشتهم".

ويؤكد أن هذا الواقع "يثير مشاعر الخوف والقلق حول مستقبل المنطقة ودورها في السياسة العالمية"، مضيفاً: "بشكل عام، قد تؤثر هذه التحولات الجيوسياسية والديمقراطية بشكل كبير على العلاقات بين الولايات المتحدة ودول المنطقة، وخصوصاً دول الخليج، وعلى النظام العالمي ككل".