سياسة وأمن » تصريحات

التنافس الخفي بين السعودية والإمارات قد يدفع واشنطن لمراجعة استراتيجية

في 2024/01/26

أراش رايزينجاد ومصطفى بوشهري/فورين بوليسي - ترجمة الخليج الجديد- 

سلط الزميل الزائر في مركز الشرق الأوسط بكلية لندن للاقتصاد والعلوم السياسية، أراش رايزينجاد، وزميل الطاقة العالمية في مركز سياسة الطاقة العالمية بجامعة كولومبيا، مصطفى بوشهري، الضوء على ما وصفه بـ "التنافس الخفي" بين السعودية والإمارات على وقع الحرب بين إسرائيل والمقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، التي اندلعت وسط اتجاه إقليمي واضح نحو "التعايش السلمي"، حسب تعبيره، مشيرا إلى أن نتائج هذا التنافس قد تدفع واشنطن لمراجعة استراتيجية.

وذكر الزميلان، في تحليل نشره موقع مجلة "فورين بوليسي" وترجمه "الخليج الجديد"، أن التحول في الشرق الأوسط على صعيد التحالف الوثيق بين السعودية والإمارات ترمز إليه الصداقة الواضحة بين زعيميهما الفعليين: محمد بن سلمان ومحمد بن زايد، حيث اتحد البلدان لمواجهة القوة الناعمة المتوسعة لقطر في العالم العربي، وشاركا في حصارها عام 2017.

كما قاد الزعيمان حربا ضد الحوثيين المدعومين من إيران في اليمن منذ عام 2014، وتواصلا مع بكين وموسكو، وتبنا سياسة أكثر استقلالية، تختلف عن تحالفهما التقليدي مع الولايات المتحدة.

ولكن ما يكمن تحت سطح هذا التحالف الأخوي الواضح هو صراع هادئ، حيث يتنافس البلدان على الزعامة داخل العالم العربي، وهي المنافسة التي يصفها رايزنجاد وبوشهري بأنها "جيواقتصادية نشطة بأبعاد متعددة".

الاستثمار والطاقة

وأوضح الزميلان أن المنافسة هائلة على الاستثمار الأجنبي بين السعودية والإمارات وتعود إلى عام 2009، عندما اعترضت أبو ظبي على الموقع المقترح لمقر البنك المركزي لدول مجلس التعاون الخليجي في الرياض، ما لعب في نهاية المطاف دورا في إحباط إنشاء البنك نفسه.

وبين عامي 2012 و2022، كان تدفق الاستثمار إلى الناتج المحلي الإجمالي في الإمارات أكبر بنحو 3.5 مرة من نظيره في السعودية، وأصبحت دبي الموقع المفضل لنحو 70% من المقرات الرئيسية للشركات الكبرى متعددة الجنسيات في الشرق الأوسط.

وفي الوقت نفسه، أدى ارتفاع أسعار النفط في عام 2022، بسبب الغزو الروسي لأوكرانيا، إلى دفع الاقتصاد السعودي إلى النمو بنسبة 8.7%، وهو أعلى معدل بين دول مجموعة العشرين، التي أنتجت تدفقات كبيرة من رأس المال.

وشجعت السعودية بنشاط الشركات الأجنبية العاملة في منطقة الخليج العربي على نقل مقرها الرئيسي إلى أراضي المملكة، وحذرت من أن "الشركات التي لن تستجيب لذلك ستخاطر بوقف العلاقات التجارية مع الرياض".

وأدت سياسات الطاقة بين السعودية والإمارات إلى زيادة حدة المنافسة بينهما، ففي صيف 2021 برز خلاف واضح بين الرياض وأبو ظبي بشأن خطة تقودها السعودية ضمن تكتل "أوبك+" لإطالة أمد تخفيضات الإنتاج، مع رفض الإمارات للمقترح.

ورغم التوصل إلى حل واضح لهذا التوتر بسرعة، إلا أن شائعات لاحقة انتشرت بشأن اعتراض أبو ظبي على هيمنة الرياض داخل "أوبك+" وتفكيرها المحتمل في الانسحاب من التكتل.

كما أدت المنافسة على المكانة العالمية إلى إحداث شرخ بين السعودية والإمارات، بحسب الزميلين، فكلا البلدين تستثمران بشكل استراتيجي في الجهود الرامية إلى تعزيز قوتهما الناعمة من خلال استضافة تجمعات دولية بارزة، إذ أنشأت السعودية مؤتمر مبادرة "مستقبل الاستثمار"، في حين استضافت أبو ظبي منتدى الاستثمار العالمي، وهو حدث سنوي تنظمه الأمم المتحدة.

وبعد أن نظمت الإمارات معرض إكسبو 2020 في دبي، وهو الأول من نوعه في الشرق الأوسط، دخلت السعودية التاريخ من خلال تأمين حقوق استضافة معرض إكسبو 2030.

وإضافة لذلك، تم اختيار دبي كمستضيف لمؤتمر الأمم المتحدة السنوي المحوري لتغير المناخ، العام الماضي، ويستمر هذا الالتزام باستضافة القمة، حيث من المقرر أن تستضيف أبوظبي المؤتمر الوزاري لمنظمة التجارة العالمية في فبراير/شباط المقبل.

وبعد استضافة قطر الناجحة لكأس العالم لكرة القدم 2022، اتخذت الرياض مبادرات لرفع مستوى الدوري الوطني لكرة القدم من خلال جذب نخبة اللاعبين العالميين، ومنذ أوائل عام 2021 التزمت السعودية بإنفاق بما لا يقل عن 6.3 مليار دولار في الاتفاقيات الرياضية، وهو ما يتجاوز إجمالي الإنفاق في السنوات الست السابقة بأكثر من 4 أضعاف.

وتشتهر دبي بمجتمعها العالمي المنفتح نسبيًا، حيث تجتذب المشاهير لاستضافة الحفلات الموسيقية والعروض. إلا أن هذا الامتياز لم يعد يقتصر على دولة الإمارات، ففي ديسمبر/كانون الأول 2023، استضافت الرياض بنجاح MDLBEAST Soundstorm، وهو أكبر مهرجان موسيقي في الشرق الأوسط.

استراتيجيات الرؤية

أما المنافسة الأخيرة والأكثر محورية فتتعلق باستراتيجيات "الرؤية" التي تنتهجها الدولتان، فقد رسخت الإمارات مكانتها كمركز عالمي للنقل والأعمال من خلال مبادرات استراتيجية تتعلق بمينائي خليفة وجبل علي، يكملها نجاح الناقل الجوي "طيران الإمارات".

وفي المقابل، أطلق ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، رؤية 2030، وهي خريطة طريق طموحة للتنويع الاقتصادي السعودي، في عام 2016، تشمل مشروعا رئيسيا هو مبادرة نيوم، وهو مسعى بمليارات الدولارات يهدف إلى وضع السعودية كدولة بارزة في البنية التحتية والنقل والتكنولوجيا ومركز للأعمال والمال في المنطقة.

كما التزمت الرياض بإنفاق بأكثر من 100 مليار دولار من أجل التحول إلى مركز لوجستي بحري وجوي، وفي هذا الإطار أطلقت شركة "طيران الرياض، وضخت استثمارات كبيرة في ميناء جدة الإسلامي، المقرر أن يصبح أكبر وأكثر الموانئ ازدحاما في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

إيران وإسرائيل

ويشير الزميلان، في هذا الصدد، إلى أن التقارب مع إيران مؤخرا قد يزيد من حدة المنافسة بين السعودية والإمارات، فقد أدى الانفراج الذي قادته بكين بين طهران والرياض إلى القضاء بشكل فعال على التهديد الأساسي المشترك في المنطقة بالنسبة للبلدين الخليجيين، وبالتالي الحد من الصراعات الجيوسياسية طويلة الأمد بين الأجزاء الشمالية والجنوبية من الخليج.

وبالمضي قدمًا، قد تدخل المنطقة حقبة جديدة يتحول فيها التركيز من المنافسة الجيوسياسية بين إيران ودول مجلس التعاون الخليجي إلى المنافسة الجيواقتصادية بين السعودية والإمارات، بحسب الزميلين، اللذين أشارا إلى أن كلا البلدين تتبنيان سياسات تجارية ترقى إلى مستوى التحدي المباشر لبعضهما البعض.

ففي يوليو/تموز 2021، نفذت السعودية سياسات حمائية لتعزيز إنتاجها الصناعي المحلي، تنص على أن البضائع المصنعة في المناطق الحرة أو التي تستخدم مدخلات إسرائيلية مستثناة من الامتيازات الجمركية التفضيلية، ما يمثل تحديا مباشرا للمناطق الاقتصادية الحرة التي تشكل حجر الزاوية في الاقتصاد الإماراتي.

وتشكل السياسة تجاه إسرائيل مجالاً آخر لخلاف محتمل بين البلدين، فبينما اعترفت الإمارات رسميًا بإسرائيل في عام 2020، امتنعت السعودية حتى الآن عن الانضمام إلى اتفاقيات إبراهيم.

وعززت إسرائيل والإمارات العلاقات الثنائية من خلال التوقيع على اتفاقية شراكة اقتصادية شاملة، ما وضع الرياض في موقف ضعيف نسبياً، خاصة بعد اندلاع الحرب بين إسرائيل والمقاومة الفلسطينية، ما أدى إلى تباطؤ عملية التطبيع السعودية الإسرائيلية.

 لكن الزميلان يرجحان أن تنتعش المفاوضات للتطبيع السعودي الإسرائيلي مجددا، وأن تكون مصالح الرياض حجر الزاوية في الاتفاقات، ومنها الحصول على تنازلات أمريكية إضافية فيما يتعلق بالبرامج النووية والضمانات الأمنية، وهو ما قد يمثل ضغطا على سياسة رئيس الإمارات، محمد بن زايد، تجاه إسرائيل.

ومع اتساع الصدع بين السعوديين والإماراتيين، هناك احتمال أن تتسارع علاقاتهم مع موسكو وبكين وحتى إيران "كثقل موازن" للمنافسة الدائرة فيما بينهم، بحسب تعبير الزميلين، وهذا بدوره يمكن أن يضعف فعالية الاستراتيجية الأمريكية في الشرق الأوسط ويدفع البيت الأبيض إلى إعادة تقييم أهمية المنطقة.

ولذا يرى رايزينجاد وبوشهري أنه لا ينبغي اعتبار اصطفاف أبو ظبي والرياض مع سياسات الولايات المتحدة في المنطقة أمرًا مفروغًا منه، فكما هو الحال مع اندلاع الحرب بين إسرائيل والمقاومة الفلسطينية، يمكن للمنافسة الجيواقتصادية المتزايدة بين السعودية والإمارات أن تتحدى وجهة النظر التبسيطية القائلة بأن الشرق الأوسط مقدر له أن يصبح أكثر سلاما.