سياسة وأمن » تصريحات

طموح متشابه.. لماذا يتكرر الحديث عن وجود تنافس سعودي إماراتي؟

في 2024/02/02

كمال صالح - الخليج أونلاين- 

تباين أم خلاف؟ لا يوجد توصيف دقيق لطبيعة العلاقة بين السعودية والإمارات منذ العام 2019، ما جعلها مادة دسمة تلوكها ألسن وأقلام المحللين والكتاب والناشطين، مخرجين إياها من سياقها التنافسي في مجالات الاقتصاد والثقافة والترفيه، إلى سياق سياسي، وهو ما تم نفيه في أكثر من مناسبة.

ومن وقت لآخر، تخرج صحف غربية بتحليلات حول وجود تباينات بين السعودية والإمارات، إلا أن الرياض وأبوظبي لطالما نفتا ذلك، وأكدتا أن العلاقة بين البلدين محصنة.

ولعل التنافس الاقتصادي، وجملة الإجراءات التي اتخذتها الرياض في هذا المجال، تمثل المادة الخام للأطروحات حول وجود الخلافات، إضافة لتباين وجهة النظر بخصوص الملف اليمني، لكن ما يؤكده سياسيون وقيادات أخرى من البلدين، أن الحديث عن تباينات ليس أكثر من شائعات لا أساس لها.

نفي رسمي

وبالرغم من كثرة التحليلات حول طبيعة العلاقة بين الرياض وأبوظبي فإن الثابت في كل ذلك هو النفي الرسمي من البلدين لوجوده، والذي جاء في أكثر من مناسبة وعلى لسان أكثر من مسؤول.

ففي 3 يناير 2024، أدلى رئيس الاستخبارات السعودي الأسبق الأمير تركي الفيصل، ومستشار الرئيس الإماراتي أنور قرقاش، بتصريح مشترك في جلسة حوارية في دبي، فنّدا فيه مزاعم وجود خلافات بين البلدين.

ووجه الأمير السعودي سؤاله لمستشار رئيس الإمارات قائلاً: "أخ أنور هل بيننا خلاف؟"، ليرد عليه قرقاش قائلاً: "كل إلي يصير في السعودية إيجابي للإمارات، والي يصير في الإمارات إيجابي للسعودية، والي حاصل في المنطقة تعزيز لموقع العرب".

في حين قال الفيصل إن "عدد الرحلات الجوية بين السعودية والإمارات، واكتظاظ هذه الطائرات يعكس الواقع"، وذلك في إشارة إلى واقع العلاقات المستقرة بين البلدين، إضافة إلى أن "المواطن الإماراتي يعتبر سعودياً والمواطن السعودي يعتبر إماراتياً".

مبالغة في الدراما

وقبل هذا، في مارس 2023، كان وزير الخارجية السعودي قد وصف الأنباء عن وجود خلافات بين الإمارات والسعودية بأنها "مبالغة في الدراما"، مؤكداً وجود "شراكة قوية للغاية مع الإمارات".

وفي يوليو 2023، نفى قرقاش ما تضمنه تقرير لصحيفة "وول ستريت جورنال"، حول وجود خلافات بين بلاده والسعودية، كما وصف، في سبتمبر 2023، الحوار الذي أجراه ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، مع قناة "فوكس نيوز" الأمريكية، بأنه "حوار مهم، ورؤية طموحة، لولي العهد"، مؤكداً أن "نجاح السعودية هو نجاح للإمارات والمنطقة"، وأنه "يجمعنا المصير الواحد والمستقبل الواعد".

تنافس جيواقتصادي

ورغم تلك التصريحات النافية فإن الإعلام الغربي يصر على التطرق إلى "التنافس أو الخلاف" بين البلدين، مستدلاً أيضاً بغياب زعيمي البلدين، الرئيس الإماراتي الشيخ محمد بن زايد وولي العهد السعودي محمد بن سلمان، عن الزيارات واللقاءات المتبادلة منذ مدة.

وفي 25 يناير الجاري، نشرت مجلة "فورين بوليسي" تحليلاً حول "التنافس الخفي بين السعودية والإمارات"، تحدثت فيه عن شيء ما يدور في الخفاء، يناقض المعلن في العلاقة بين البلدين.

المجلة في تحليلها أشارت إلى أن هناك "صراعاً هادئاً"، وتنافس على "قيادة العالم العربي"، و"منافسة جيواقتصادية نشطة بأبعاد متعددة".

وكانت وكالة "فرانس برس"، نقلت في وقتٍ سابق عن خبراء قولهم، إن "التنافس الاقتصادي في طليعة أسباب التباين بين الدولتين"، ولعل الخطط الطموحة للأمير محمد بن سلمان، ورؤية 2030، وما تلاها من إجراءات تتعلق باجتذاب الاستثمارات، وتوفير التسهيلات، وسعي الرياض لتكون قبلة المستثمرين والشركات الكبرى، هو ما غذّى مزاعم وجود خلافات عميقة، بين البلدين.

وتعود جذور الخلاف الاقتصادي بين البلدين إلى عام 2009، حينما اعترضت الإمارات على استضافة الرياض لمقر البنك المركزي لمجلس التعاون الخليجي، وانسحابها من اتفاق الوحدة النقدية الخليجية، وهو ما أدى لتعطيل مشروع إصدار عملة خليجية موحدة، وبنك مركزي تابع للمجلس، وفق تحليل "فورين بوليسي".

أوبك بلس

ويبدو أن يوليو من العام 2021، كان موعداً لأول تباين اقتصادي معلن بين البلدين، إذ رفضت الإمارات طلباً سعودياً لتخفيض إنتاج دول منظمة "أوبك بلس"، وهو ما اعتبره وزير الطاقة الإماراتي، سهيل المزروعي، حينها "اقتراحاً غير عادل، من شأنه أن يكبد بلاده خسائر كبيرة".

وفي ديسمبر 2022، فرضت الرياض جملة من الإجراءات لإجبار الشركات الأجنبية متعددة الجنسيات على إقامة مقار لها في المملكة ضمن البرنامج السعودي لجذب المقار الإقليمية للشركات العالمية، وهو مبادرة مشتركة بين وزارة الاستثمار والهيئة الملكية لمدينة الرياض، ودخل القرار حيز التنفيذ مع بداية هذا العام.

وحتى يناير الماضي، أصدرت المملكة أكثر من 180 ترخيصاً لشركات عالمية من أجل نقل مقارها إلى الرياض، وهو ما اعتُبر، وفق تحليلات اقتصادية، "سحباً للبساط من تحت أقدام دبي"، التي كانت طيلة 20 عاماً قبلة للشركات العملاقة متعددة الجنسيات.

وفي مطلع يناير الجاري، أطلقت السعودية خمسة أنواع من الإقامات الجديدة المميزة، هدفها تسهيل وصول الأجانب، خصوصاً المستثمرين والمؤثرين والنخب في مختلف المجالات، إلى المملكة.

هذا الإجراء عدته وسائل إعلام مقربة من الإمارات "استنساخاً للنموذج الإماراتي في مجال الأعمال"، خصوصاً أنه جاء بعد إقرار أبوظبي تسهيلات مماثلة فيما يتعلق بالدخول والإقامة للأجانب في أبريل 2022.

علاقات راسخة

ومن وجهة نظر عبد الله آل هتيلة، مساعد رئيس تحرير صحيفة "عكاظ" السعودية، فإن العلاقات السعودية الإماراتية ثابتة وراسخة، بل وتاريخية بكل ما تعنيه الكلمة.

واستدل آل هتيلة، في تصريح لـ"الخليج أونلاين"، على تلك العلاقة الوثيقة بالإشارة إلى أن "ما يحدث في العالم من حروب وصراعات، ومتغيرات سياسية واقتصادية لم يؤثر على هذه العلاقات العميقة".

ولفت إلى أن تلك "العلاقة الطيبة بين قيادة البلدين، يضاف إليها العلاقات الأخوية بين الشعبين السعودي والإماراتي اللذين يربطهما الجوار والمصير المشترك والآمال والتطلعات الواحدة".

وشدد آل هتيلة على أنه "لا يمكن الحكم على هذه العلاقات من أمنيات من لا يريدون الخير للبلدين، الذين ينسجون من خيالاتهم قصصاً وحكايات عن خلافات بين البلدين".

تطابق في المواقف

ويقول آل هتيلة: "لعل المتابع اليوم في خضم هذه الأحداث المتسارعة وخاصة ما يعنينا في إقليمنا الملتهب، يلحظ أن هناك تطابقاً سعودياً إماراتياً في المواقف، وهو ما يؤكد أن لا وجود لخلافات بين البلدين إلا في عقليات من لا يتمنون الخير للدولتين والشعبين الشقيقين".

وفيما يتعلق بـ"التنافس الاقتصادي"، قال مساعد رئيس تحرير صحيفة "عكاظ": "أعتقد أنه ليس بهذا المعنى، ولكنه سعي من قبل كل دولة لأن يكون لها الحضور العالمي الذي يمكنها من تطوير أدواتها لخلق بيئة جاذبة من شأنها تحسين وضعها الاقتصادي".

واستدل على ذلك بكون العالم "ينظر إلى السعودية والإمارات على أنهما دولتان استطاعتا تسجيل حضور عالمي لافت على المستوى الاقتصادي، بدليل ما تشهدانه من حراك سياحي وفني وثقافي لفت الأنظار وجذب الملايين من السياح من مختلف أنحاء العالم".

وشدد آل هتيلة على ضرورة "مراعاة كثير من الجوانب عند الحديث عما تشهده السعودية من تطور، لكونه يأتي وفق رؤية 2030، التي تعتمد على عوامل جذب قد لا تكون متوفرة في كثير من الدول، خاصة وهي تجمع بين السياحة البحرية والصحراوية والجبلية، مدعومة بإرث حضاري وتاريخي وثقافي".