سياسة وأمن » تصريحات

الخطة “ب”: مع إسرائيل أو من دونها.. السعودية والولايات المتحدة ماضيتان لحلف دفاع

في 2024/05/03

تسفي برئيل - هآرتس - ترجمة القدس العربي- 

يُعرض اتفاق التطبيع بين إسرائيل والسعودية وكأنه هدية مقدمة لطفل رافض مقابل موافقته على تناول حبة دواء مُرة. هذا الاتفاق إذا تم التوقيع عليه فإنه وبحق سيكون انعطافة. وحسب الأوصاف المتفائلة، لن يخدم فقط مصلحة إسرائيل الاستراتيجية واستكمال اعتراف “العالم العربي” بوجودها وحاجتها الأمنية ويفتح أمامها قنوات اقتصادية غير مسبوقة، بل سيجر وراءه دولاً اسلامية أخرى مثل إندونيسيا التي أعلنت عن نية إقامة علاقات دبلوماسية مع إسرائيل بسبب الشروط التي تمليها منظمة OECD التي تطمح للانضمام إليها، وماليزيا وباكستان، وتأسيس ما يسمى “السور الواقي” أمام إيران.

للولايات المتحدة والسعودية مصلحة ثنائية قوية للتوقيع على حلف دفاع بينهما، وعلى اتفاق يسمح للسعودية بتطوير مشروع نووي مستقل حتى بدون هذا التطبيع. إن ربط حلف الدفاع والتعاون النووي بين الدولتين باتفاق التطبيع مع إسرائيل يحول مصالح الدولتين إلى رهينة في يد الحكومة الإسرائيلية. وحسب الخطة المطروحة الآن، فإنه لن يتم التوقيع على اتفاق حلف الدفاع مع السعودية بدون اتفاق التطبيع، والمشروع النووي أيضاً مرتبط به.

صحيفة “الغارديان” البريطانية نشرت أمس بأن السعودية تمضي نحو تطبيق “الخطة ب”. وحسب هذه الخطة، فإنها هي والولايات المتحدة صاغتا رزمة اتفاقات للتعاون الأمني والتكنولوجي، التي ستكون جزءاً من خطة اوسع تشملالتطبيع مع إسرائيل. “في ظل غياب وقف إطلاق النار في غزة وبسبب معارضة نتنياهو الشديدة لإقامة دولة فلسطينية مستقلة ونية إسرائيل شن الهجوم في رفح، فإن السعودية تدفع قدماً بالتوصل إلى خطة متواضعة أكثر، لن يكون فيها أي دور لإسرائيل”، كتب في تقرير “الغارديان”.

حسب هذه الخطة، ستوقع واشنطن والرياض على حلف دفاع، والولايات المتحدة ستساعد السعودية على تطوير مشروع نووي مدني وستحصل على التعاون التكنولوجي في مجال الذكاء الاصطناعي. في حينه، سيعرض على إسرائيل التطبيع مع السعودية مقابل الموافقة على حل الدولتين. ولكن حسب اقتراح السعودية البديل، “سيكون استكمال الاتفاق بين السعودية والولايات المتحدة مرتبطاً بموافقة نتنياهو (على شرط التطبيع)”.

يمكن إيجاد إشارة على احتمالية الفصل بين القناتين في أقوال وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، الذي قال في مؤتمر المنتدى الاقتصادي المنعقد في الرياض الإثنين: “حسب رأيي، العمل الذي قامت به السعودية والولايات المتحدة في كل ما يتعلق بالاتفاقات بيننا قريب جداً من الاستكمال بشكل محتمل… أي أنه في كل ما يتعلق بإنهاء العمل بيننا (واشنطن والرياض) أعتقد أن ما اعتبر خيالياً أو نظرياً سيصبح فجأة واقعياً”.

حلف الدفاع مع الولايات المتحدة تعبير عن تغيير جوهري في سياسة السعودية، التي اختارت خلال عشرات السنين إدارة تعاونها العسكري مع الولايات المتحدة من وراء ستار، وحرصت على عدم ربط نفسها علناً ورسمياً بحلف دفاع. بعد حرب الخليج الثانية، أبعدت السعودية القوات الأمريكية من أراضيها، وطلبت إخراج القاعدة الأمريكية الكبيرة في الخرج، وهي العملية التي جعلت قطر المستضيفة لأكبر قاعدة أمريكية في “العيديد”، ومنحها قبل سنتين تقريباً مكانة الحليف الأكبر غير العضو في الناتو.

بعد عقد ونصف تقريباً تدهورت العلاقات بين الدولتين، ووصلت إلى حضيض غير مسبوق وأخطر منذ عمليات 11 أيلول، التي كان متورطاً فيها على الأقل 19 سعودياً، وبعد قتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي في القنصلية السعودية في إسطنبول في العام 2018. بعد سنة، حصلت السعودية على صفعة مدوية من الرئيس ترامب بعد هجوم الصواريخ الذي تلقته السعودية على منشآت النفط الكبرى لشركة “أرامكو”، إذ توقعت رداً عسكرياً أمريكياً ضد إيران، ولكن ترامب أوضح بأنه لا ينوي العمل لأنه “هجوم عليهم وليس علينا”. بعد ذلك، أوضح للسعودية بأنه مستعد للمساعدة في الدفاع عن المملكة، ولكن مقابل الدفع.

وصل الرئيس بايدن إلى المنصب وفي جعبته الكثير من الغضب من ولي العهد السعودي ومن المملكة. مرت نحو 18 شهراً على توليه للمنصب، اندلعت الحرب في أوكرانيا ومعها أزمة الطاقة العالمية إلى جانب جمود في المفاوضات على اتفاق نووي جديد مع إيران، قبل اضطراره للذهاب إلى موقف مهين له ومصافحة ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان. ولكن بعد الزيارة، لم تتبن السعودية فكرة “ناتو الشرق الأوسط”، التي طرحت في فترة ولاية ترامب. وفي الوقت نفسه، استمرت الرياض في الدفع قدماً بعلاقاتها التجارية والأمنية مع الصين وروسيا. وقد بقيت محايدة تجاه العقوبات التي فرضت على موسكو. وقبل سنة، منحت بكين إنجازاً سياسياً مهماً عندما استأنفت بوساطتها علاقتها مع إيران. حركة البندول السعودي بين الولايات المتحدة الحليفة التاريخية، والصين وروسيا، أوضحت لها بأنه مع وجود المعركة الاستراتيجية العالمية التي تديرها واشنطن أمام الدولتين العظميين الخصمتين، لا يمكنها السماح لنفسها بإهمال الشرق الأوسط، لا سيما دول الخليج وعلى رأسها السعودية.

حلف الدفاع مع السعودية بدون صلة بعلاقتها مع إسرائيل أصبح حجر زاوية حيوياً في السور الأمريكي المحصن الذي قد يقطع “التطلع نحو الغرب”، إلى روسيا وبالأساس الصين. هذا الحلف قد لا يجمد منظومة العلاقات التجارية المتشعبة بين الرياض وبكين، وموسكو أيضاً، ولن يؤدي إلى قطيعة جديدة بين السعودية وإيران. ولكنه على الأقل قد يخرج الصين من المعادلة الاستراتيجية الإقليمية التي تعد فيها السعودية دولة رئيسية.

هذا الحلف سيجبر الرياض على التنازل عن هامش مناورة سياسية، لكن يبدو أن هذا هو الثمن الذي تستعد فيه المملكة (التي هي في الأصل مرتبطة بالسلاح الأمريكي والتكنولوجيا الأمريكية) لدفعه مقابل تعهد أمريكي للدفاع عنها. ولكن حجم التعهد مليء بالتفاصيل، وسيكون محل اختبار في الكونغرس، الذي يجب عليه المصادقة على هذا الحلف. مثلاً، من غير الواضح من الذي سيحدد ماهية الهجوم على السعودية الذي يقتضي التجند الأمريكي؟ هل هو المس بحرية الملاحة لسفن السعودية في الخليج الفارسي أم أن إطلاق الحوثيين للصواريخ على أراضي السعودية سيفعل سلاح الجو الأمريكي؟ هل ستوافق السعودية على وجود عسكري أمريكي كثيف على أراضيها؟ أو كيف ستتم حماية التكنولوجيا الأمريكية التي سيتم نقلها للسعودية؟

أمثلة على الأسئلة الصعبة التي ربما وجدت الإجابة عليها في نقاشات تطرق إليها بلينكن في أقواله، لكن ما زال عليه إقناع الكونغرس أيضاً. تكمن بين نسيج هذه القضايا مسألة التطبيع مع إسرائيل، التي لم تكن عقبة كأداء لولا 7 أكتوبر؛ إذ لم تطلبت السعودية في حينه لقبول التطبيع سوى تنفيذ خطوات “تحسن ظروف حياة الفلسطينيين”. ولكن منذ ذلك الحين، وضعت شرطاً اعتبرته إسرائيل غير محتمل، والآن تطالب بخطوات لا يمكن التراجع عنها من أجل إقامة الدولة الفلسطينية.

السعودية لا تعطي أي تفاصيل عن هذه الخطوات؛ لكن يبدو أن القصد هو اعتراف دولي في مجلس الأمن بالدولة الفلسطينية – هذا طلب ترفضه الإدارة الأمريكية حتى الآن، بل وفرضت الفيتو على مشروع قرار مشابه في 18 نيسان الماضي. ولكن الولايات المتحدة ستضطر في نهاية المطاف إلى اتخاذ قرار حول ما هي مصلحتها الاستراتيجية الحيوية، لا سيما عندما تتعامل إسرائيل مع قضية التطبيع مع السعودية كحقل ألغام يجب عدم الدخول إليه بسبب الثمن السياسي الذي ينطوي عليه، وحتى أهميته الأمنية ليست محل شك.