يوسف حمود - الخليج أونلاين-
تسابق الحكومة الكويتية الجديدة الخُطا لاستكمال تشكيل فريقها الموسع وإعادة ترتيب أوضاع الجهاز الإداري للدولة، استعداداً لتنفيذ مهامها التي شدد أمير البلاد، الشيخ مشعل الأحمد، على وجوب ضبط خططها وفق جدول زمني محدد.
وينتظر الكويتيون ما ستقوم به الحكومة الجديدة برئاسة الشيخ أحمد عبد الله الأحمد الصباح، حيث يأملون معالجة الكثير من القضايا الملحة، وبعض المشاريع الاستراتيجية التي تعطلت خلال الفترة السابقة، ومعالجة ملفات البنية التحتية وتطوير الرعاية الصحية والسكنية والتعليم، مع مراعاة الشفافية والمحافظة على المال العام.
ولأول مرة منذ عقود، ستكون الحكومة الـ46 في تاريخ الحياة السياسية في الكويت خاضعة للرقابة بشكل حثيث من قبل أمير البلاد، بعدما كانت الحكومات السابقة تواجه صراعاً دائماً مع البرلمان، أدى إلى توقف المشاريع مع استقالات كثيرة للحكومة وحل للبرلمان، وتوقف الحياة السياسية بين الحين والآخر.
تحذيرات أميرية
مؤخراً حل أمير الكويت مجلس الأمة وعلق العمل بعدد من مواد الدستور، في خطوة ينظر إليها بين أوساط كويتية على أنها ستتيح للحكومة العمل على إطلاق التنمية وإنجاز الإصلاحات بأريحية بعيداً عن الضغوط النيابية التي عانت منها سابقاتها.
وكان اشتداد الصراع على الوظائف والمناصب الحكومية قد دفع الشيخ مشعل، في وقت سابق عندما كان ولياً للعهد، إلى اتخاذ قرار بوقف مؤقت لجميع قرارات التعيين والترقية والنقل والندب والإعارة في جميع أجهزة الدولة؛ لضبط فوضى عارمة اجتاحت مجال التعيينات في الوظائف بسبب دخول عوامل المحسوبية والترضيات عليها.
ووجه أمير الكويت (18 مايو 2024)، الحكومة بتحديد الأولويات وتسخير الطاقات وفق خطة عمل وجدول زمني محددين، والإسراع في تنفيذ مشاريع استراتيجية تنموية طال انتظارها، وإحداث تطور شامل من خلال معالجة الملفات والقضايا والموضوعات المتعلقة بالبنية التحتية، وتطوير الرعاية الصحية والسكنية، والمنظومة التعليمية، بإجراءات يراعى فيها الشفافية والمحافظة على المال العام.
وطالبها بالعمل على تطوير القطاعات الاقتصادية والاستثمارية كافة، وصولاً لاقتصاد مستدام، واستثمار الثروة البشرية، وتعزيز الابتكار والبحث العلمي، وتحسين بيئة الأعمال والخدمات الحكومية والتحول الرقمي في الخدمات المقدمة منها.
وشدد على أهمية "تعزيز أواصر العلاقات الدبلوماسية مع الدول الشقيقة والصديقة، والارتقاء بأطر التعاون معها في مختلف المجالات إلى آفاق أرحب، وترسيخ الدور الإنساني لدولة الكويت".
كما وجه أمير الكويت الحكومة "بتفعيل دور الإعلام؛ ليعرف شعب الكويت برنامج عمل الحكومة، وأهدافه، وما يتحقق منه، لتنالوا ثقتهم وتأييدهم، فثقة الشعب غالية لا تقدر بأثمان".
الأمير.. الرقيب والحسيب
تضع هذه الطموحات حكومة الشيخ أحمد العبد الله أمام مسؤوليات كبيرة بعد أن أصبحت تحظى بامتياز لم يتح لسابقاتها؛ يتمثل في تحررها من الضغوط النيابية، وبعد أن وضع الشيخ مشعل الأحمد أعضاءها أمام تلك المسؤوليات قائلاً: "عليكم واجبات ومسؤوليات تحتم مواصلتكم العمل ليل نهار، وهذه ضريبة التكليف والاختيار".
وأكد أمير الكويت متابعته الحكومة في تنفيذ أعمالها وواجباتها ومحاسبة من يقصر في أداء عمله، داعياً إياهم إلى ضرورة أن يكونوا عند ثقة الشعب وللقسم بارين.
وستتولى الحكومة مهام السلطتين التشريعية والتنفيذية تحت إشراف أمير البلاد، فهي مطالبة بتحديد المشاكل ومظاهر الفساد وكيفية إنهاء كل الظواهر السلبية التي أشار إليها الأمير في كلمته.
فرصة ذهبية
يشير المؤسس والرئيس التنفيذي لمركز "ريكونسنس" للبحوث والدراسات، عبد العزيز العنجري، إلى أنه خلال السنوات الأخيرة واجهت الحكومة الكويتية تحديات جمة في التعامل مع بعض الملفات الرئيسية بالطريقة التي ترغب بها.
ويُرجِع، في حديثه لـ"الخليج أونلاين"، تلك التحديات لوجود مجلس الأمة، موضحاً: "الآن، مع غياب المجلس، بات بإمكان الحكومة معالجة هذه الملفات بشكل أكثر فعالية، إن رغبت في ذلك".
ويصف ما كان يحدث سابقاً بأن الكثير من أعضاء مجلس الأمة، وليس جميعهم، "كانوا يعاملون المجلس وكأنه نقابة للمواطنين، حيث كان بعضهم يسعى لتحقيق أكبر منافع ضيقة ممكنة دون النظر إلى التأثيرات المتوسطة والطويلة الأمد على الكويت واقتصادها"، لافتاً إلى أن هذه النظرة المحدودة من بعضهم "عرقلت العديد من المبادرات الإصلاحية الضرورية".
والآن، في ظل غياب المجلس، يرى العنجري أن أمام الحكومة "فرصة ذهبية لمعالجة هذه الملفات بجدية، إذا كانت تنوي استغلال هذه الفرصة لتحقيق تغييرات جوهرية تخدم مصلحة البلاد على المدى الطويل".
وهذه القضايا، حسب قوله: "تشمل الإصلاحات الاقتصادية العميقة، وإعادة هيكلة الدعم الحكومي، ومعالجة اختلالات الميزانية، حيث يذهب 80٪ منها إلى الرواتب والدعم، اللذين يمكن تحسينهما من خلال تقليص الهدر وتوجيه الدعم للفئات المحتاجة".
كما يرى إمكانية أن تقوم الحكومة بإقرار قوانين "تعزز السيولة وتواجه نقصها، واختيار أفضل الطرق لتوظيف الموارد المالية، مثل إقرار قانون الدين العام الذي يسمح للحكومة بالاستدانة لتمويل المشاريع وتعزيز السيولة، بالإضافة إلى قوانين توفر أدوات مثل الصكوك".
وأضاف: "هناك حاجة ملحة لمعالجة القضية الإسكانية من خلال توفير أدوات فعالة تخفف عن كاهل الدولة أعباء توفير الموارد المالية الضخمة، مثل الرهن العقاري الذي يسمح للبنوك بتوفير السيولة وإعادة تنظيم وتعريف الفلسفة الإسكانية".
بالإضافة إلى ما سبق، يعتقد أن الحكومة بحاجة إلى "إقرار مزيد من الإصلاحات التي تشمل تحديث القوانين المتعلقة بالاستثمار الأجنبي ومعالجة المعوقات التي تحول دون جذبه. وكذلك فتح المجال أمام الابتكار والتنافسية في الاقتصاد الكويتي".
ويؤمن بوجود "عقبات كثيرة تم تجاهلها في السابق، ولم تُذكر خلال فترات حكم عدة حكومات، وهو ما أعطى انطباعاً بأن مجلس الأمة هو المسؤول الوحيد عن تأخير الإنجازات".
وأكمل: "الآن، مع غياب المجلس من المتوقع أن تظهر هذه العقبات بوضوح أكبر، ونأمل أن تتمكن الحكومة من التغلب عليها بسهولة ويسر. القضايا العاجلة التي كانت تواجه صعوبة في التعامل معها بوجود البرلمان، يمكن الآن معالجتها بفعالية إذا استغلت الحكومة الفرصة الحالية لتذليل العقبات الأخرى".
أزمات الكويت
وتعد الكويت أكثر دول الخليج انفتاحاً من ناحية النظام السياسي، إلا أنها تشهد أزمات سياسية متكرّرة تعيق رغبتها في الإصلاح وتزيد الفجوة بينها وبين الدول النفطية المجاورة.
ويشكو سكان الكويت البالغ عددهم نحو 4,5 مليون نسمة، من تدهور البنية التحتية والخدمات العامة في البلاد التي تمتلك حوالي 7% من احتياطي النفط العالمي، ويعتبر صندوق الثروة السيادي التابع لها من أكبر هذه الصناديق في العالم.
وفي وقت تكافح الكويت بقيادة الأمير مشعل لتنفيذ خطة إصلاحية أقرت في العام 2018، تضاعف الأنظمة المجاورة التي يقودها جيل جديد من المسؤولين، المشاريع لتنويع الاقتصاد والحد من الاعتماد على الذهب الأسود.
وقد وعدت الحكومة الأخيرة بمعالجة قضايا مهمة مثل مشاريع التنمية ومكافحة الفساد، لكنها استقالت في 23 يناير بعد ثلاثة أشهر فقط من تشكيلها، ثم حُلَّ في هذا الشهر البرلمان الذي كانت المعارضة تحتل غالبية مقاعده.
وكان البرلمان يستعد لتمرير مشروع قانون مثير للجدل يطالب الدولة بتغطية القروض الاستهلاكية والقروض الشخصية التي تعاقد عليها الكويتيون؛ ما أثار استياء الحكومة التي اعتبرت الإجراء مكلفاً للغاية.