سياسة وأمن » تصريحات

«أنصار الله» تردّ «الصاع» الأميركي: تضربوننا بالسعودية... فنضربها

في 2024/07/15

متابعات- 

في غياب خطّة فعلية للتعاطي مع الإخفاق في اليمن، لم تجد واشنطن أمامها سوى استخدام الأوراق الداخلية، ولا سيما الورقة الاقتصادية، في محاولة لليّ ذراع حركة «أنصار الله» وإجبارها على وقف الهجمات في البحريْن الأحمر والعربي، ورفع الحصار الجزئي عن إسرائيل. وفي سبيل ذلك، تُعتبر السعودية، بالنسبة إلى الولايات المتحدة، المفتاح الأساسي للولوج إلى الوكلاء المحليين في اليمن، والذين لا يخطون حتى التابعون منهم للإمارات، خطوة واحدة من دون موافقة الرياض. ولعلّ انشغال صنعاء بجبهة إسناد فلسطين، شكّل إغراء لكل من واشنطن والرياض بأن الأولى غير قادرة حالياً على فتح جبهات أخرى في اليمن والإقليم، أو أنها ليست في وارد العودة للدفاع عن حقوقها المشروعة في سياق صدّ العدوان الذي استمر تسع سنوات. غير أن خطاب قائد «أنصار الله»، السيد عبد الملك الحوثي، في رأس السنة الهجرية، جاء حاسماً وملزماً وشديد الوضوح، لجهة رفض استمرار الحصار على اليمن أو القبول بتجويع اليمنيين.هكذا، أعاد الحوثي قذف كرة اللهب إلى الجانب الأميركي، الذي سيكون عليه تحمّل تبعات توريط حليفته الموثوقة في الخليج، السعودية، بدلاً من الانجرار إلى خطته إشعال الحرب الأهلية في اليمن. وهي تبعات لن تكون يسيرة؛ إذ إن المملكة، إلى جانب كونها دولة إقليمية، تُصنّف على أنها ذات تأثير اقتصادي دولي، كونها الأولى عالمياً في تصدير النفط؛ وللحفاظ على مركز الصدارة ذاك، هي تحتاج إلى مظلة للحماية الأمنية. وهنا، لا ينبغي إغفال موقع اليمن الجيوسياسي، وامتلاكه مزايا السيطرة على المعابر البحرية وطرق التجارة والشحن العالمية، والتي إذا قرّر استغلالها، فلن تنحصر فاعليته في الحد من بيع النفط السعودي، بل إن العالم الصناعي برمّته سوف يتأثر بخطواته.

ومما قد يدفع «أنصار الله» إلى تلك الخطوات، هو أن السعودية، وبدفع من الولايات المتحدة، وبهدف حماية الأصول الإسرائيلية، فعلت ما لم تفعله أثناء حربها على اليمن؛ إذ نفّذت بواسطة وكلائها إجراءات اقتصادية تحرم اليمنيين عبرها من الاستفادة من البنوك، الأمر الذي اعتبرته صنعاء اعتداء، وحذّرتها من مغبة الاستمرار فيه. وتأتي هذه الإجراءات المزكّاة سعودياً، لتكمل ما قالت صحيفة «إسرائيل هيوم» إنه محاربة الولايات المتحدة وأوروبا بالإنابة عن إسرائيل، ومحاولتهما إنقاذها من المشكلات الاستراتيجية. وفي هذا السياق، نقلت الصحيفة عن الباحث في «معهد دراسات الأمن القومي» الإسرائيلي، يوئيل جوزانسكي، تأكيده «وجوب عدم الاستخفاف بالتهديد اليمني»، مع تحذيره من اندلاع حرب شاملة مع اليمن.

وبعد عودة حاملة الطائرات «آيزنهاور» إلى الولايات المتحدة من البحر الأحمر، كثُرت الدعوات من كبار الضباط السابقين ووسائل إعلام أميركية، للبيت الأبيض، إلى انتهاج سلوك آخر لهزم اليمن، حيث أشار هؤلاء إلى أن الإشكالية التي تعاني منها إدارة جو بايدن منذ أشهر لا تزال مستمرة، وصناعة الشحن العالمية تعاني، فيما تتعرّض السفن العسكرية والتجارية على حد سواء لهجمات مسلحة متكرّرة في البحر الأحمر وما حوله. ويقرّ الإعلام الأميركي بأن خطة الإدارة الأميركية التدريجية لحماية الملاحة وجعل المياه الدولية أكثر أمناً، لم تنجح، بل بدأت تأتي بنتائج عكسية من حيث رفع كلفة النقل والاضطرار لفرض رسوم غير ضرورية على السلع.

والمفارقة أن كثيراً من المعلّقين والمهتمين بشأن ما يحدث في البحر الأحمر، يجهلون ما تقوم به قواهم العسكرية وما تتعرّض له، فيما القيادات العسكرية نفسها تقف مندهشة إزاء التطوّر العسكري اليمني في السلاح والتكتيكات. فقائد المجموعة الهجومية الأميركية في منطقة «القيادة المركزية»، الأدميرال كيوان حكيم، يؤكد، لصحيفة «ستارز آند سترايبس» التابعة للجيش الأميركي، أن «تجارب البحارة الذين قضوا أشهراً في مواجهة التهديدات في البحر الأحمر على مستويات عملياتية غير مسبوقة منذ الحرب العالمية الثانية، سوف تكون دروساً للجيل القادم من البحارة». وعليه، فإن القادة العسكريين، وخصوصاً الذين خدموا في السفن العسكرية في البحريْن الأحمر والعربي، هم الأكثر واقعية ومعرفة بالتعقيدات التي يواجهونها، ويبذلون كل ما في وسعهم في تبادل الخبرات والأفكار مع مستويات عسكرية مختلفة للتغلّب عليها، ولكن من دون الوصول إلى نتيجة تُذكر.

إذا قرّر اليمن استغلال موقعه، فلن تنحصر فاعليته في الحد من بيع النفط السعودي، بل إن العالم الصناعي برمّته سوف يتأثر

وبسبب المستجدات غير المتوقّعة، وعدم امتلاك واشنطن بدائل واقعية وخططاً طارئة لمعالجة فشل أسطولها في البحريْن الأحمر والعربي، يملأ كبار الضباط السابقين والخبراء الاستراتيجيون والمراكز البحثية، الفراغ، بصياغة خطط افتراضية وخلاصات وتوصيات بشأن كيفية تحقيق الأهداف في الممرّات البحرية وطرق الشحن في البحريْن الأحمر والعربي. ولكن الصياغات المذكورة ترتكز على افتراض القوة المطلقة للولايات المتحدة، ولا تضع في حساباتها العوامل المستجدّة على الأرض، والمربكة للقوى العسكرية الأميركية، ويبدو أن من يعدّونها يجهلون تأثير الموقع الجغرافي لليمن، والاستثمار العسكري فيه بالحد الأقصى، بما يبطل مفاعيل القوة الضاربة.

ويضاف إلى ما تقدّم، أن الإدارة منشغلة، حالياً، بالانتخابات الرئاسية، وهي فترة تضعف فيها قدرتها على اتخاذ قرارات كبيرة من قبيل شن الحروب. وفي الحالة اليمنية، فإن أفضل الخيارات بالنسبة إليها، إبقاء الوضع على ما هو عليه راهناً، حتى لو أدى ذلك إلى استنزاف الأسطول والبحارة، وتضرّر الردع على نطاق كبير. أما التوصيات المرفوعة إليها، فهي أفكار متطرّفة وغير واقعية، وبحاجة إلى سنوات طويلة حتى يمكن البدء بتطبيقها، ومعظمها يحاكي الخطط التي ينفّذها جيش الاحتلال الإسرائيلي في غزة. وهذا إن دل على شيء، إنما يدلّ على جهل مركّب بطبيعة المعركة، والاختلاف الكبير من حيث الجغرافيا والقدرات العسكرية بين الجانبين اليمني والفلسطيني.