سياسة وأمن » تصريحات

السعودية تسيء لنفسها قبل أن يسيء إليها الآخرون!

في 2015/11/30

د. عبد الحميد صيام - الخليج الجديد-

بعد أحداث 11 سبتمبر/أيلول 2001 واكتشاف أن من بين المهاجمين العرب التسعة عشر خمسة عشر سعوديا، شعرت المملكة بالحرج الكبير وتنصلت من الفاعلين، باعتبارهم ذئابا شاردة لا علاقة للدولة بهم. ولكن السلطات السعودية كانت تدرك تماما أن تشويها كبيرا سيلحق بها وبسمعتها ووضعها كحليف استراتيجي مع الولايات المتحدة، مهما أقسمت من أيمان غلاظ. وقد تعاملت السعودية مع هذا المأزق الكبير باتخاذ العديد من الإجراءات والمواقف، لكي تثبت للولايات المتحدة والرأي العام الأمريكي بأنها ما زالت الحليف الأكثر مصداقية وارتباطا مع الولايات المتحدة.

أقدمت السعودية على اتخاذ مواقف جريئة لم تكن لتأخذها من قبل، لولا تلك الحوادث المروعة. من بين الخطوات تقديم مبادرة سلام للتطبيع الشامل مع الكيان الصهيوني، التي تحولت في مؤتمر قمة بيروت عام 2002 إلى مبادرة السلام العربية. والخطوة الثانية المهمة هو تأييد الولايات المتحدة في غزوها غير الشرعي وغير الأخلاقي للعراق عام 2003.

كما قامت السعودية بتعيين العديد من شركات «العلاقات العامة» في الولايات المتحدة، التي كانت تعمل ليل نهار مع الكونغرس والشركات والصحافة والقوى المؤثرة لتبييض صورة السعودية، بعد أن اكتشف الأمريكيون أن الفكر الإسلامي المتطرف الذي كان يخدم المصالح الأمريكية في محاربة التيارات القومية والتقدمية من جهة وفي حشد عشرات الألوف من المتطوعين لمحاربة «السوفييت الكفرة» في أفغانستان من جهة أخرى، عاد الآن وارتد على نحر أصحابه.

ووقعت الولايات المتحدة في شر أعمالها كمن يكون قد قرر أن يربي نمرا صغيرا كحيوان أليف وما إن كبر هذا النمر واشتد عوده وطالت مخالبه وحدّت أنيابه، انقلب على صاحبه وعضه في مقتل.

لم تستطع شركات العلاقات العامة «إصلاح ما أفسد الدهر». فتقديم تنازلات خطيرة على حساب فلسطين وتنازلات أخطر لتدميرالعراق لا يكفي لتغيير الصورة النمطية القبيحة لمملكة تنتج الفكر المتطرف، إن لم تقم السعودية بإجراء إصلاحات شاملة في نظامها الداخلي وطريقة تلقين الطلاب وتثقيفهم منذ الصغر على فكر يقسم العالم إلى أسود وأبيض، ومسلم وكافر، ودار حق ودار باطل، ونور وظلام، ثم تتوقع من هذا الجيل أن يكون متسامحا وحضاريا يقبل الآخر ولا يعلي من ثقافة الموت، العكس هو الصحيح. لقد تمادت المملكة في قمع الحريات الداخلية وتكميم الأفواه والرقابة على الصحف والمجلات والمواقع الإلكترونية ووسائل التواصل الاجتماعي والتصدي لكل محاولة للتظاهر أو الاحتجاج بالقمع من جهة، وبإصدار الفتاوى المفصلة على قدر احتياجات العائلة الحاكمة. وهنا مربط الفرس. فبدون أن تقوم السعودية بإجراء عمليات جراحية شاملة في الجسم الداخلي، بحيث يشعر المواطن السعودي والمواطنة السعودية أنهما ينتميان للوطن وليس للعائلة، فلا نتوقع من هذه الدولة إلا المزيد من الإضطرابات الداخلية وتصدير الأزمات إلى الجيران، مرة بالسلاح ومرات بالموارد المالية، وكل هذه الإجراءات قد تؤجل الانفجار الداخلي لكنها لن تمنعه ولهم في كل دول القمع في العالم أكبر دليل.

وسأتناول في هذا المقال مجموعة إجراءات وقرارات وممارسات قامت بها السعودية، إرتدت عليها مزيدا من الانتقادات، إلا من بعض المنافقين والمداحين وتجار الإعلام الرخيص والمغرض. ونود أن نشير إلى أن انتقاداتنا لنظام الحكم والسلطات الحاكمة لا يعني أننا ننتقد الشعب السعودي الكريم، ونحن عندما ننتقد الأنظمة العربية لا يعني أننا لا نحب تلك الشعوب التي ننتمي إليها، بل على العكس تماما، فنقدنا يهدف إلى التصويب والتصحيح، وسد الثغرات وتطوير الأداء والتخلص من الفساد والفاسدين، والذي يؤدي في المحصلة إلى خير يعود بنفعه على الناس جميعا ويستفيد منه الفقراء والمحتاجون والوافدون والجيران والأشقاء وإخوة الدين والعروبة.

قضية أشرف فياض ـ إعدام على أي أساس؟

تقول جريدة «الغارديان» إن الشاب الفلسطيني أشرف فياض (35 سنة) من مواليد السعودية وهو عضو في منظمة فنية بريطانية – سعودية تدعى «حافة الجزيرة العربية» معنية بالفنون وإقامة المعارض، وقد مثل السيد أشرف فياض السعودية في معارض في جدة والبندقية. اعتقل أشرف عام 2013 بتهمة الردة، حيث حوكم في البداية ثم أطلق سراحة ثم اعتقل مرة أخرى في 1 يناير/كانون الثاني 2014 وحكم عليه بالسجن في 26 مايو/أيار 2014 لمدة أربع سنوات و800 جلدة، ثم استؤنف الحكم فحكم عليه يوم 17 نوفمبر/تشرين الثاني بالإعدام. ينفي فياض جميع التهم الموجهة ضده، ويؤكد أن الشكوى ضده كيدية بعد مشادة كلامية مع أحد السعوديين حول مباراة كرة قدم، فقام برفع قضية ضدة للجان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلى أن وصل الأمر بضعوط خارجية إلى حكم الإعدام. وهناك نص مسجل في سجل المحاكمة يقول فيه السيد فياض «إنني أتوب إلى الله، سبحانه وتعالى، وإنني بريء مما نسب إليّ في كتابي». أليست هذه توبة نصوحا؟ ثم لماذا لم يقبل القاضي بشهادة أحد شهود العيان الذي أكد للقاضي أن فياض لم يسئ لا إلى الذات الإلهية ولا إلى الرسول الكريم، وأن المشادة كانت شخصية لدرجة أن المحكمة رفضت في مايو توصية المدعي العام بتنفيذ حكم الإعدام بسبب الخلافات الشخصية بين المدعي والمدعى عليه. لكن المدعي العام استأنف الحكم، وتم تغيير القاضي ليصدر القاضي الجديد حكم الإعدام فورا. إن هذا الحكم الأرعن يثير الغثاء والقهر في آن. الرجل شاعر وفنان ومن حقه أن يعبر عن أفكاره بالطريقة التي يريد، وإذا لم تعجب أحدا فيرد عليها بالطريقة نفسها، لا برفع الساطور لقطع الرأس، وكأن هؤلاء القضاة يملكون تفويضا حصريا من رب العباد لمحاسبة الناس على ما في قلوبهم، متناسين تعاليم القرآن الكريم التي تقول «فذكر إنما أنت مذكر. لست عليهم بمسيطر»، وتقول: «لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي»، وتقول «وما على الرسول إلا البلاغ» وتقول «أدع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة». فأين أخلاقيات وتصرفات المؤسسة القضائية من هذه الآيات؟ فبدل أن يكرم الشاعر لشعره وفنه ويمنح الجنسية السعودية وتقدم له ميداليات الإبداع والتميز، يقوم متخلف حاقد بتفسير المعاني المستترة في ضمير الشاعر ويتوصل إلى أنها إلحاد وهذا موضع جدل وخلاف لا يحسم بالسيف بل بالحوار.

الحكم على المدون رائف بدوي بالسجن والجلد

وقضية أشرف فياض ليست هي الأولى ولا الأخيرة، وأستطيع أن أعدد مئات القصص والقضايا المتعلقة بحرية التعبير والتجمع والعقيدة. ولكنني أود أن أذكـّر القراء بمعاناة المدون الليبرالي السعودي رائف بدوي، الذي حوكم بتهمة الإساءة إلى الإسلام. أسس موقعا على الشبكة العنكبوتية تحت عنوان «الليبراليون السعوديون» عام 2006 ودعا من جملة أفكاره إلى إلغاء «هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر»، وطالب رئيسها إبراهيم الغيث بالمثول أمام المحكمة الجنائية الدولية لمحاكمته. هذا كان السبب الذي قاده إلى السجن عام 2012 وقد حوكم أولا بتهم مثل الردة والإساءة إلى الإسلام، وحكم بالسجن سبع سنوات و600 جلدة، إلا أن محكمة الاستئناف رفعت الحكم إلى 10 سنوات وألف جلدة تنفذ على مدى خمسين أسبوعا بحيث يجلد 50 جلدة كل يوم جمعة. وواضح تماما من الحكم أنه رسالة لإرضاء المتشددين في هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كما تقول الأستاذة السعودية في كلية لندن للاقتصاد مضاوي رشيد. بعد تنفيذ الوجبة الأولى من الجلد علنا كانت هناك ضجة عالمية أدت إلى العودة إلى الظل وإخفاء موضوع الجلد ولا أحد يعرف هل الجلد مستمر بالسر أو توقف بعد تصريحات لاذعة من حلفاء السعودية في الغرب.

طائرة الأمير المحملة بالمخدرات

يوم 26 أكتوبر/تشرين الأول اعتقلت سلطات المطار في بيروت الأمير عبدالمحسن بن وليد بن عبدالعزيز وبرفقته أربعة سعوديين كانوا في طائرة خاصة، وكانت الطائرة على وشك الإقلاع إلى السعودية، وتبين أن بها 40 حقيبة تزن طنين من حبوب كابتاغون المخدرة، التي بدأت تصنع في مناطق في سوريا يسيطر عليها المتطرفون. وقد كتب على كل صندوق عبارة «خاص- صاحب السمو الملكي الأمير عبد المحسن بن وليد آل سعود». وعند محاولة تفتيش الحقائب قال المرافق بلهجة فوقية آمرة: «ألا ترى المكتوب عليها؟ هذه أغراض خاصة لطويل العمر.. لا تفتش». لكن رجال الأمن رفضوا فجاءت الفضيحة ليس للأمير، بل للنظام برمته، الذي يطلق أيادي هؤلاء الأمراء المدللين ليسمموا أجيالا من الشباب مقابل جني الأموال الطائلة. أما قطع الروؤس وبتر الأيادي فمن نصيب الفقراء والأجانب ولا دخل للأمراء بالشريعة ولا بالحدود ولا بالجلد ولا بالتعزير.

المرأة بين زواج المسيار وقيادة السيارة

يكفي أن أشير هنا إلى أن المرأة السعودية التي تحتل المرتبة الأدنى في العالم من حيث الحقوق المنصوص عليها في الاتفاقيات الدولية، تمنع من قيادة السيارة بعكس كل دول العالم، ومن بينها 58 دولة إسلامية، لم تجد في الكتاب أو السنة ما يبرر منع المرأة من القيادة إلا علماء البلاط السعودي. ومن جهة أخرى وجد هؤلاء العلماء ما يبرر زواج المسيار الذي ينقصه أول شروط الزواج وهو المساكنة، كما قال الحق «خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة». فأين السكن وأين المودة وأين الرحمة؟ وما الفرق بين هذا الزواج وزواج المتعة التي ترفضه الشرائع الإسلامية حاليا؟

الطريقة الأفضل لتجميل وجه الدولة

في عام 2015 الذي لم ينته بعد أقدمت السعودية على إعدام 152 شخصا، حسب تقرير منظمة العفو الدولية. وهذا العدد هو الأكبر منذ عام 1995. ومعظم الإعدامات تم تنفيذها في الساحات العامة وبقطع الرأس بالسيف. وتتراوح التهم بين القتل العمد واستخدام المخدرات أو بيعها أو بسبب الإساءة إلى الإسلام، أو ما يسمونه الردة أو الشعوذة. والسعودية تحتل المرتبة الثالثة في العالم في عدد الإعدامات بعد الصين وإيران. هذا العدد الكبير من الإعدامات مؤشر على قلق عميق داخل المؤسسة الحاكمة. فالشعب السعودي بدأ يتململ كبقية الشعوب. لا يمكن لشعب أن يظل مغيبا عن تطورات العصر والتقدم حيث يتمتع المواطنون في العالم بحرياتهم ويمتلكون قرارتهم بأنفسهم يفكرون ويؤمنون ويغنون ويسافرون وينضمون لجمعيات تلقى هوى في النفس بدون وجل أو حساب لمقص الرقيب.

إن الانفتاح وإعطاء الحريات الأساسية للشعب السعودي، رجالا ونساء، هو الذي يبيض وجه الدولة القبيح وليس شركات العلاقات العامة التي تبتز الملايين من أموال الشعب السعودي، ثم تأتي حادثة أشرف فياض أو رائف بدوي لتنسف كل ما قامت به تلك الشركات.