سياسة وأمن » تصريحات

الحروب وحدها لا تكفي .. ما الذي تحتاج إليه الدبلوماسية السعودية؟

في 2015/12/14

ناشيونال إنترست- ترجمة وتحرير فتحي التريكي - الخليج الجديد-

خلال يناير/كانون الثاني المقبل، سوف يتم الملك «سلمان بن عبد العزيز» عاما كاملا على رأس السلطة في المملكة العربية السعودية. وبينما تحاول القيادة الجديدة في الرياض التواؤم مع رؤية الملك «سلمان» الشخصية لعام مقبل، فإنها في ذات الوقت تواجه ضغوطا للحفاظ على وحدتها والوقوف خلف مجموعة جديدة من السياسات في البلاد حتى تتحقق على أرض الواقع. وكما أظهر العام الماضي، فقد اتخذ الملك «سلمان» نهجا أكثر قوة في مجالات الدفاع والأمن الإقليميين. وفي حين أنه من الأفضل دوما أن تكون مهابا على أن تكون محبوبا، فإن ارتفاع التحديات من الجهات الفاعلة الإقليمية في الدول المجاورة تستمر في اختيار حدود القدرات السعودية ويواصل الضغط على الحكومة من أجل الاضطلاع بمهامها الثقيلة.

الإرث الصعب

وقد شهد العقد الماضي تغييرات سياسية غير متوقعة في المنطقة ولدت بدورها تحديات سياسية وقيودا على المملكة العربية السعودية بينما كانت تمر بمرحلة انتقال السلطة من الملك الراحل «عبد الله» إلى الملك «سلمان». تم إدراج تغييرات هيكلية وإدارية في الحكومة السعودية الجديدة بهدف إشراك الشباب في رسم السياسات واستبدال شخصيات من الإدارة السابقة. أي تحليلات بشأن مدى شعور المملكة العربية السعودية بالتهديد والكيفية التي تتعاطى بها المملكة العربية السعودية كذلك غالبا ما تواجه بالنقص الشديد في المعلومات الدقيقة حول رؤى كبار صناع السياسات ونواياهم، ومع ذلك، فإنه يمكننا أن نسجل بعض الاستنتاجات الأولية في هذه المرحلة:

(1) هناك وجهات نظر متباينة حول السياسة الخارجية داخل الدوائر الرسمية السعودية، خاصة بين بعض أعضاء الإدارة السابقة الذين تم استبعادهم من الحكومة الجديدة، وهو ما تخلق نوعا من التوتر والتشتت.

(2) تجاوزت الرياض الأدوات الدبلوماسية التقليدية في محاولة لاستكشاف نهج أكثر حركية في الدفاع والأمن، والسعي لإيجاد حلول للأزمات المتفجرة في اليمن وسوريا والعراق.

(3) تحاول السياسة الخارجية السعودية معادلة بعض خسائرها المتصورة في أعقاب الإطاحة بالرئيس المصري «حسني مبارك»، وضعف المجلس الوطني السوري، والجهود المبذولة من جانب الولايات المتحدة للتصالح مع إيران.

(4) تسعى المملكة العربية السعودية لتحقيق التوازن بين رغبتها في النفوذ الإقليمي وبين دورها بين دول مجلس التعاون الخليجي، في محاولة لاسترضاء الدول ذات السياسات الخارجية المستقلة مثل عمان وقطر، في الوقت الذي تسعى فيه إلى ضمان الدعم الكامل من دول مجلس التعاون الخليجي في القضايا التي لا غنى عنها للأمن السعودي.

ومع وجود العديد من الأزمات المعقدة والمتداخلة، فإن القيادة واقعة تحت ضغوط هائلة من الوقت والطاقة، وقد رأينا الحكومة تصدر توجيهات ومبادرات دبلوماسية في جميع الاتجاهات. لذا، ينبغي لنا أن نفسر بالضرورة كل رسالة صادرة من الرياض كبيان نهائي عن رؤية الملك، ولكنها تعبر أكثر عن مجموعة من المحاولات الجماعية لتطوير حلول عملية لمجموعة معقدة من المتغيرات.

رسالة إلى العالم

بدأ الملك «سلمان» ومستشاروه في إرسال إشارات جديدة للشركاء الإقليميين منذ اليوم الأول له في منصبه، مشيرا إلى رغبته في موقف أقل حده تجاه الإخوان المسلمين، والحاجة إلى نهج أكثر اتحادا في الشؤون الخارجية بين دول مجلس التعاون الخليجي. استخدم الملك ومستشاروه وسائل الإعلام المناسبة للجمهور بطريقة أكثر تطورا ودهاء، ودفعت القيادة الجديدة دبلوماسييها إلى استخدامها بشكل أكبر بكثير مقارنة بالحكومة الماضية.

في حين أن الجنوح إلى خفة الحركة والابتكار في الرياض ينبغي أن يكون مقدرا، يجب الاعتراف أن هذه الأساليب الجديدة تنبع في الأصل من إحباط عميق. ترى الرياض جهود الحكومة السعودية السابقة لإشراك المجتمع الدولي على أنها فاشلة. ففي حين أن المسؤولين السعوديين السابقين قد أبدوا ليونة تجاه دور المملكة في الدفاع الإقليمي والأمن، كما أدخلوا بعض الإصلاحات بطلب من الحلفاء الغربيين، إلا أنهم لم يلقوا سوى النقد والاحتقار في وسائل الإعلام الغربية. رأت الحكومة الجديدة أنه لا بد أن تتوقف عن محاولة استرضاء الحلفاء الغربيين وأن تركز بشكل أكبر على تحقيق المصالح الوطنية السعودية بأي وسيلة ضرورية. هذا هو النهج الضروري، ولكنها أيضا أخذت واشنطن على حين غرة، وسوف تواصل واشنطن غض الطرف من جانبها حتى يتم التوصل إلى تفاهم مع المشكلة الأساسية: جيل جديد من صناع السياسات في الرياض لم يكن راضيا عن الوضع القائم، ويسعى إلى لفت الانتباه.

هناك صبغة دينية تطغى على هذه السياسة الخارجية السعودية الأكثر تشددا. المملكة العربية السعودية لا ترى أن عليها أن تخجل من وجهات نظرها الراسخة حول قضايا الدين والإيمان، أو المنافسة طويلة على الأمد مع إيران على النفوذ في المنطقة أو حتى رفضها للتعامل مع تقارب الولايات المتحدة مع إيران بهدف خلق توازن في المنطقة على أنه حقيقة مشروعة ينبغي معالجتها. لم تكن الرياض ملزمة يوما بالانتظار للحصول على موافقة واشنطن،  ولهذا فقد أسقط المسؤولون السعوديون جزءا من تظاهرهم بحدوث مشاورات وثيقة. الشيء الملفت للنظر هو كيف أن المملكة العربية السعودية وحلفاءها من دول مجلس التعاون الخليجي لم يستوعبوا بشكل كامل بعد تلك الحقائق الجديدة. كل من واشنطن وعواصم الخليج العربية يختبرون هذا الواقع الجديد بشكل متقطع وغير منتظم. مدفوعين بحاجتهم للدفاع عن شرعية الحكومة اليمنية أو تعزيز قوة المعارضة السورية، أو إرسال رسائل لإيران أن أنشطتها الخبيثة في المنطقة لن يتم التسامح معها من بل الرياض وحلفائها، فإن المملكة العربية السعودية وحلفاءها يعيدون تصميم السياسات الخاصة بهم ويديرون أظهرهم إلى واشنطن على متن الرحلة.

القيادة وعواقبها

تزعم السعودية لنفسها قيادة العالمين العربي والإسلامي. يتعلق الأمر بادعاء الحفاظ على المصالح السنية في كل مكان بقدر ما يتعلق بحمل لواء العرب في مواجهة التهديد الإيراني. ويبدو أن الفكرتان لا تتعارضان. في الأماكن التي لا تتمايز فيها الخطوط الطائفية والعرقية بدقة فإنه يمكن إجراء التعديلات والتنازلات. من نواح عديدة، فإن نهج الرياض ربما يهدف إلى مواجهة الدعاية من الجماعات الجهادية التي تحمل نموذجها الخاص لقيادة العالمين العربي والإسلامي.

مع ذلك، من المرجح للغاية أن تحدث المزيد من المواجهات. يسيطر الرعب على الغرب وإيران والحوثيين وجهات إقليمية فاعلة أخرى من السلفية، وربما يبدأ هؤلاء للنظر إلى السياسات السعودية وفق عدسة طائفية. بالنسبة لواشنطن فإن الأمر يتعلق أكثر بغياب قدرة ذاتية وواعية لمواكبة تطور السياسة السعودية. ويمكن تسير السياسة السعودية جزئيا وفق الرغبة في الدفاع عن وجهات النظر الدينية السعودية. ولكنها تصبح مفهومة أكثر حين ينظر إليها على أنها رد فعل دفاعي للإقصاء والإهمال. ولكن الحقيقة أن كلا الطرفين يعجز عن تفهم مخاوف واهتمامات الطرف الآخر. بعد النظر في ضوء ذلك، قد يكون من الأسهل أن نتفهم تغير الموقف السعودي تجاه الإخوان المسلمين، الرياض قد لا توافق على جماعة الإخوان المسلمين، ولكنها تريد أن تجد طريقة للتعايش مع الإخوان.

من خلال ترك كل الخيارات السياسية على الطاولة، والسعي نحو استراتيجيات متعددة في وقت واحد، وتوفير الملجأ ولعب دور الوسيط في النزاعات العربية (خاصة السنية منها)، فسوف يكون الملك قادرا على تعزيز الدور القيادي للمملكة في المنطقة والعالم. وعليه، فإن أي بلد أجنبي يريد أن يكون النفوذ في المنطقة، فإن عليه أن يطرق باب الرياض بدلا من محاولات التسلل عبر النوافذ. وسوف تتأقلم بقية دول الخليج العربية على التعايش مع ذلك. وعلى الغرب أن يفعل أيضا.

الحرب ضد الإرهاب

المعركة ضد «الدولة الإسلامية» في العراق وسوريا تساعد على خلق بيئة تعزز أيضا من قوة الرياض، حتى في الوقت الذي تتخذ فيه مبادرات أخرى في المنطقة. يقاتل التحالف الذي تدعمه الولايات المتحدة تقاتل جنبا إلى جنب مع إيران في محاولة لهزيمة الإرهابيين الذين استولوا على مساحات واسعة من الأراضي في العراق وسوريا، ولكن السكان السنة في تلك البلدان هم الذين يقفون على خط النار حقا. وعلاوة على ذلك، فقد استغلت «الدولة الإسلامية» وسائل الإعلام من أجل إظهار مدى المظلومية التي يتعرض لها السكان السنة في العراق من قبل النظام الذي تدعمه الولايات المتحدة في بغداد. هذه التوعية الإعلامية للجماهير العربية السنية تمثل ضغطا على الحكومات العربية للدفاع عن أهل السنة. كما يساعد ذلك على خلق تصور في الوجدان العربي المشترك أن مصالح الولايات المتحدة على المدى الطويل تكمن مع (إسرائيل) وإيران. تخوض الولايات المتحدة حربها ضد الإرهاب، ولكن مع انتشار هذه السردية الدعائية وفقدان واشنطن لبوصلتها، فإن النهج العسكري المتشدد من المملكة العربية السعودية في أجزاء من المنطقة يبدو بشكل متزايد أكثر عقلانية وأكثر مصداقية في أعين العرب.

مع الولايات المتحدة أم ضدها

يبدو أن السمة المميزة للحقبة الجديدة في المملكة العربية السعودية سوف تكون مزيجا من المحافظة الداخلية والنشاط الخارجي. كما ستتميز أيضا بمحاولات الاستفادة القصوى من الموارد من أجل حقيق مكاسب على المدى القصير. هذا يخلق جوا في الرياض مفاده أنه إما أن تكون معنا أو تكون ضدنا. ويجري إعادة كتابة قواعد اللعبة بحيث أن أولئك الذين يرغبون أن يكونوا في الاعتبار فإن عليهم أن يدعموا هذه السياسات. سوف يكون هناك تأثيرا استقطابيا في الرياض مع موجة من النجوم الصاعدة التي تسعى للاهتمام والتي سوف تتنافس مع النخب التي سادت في السنوات السابقة، والتي ستبدأ في فقدان مكانتها في النظام السائد.

وعلاوة على ذلك، فإنه في الوقت الذي تسعى خلاله المملكة العربية السعودية لاستكشاف الإمكانات الكاملة لدورها في المنطقة، إلا أنها لم تضع حتى الآن استراتيجية واضحة للحسم العملي لعدد من الأزمات الإقليمية. إذا كانت المملكة العربية السعودية قد قررت مد يديها للتأثير في نتائج القتال في اليمن وسوريا والعراق، فإنها يجب أن تتوقع أن المجتمع الدولي سوف ينظر إليها للمساهمة حلول لإنهاء تلك الصراعات نفسها. ترغب الرياض في تأكيد قوتها في ساحات الدفاع والأمن، ولكن عليها أن تعزز سلطتها أيضا في مجال المفاوضات والدبلوماسية. في غياب مثل هذه القدرة على صناعة السلام، فإن الرياض سوف تكون مضطرة للرضوخ لمواقف الجهات العربية والدولية الأخرى ، بما في ذلك جيرانها من دول مجلس التعاون الخليجي وبالأخص سلطنة عمان وقطر والكويت. من أجل الحفاظ على دعم حلفائها من مجلس التعاون، فإن الرياض تحتاج إلى تقديم رؤية متطلعة إلى حقيق السلام والاستقرار على المدى الطويل.

وسوف يكون ذلك صعبا، يتم توجيه السياسة السعودية في الرياض الآن نحو زيادة التدخلات العسكرية، وسوف يكون النجاح السياسي في الرياض مرتبطا بالإنجازين العسكري والأمني، ومن ثم فإنك هناك حوافز قليلة للاستجابة إلى نداءات السلام. ومع كل شيء، فإن البيئة السياسية الحالية تفسح المجال نحو مزيد من التحالفات قصيرة الأمد، والمصممة خصيصا لمواجهة طموحات المنافسين.