شؤون خليجية-
تحمل زيارة الملك السعودي سلمان بن عبدالعزيز، الرسمية الأولى منذ جلوسه على العرش في يناير/كانون ثان 2015 للقاهرة، الخميس المقبل، عددًا من الرسائل الإقليمية والدبلوماسية، المغلفة بملفات اقتصادية، وفق خبراء.
وتشهد العلاقات المصرية السعودية، تقارباً وتعاوناً مشتركاً في كافة المجالات، منذ الإطاحة بأول رئيس مدني منتخب، محمد مرسي، في 3 يوليو/تموز 2013، ومع تولي الملك سلمان، الحكم تباينت الرؤى والمواقف بين القاهرة والرياض، خاصة في معالجة الملفات الإقليمية الشائكة.
"رسائل سياسية وعسكرية ودبلوماسية"، هكذا رجح المحلل العسكري والعميد متقاعد بالجيش المصري "صفوت الزيات" زيارة الملك سلمان ومباحثاته المرتقبة مع السيسي بالقاهرة.
وقال الزيات إن "الرياض تسير في إطار يجعل الموقف المصري أكثر انحيازاً للتوجه السعودي، خاصة في قضايا مختلف عليها حتى الآن، سواء في سوريا أو في اليمن أو تجاه إيران عموماً"، مستبعداً في الوقت ذاته "أي حديث سعودي مصري بشأن تعميق العلاقات العسكرية بين البلدين".
وأوضح الزيات، "يبدو أن تعميق العلاقات العسكرية بين مصر والسعودية فيه قدر من الحذر من البلدين، فالنظام المصري لا يريد التورط كثيراً في قضايا خارج حدوده، لاعتبارات سياسية واقتصادية وعسكرية، بينما تسعى السعودية إلى تولي أمر القيادة في كل التحالفات الجارية الآن في المنطقة، على حساب الدور التاريخي للقاهرة منذ العقود الناصرية (في إشارة لفترة تولي الرئيس الأسبق جمال عبدالناصر في ستينات القرن الماضي)".
وحول ملف المصالحة المصرية التركية، أوضح الزيات أن "المصالحة مسألة بعيدة حتى الآن؛ لأن الشروط التي وضعتها القيادة التركية لن تتنازل عنها وهي مرتبطة برؤية تركية على أن النظام المصري تعدى على النظام الشرعي الذي كان قائماً في مصر".
وتشهد العلاقات بين القاهرة وأنقرة توتراً منذ الإطاحة بـ"مرسي" بلغ ذروته في 24 نوفمبر/تشرين ثان 2013، عندما اتخذت مصر قراراً باعتبار السفير التركي "شخصاً غير مرغوب فيه"، وتخفيض مستوى العلاقات الدبلوماسية إلى مستوى القائم بالأعمال وردت أنقرة بالمثل.
وعادة ما تعلن تركيا أنها لا تتدخل في الشأن المصري وتؤكد انحيازها للديمقراطية، ودعمها لحريات الشعوب ورفضها الانقلاب علي أي مسار ديمقراطي، وهو ما رأته في الانقلاب على الرئيس المصري الأسبق "مرسي".
ومضى الزيات بالقول إن "المصالحة المصرية التركية، لن يجدي معها دور للسعودية، في هذه المسألة على نحو خاص، لأنها مسألة لها حساسية من الجانب التركي في دور الجيوش في الديمقراطيات الناشئة والحديثة، واعتقد أن هذا الأمر يصعب نجاحه، حتى لو حاول الملك سلمان التوسط للمصالحة".
ومشيراً إلى حاجة مصر أكثر منها للمملكة، أضاف المحلل العسكري أن "السعودية تسعى لترسيخ دورها الريادي في المنطقة، بما لديها من قدرات عسكرية واقتصادية باعتبارها دولة مانحة، وإظهارها مؤخراً دوراً استقلالياً عن الدور الأمريكي المهيمن على المنطقة منذ أوائل التسعينات وحرب تحرير الكويت في شتاء عام 1991".
وتابع الزيات "السعودية باتت قادرة على العمل بشكل منفرد عن القوة العسكرية التقليدية التي لعبت دوراً كبيراً في النظام العربي، أو في الحديث عن القدرات العربية في إطارها العربي، مثل مصر وسوريا والعراق والجزائر التي تعاني بشكل خاص".
وتشهد المنطقة العربية صراعات عدة في اليمن والعراق وسوريا وليبيا، تؤثر بشكل مباشر بحسب مراقبين على السعودية التي تقود حربًا تدعمها فيها القاهرة لاستعادة الشرعية في اليمن ضد قوات الحوثي وعلي عبدالله صالح، كما تشارك في التحالف الدولي الذي تدعمه مصر أيضاً ضد تنظيم "داعش" في سوريا، فيما يبدو هناك اختلافًا واضحًا للعيان بشأن القضية السورية والتعاطي معها.
ففي فبراير/ شباط الماضي، أعلنت الخارجية المصرية على لسان وزيرها سامح شكري، رفض مصر ما دعت إليه الرياض وأنقرة من استعدادٍ لخوض حرب برية في سوريا بقيادة التحالف الدولي ضد تنظيم داعش الإرهابي.
وبينما أعلنت السعودية نهاية العام الماضي تحالفاً إسلامياً يشمل دولاً عربية وإسلامية، من بينها مصر، تسعى في الوقت ذاته أن تكون مصر ضمن مكونات تحالف يواجه نظام الأسد في سوريا بريًا.
واتفق السفير المصري السابق رخا أحمد حسن، عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية، (غير حكومي)، فيما طرحه "الزيات" بشأن الملفات المنتظر مناقشتها خلال زيارة الملك سلمان للقاهرة، فيما اختلف في طبيعة الطرح.
وقال "رخا" للأناضول، إن "أبرز الملفات المنتظر تداولها بين سلمان والسيسي هي المتعلقة بالعلاقات الثنائية بين البلدين والتنسيق المشترك، وتوقيع عدد من الاتفاقات الاقتصادية بما قيمته 6 مليارات دولار".
ومشيراً إلى مباحثات إقليمية بين السيسي وسلمان، أوضح رخا أن "السيسي سيبحث مع سلمان الأزمة في اليمن وسوريا وليبيا، بما يمس الدولتين من قضايا، ووجهات النظر المشتركة بشأن التطورات بها".
وأضاف "من المتوقع أن يتشاور الطرفان في كيفية الإسراع بالعودة إلى المبادرة الخليجية لحل الأزمة اليمنية، لأن عاصفة الحزم الموجهة لمحاربة قوات الرئيس اليمني السابق والحوثيين باليمن يبدو أنها حرب ليس لها نهاية، في ظل أراض يمنية ذات طبيعة خاصة ومحاربة قوات خاصة"، متابعاً "وكذلك بحث انجاح مهمة المبعوث الدولي لليمن (إسماعيل ولد شيخ أحمد) والمبادرة الخليجية لحل الأزمة".
وحول مشاركة مصر في التحالف الإسلامي الذي تقوده السعودية، وتوقعات التشاور بشأن أدوار للجيش المصري مستقبلياً بجانب نظيره السعودي، قال رخا، إن "علاقتنا مع السعودية قائمة على أساس المشاركة في مجالات عسكرية معينة، وليس الدفع بأي جندي خارج البلاد".
ولم يستبعد رخا، طرح القضية الفلسطينية وملف المصالحة بين فتح وحما، قائلاً "لا تراجع مصري في القضية الفلسطينية التي تتابعها جهود عربية أخرى، بجانب معالجتها حالياً في إطار مبادرة فرنسية، لدفع عملية السلام الفلسطينية الإسرائيلية".
من جانبه قال أنور عشقي، مدير مركز الدراسات الاستراتيجية والقانونية بجدة، إن "المملكة العربية السعودية ومجلس التعاون الخليجي ينظران إلى مصر على أنها تسير على الطريق الصحيح"، مشيراً أن "القاهرة حققت إنجازات في السنة الماضية مالم تتحقق خلال الــ20 عامًا الماضية".
وبحسب تصريحات أدلى بها "عشقي" للتلفزيون المصري الحكومي الأحد الماضي، فإن "دول مجلس التعاون الخليجي والسعودية ستدعم كل الجهود الاستثمارية التي من شأنها أن تحقق مزيداً من الاستقرار في مصر".
وأضاف عشقي أن "القمة المرتقبة ستكون عبارة عن تنسيق للمواقف التي تجمع البلدين الشقيقين في القضايا العربية المختلفة مثل (اليمن وسوريا والعراق وليبيا) وسيشهد العالم العربي والإسلامي بعد هذه الزيارة انفراجة في كثير من المواقف والرؤى".
وقبل أيام، عقد مجلس التنسيق السعودي المصري اجتماعه الخامس بالرياض، وأسفر الاجتماع عن توقيع اتفاقية تمويل توريد مشتقات بترولية بين الصندوق السعودي للتنمية في المملكة، والهيئة المصرية العامة للبترول في جمهورية مصر العربية، وشركة أرامكو السعودية.
وتم خلال الاجتماع أيضا توقيع اتفاق بشأن برنامج الملك سلمان بن عبدالعزيز لتنمية شبه جزيرة سيناء ومذكرة تفاهم في مجال تشجيع الاستثمار بين صندوق الاستثمارات العامة في السعودية ووزارة الاستثمار في مصر.
وفي هذا الشأن قالت وزارة التعاون الدولي المصرية في بيان، إن "اتفاقية تنمية شبه جزيرة سيناء بقيمة 1.5 مليار دولار، وبينها إنشاء جامعة بمدينة الطور وإنشاء عدد من التجمعات الزراعية والسكانية".
وبلغ حجم التبادل التجاري بين مصر والمملكة العربية السعودية 5.3 مليار دولار في 2015 وحوالي 4.4 مليار دولار في 2012 وهو ما يكشف عن تنامى حجم التبادل التجاري بين البلدين .