عبد الوهاب بدرخان- الاتحاد الاماراتية-
هذا هو باراك أوباما، وهذه هي حدود إرادته، أي ما دون قدرات الدولة العظمى. كل الأهداف الوهمية، شبه المثالية، شبه المتعامية عن الواقع، التي طاردها خلال ولايتيه، انتهى إلى عكسها تماماً. وعلى رأسها تحقيق تقارب مع روسيا، ومع إيران. فإذا بفلاديمير بوتين يستضعفه ولا يتردّد في خداعه، كما يقرّ بذلك بعض مستشاري الإدارة، وإذا بطهران تغبطه بالتخلّي عن برنامج نووي لم يكن فاعلاً لتتمسك بمشروع هيمنة أنجزته تحت غطاء الأزمة النووية ولتشهر فوق ذلك برنامجاً صاروخياً يخلّ بموازين التسلح في المنطقة. وكان أوباما بدأ ولايته الأولى في البيت الأبيض بسقف عالٍ عنوانه مصالحة أميركا مع العرب والمسلمين، بدءاً من التحرّك نحو سلام عربي - إسرائيلي، وانتهى بسقف واطئ جداً، يحاذر تحته طرح أي مبادرة مخافة غضب زمرة المتطرفين الحاكمة في إسرائيل، وتوّج مسلسل انزياحه عن أهدافه بحفر هوّة من سوء الفهم والتفاهم بينه وبين دول الخليج.
لا أحد توقّع أن تتوصّل القمة الخليجية - الأميركية إلى أي تغيير جوهري في سياسات أوباما وخياراته، التي تشي تصريحاته إلى مجلة «أتلانتيك» بأنها مبنية على اقتناعات يشعرك بعض منها بأنه جاء من أفكار شخصية مسبقة. وفيما اعتقدت دول الخليج دائماً بأنها في «صداقة» و«شراكة» مع أميركا، بل رسمت سياساتها الخارجية على هذا الأساس، إذا بهذا الرئيس الأميركي يهزّ الثقة ويشكّك ويدعوها إلى قبول هذا التشكيك، بل يقول إنها تريد «خدمات مجانية»، وهو يعلم أنها ليست «مجانية» على الإطلاق ولم تكن كذلك، سواء للخليجيين أو للأوروبيين، الذين شملهم أيضاً بانتقاداته. وبما أن رئيس الدولة العظمى لا يعترف بالإخفاق فإنه يلقي اللوم على الآخرين، كما فعل في مؤتمره الصحافي في الرياض حين أقرّ بأن العقبة أمام الحل السياسي في سوريا هي بشار الأسد، لكنه سارع إلى التخفيف من المسؤولية بالقول إن حلّ هذه العقدة في يد روسيا، متناسياً أن بوتين سبق أن أبلغ جون كيري أنه لا يتجاوز الإيرانيين في هذا الموضوع.
أوباما نمط مختلف من الرؤساء الأميركيين وليس واضحاً ما يمكن أن يبقى من أفكاره لدى مَن سيخلفه في البيت الأبيض. ولعله فهم في قمته الأخيرة مع قادة الخليج أنهم هم أيضاً مختلفون عن النمط الذي طبعه في مخيّلته. ولذلك بقيت وجهات النظر متباعدة بينه وبينهم في ما يتعلق بإيران وأجنداتها العدائية. فهو حاجج سابقاً بأن الاتفاق النووي سيغيّر سياسات إيران، ولم يثبت ذلك. وهو تجاهل ما فعلته في تدخّلاتها، من العراق إلى سوريا واليمن إلى البحرين ولبنان، وحتى في الصومال، ومع أنه يقرّ بأنها تزعزع استقرار المنطقة إلا أنه لا يتمتّع بأي سياسة أو إرادة لمواجهتها، ولا يبدي سوى التأييد الخجول لمواجهتها من جانب السعودية ودول الخليج، وإذ طالب أوباما الخليجيين بزيادة مساهمتهم في الحرب على الإرهاب، فقد كان من الطبيعي أن يُسأل كيف يحارب الإرهاب فيما يغضّ النظر عن دور إيران في الإرهاب من أجل التقارب معها؟ والجواب الصحيح لا يكون فقط بـ «مساعدة سنّة العراق على بناء قوّتهم»، ولا يكون فقط بدعم الدول الخليج لبناء منظومة صواريخ دفاعية وإعداد قوات خاصة، فهذه ضرورية لكنها تديم التوتر ولا تقضي على الإرهاب طالما أن هناك دولة ترعاه وتستخدمه.
أما الحوار مع إيران، الذي يريده أوباما وصولاً إلى «سلام بارد» معها، فيبدو أيضاً من جنس الأهداف التي توهمها ولم يحققها، ذاك أن دول الخليج لا ترفض هذا الحوار بالمطلق، لكنها ترصد أي مقدمات يمكن أن تبرّره، والمؤكّد أنها لا تحبذ حواراً لـ«تقاسم النفوذ» على غرار ذلك الذي تبناه الأميركيون والإيرانيون بشأن العراق، وقد ظهرت نتائجه جلية.
واقع الأمر أن الخلاف قديم بين العرب وسياسات واشنطن لكن الخيبة الكبرى حصلت مع غزو جورج بوش الابن العراق بخطة هزيلة فجّرت التناقضات الطائفية واجتذبت إرهاب «القاعدة»، ثم تفاقمت بعدما أمر أوباما بالانسحاب من العراق بخطة أكثر هزالاً أدّت إلى تسليم البلد إلى إيران وانتهت إلى ظهور تنظيم «داعش» واستشراء الإرهاب في عموم المنطقة.
أما المفارقة الأهمّ، فهي أن أوباما أراد انسحابه هذا إرهاصاً للانسحاب من الشرق الأوسط، غير أن أعوامه الثمانية في الرئاسة لم تنشغل إلا بالشرق الأوسط. كيف يغادر منطقة من دون حل مشاكلها التي ساهم في تعقيدها؟