سياسة وأمن » لقاءات

زيارة «فرقة عشقي» للترويج قبل التطبيع

في 2016/08/08

اللافت للنظر أن كل من زار (إسرائيل) من «المتأسرلين العرب الجدد» المندفعين نحو التطبيع مع الكيان الصهيوني الاحتلالي، والترويج له، يخرج في غضون أيام فقط بالنتيجة نفسها ويردد «اللازمة البائسة» نفسها وهي أن الاعتقاد السائد بين الشعوب العربية عن إسرائيل هو خطأ وسوء فهم وفيه نوع من الظلم للمجتمع الإسرائيلي.. وأن ما كانت الأنظمة العربية تلقن به شعوبها من دعايات وادعاءات ناجم عن عدم فهم لنوايا السلام لهذا لمجتمع «الطيب المسالم»… كلام لا يجرؤ بل يخجل عن قوله حتى غلاة المؤيدين لإسرائيل. ولا أدري من أين يستقون هذه المعلومات.

فهذه المقولة رددها من قبل «صحافيو العار»، بعد زيارات قصيرة لدولة الاحتلال تلبية لدعوة رسمية من وزارة الخارجية الصهيونية قبل بضعة شهور، وهي «اللازمة» نفسها التي يكررها الاحدث والاخطر من المتأسرلين العرب ممثلين بالجنرال السعودي المتقاعد أنور عشقي و»فرقة الباحثين» التي رافقته في زيارته إلى إسرائيل. ورددها من قبلهم عدد محدود جدا جدا، من «المتأسرلين» عراقيين كانوا أو كويتيين أو إماراتيين وسوريين خاصة ممن يدعون المعارضة لنظام بشار الأسد.

وآخر ما قاله أحد أعضاء «فرقة عشقي» في مقابلة مع قناة «شهاب» التلفزيونية، والمقابلة بحد ذاتها خطأ جسيم بقصد أو غير قصد، لأنها تفتح المجال الفضائي أمامهم للدفاع عن خطيئتهم والترويج لها، قال هذا «المتأسرل» «شوف يا عزيزي.. تكونت صورة لدى المجتمعات العربية.. إن المجتمع الإسرائيلي يعتنق ثقافة الموت ويريد سفك الدماء وأنه مجتمع لا يريد السلام.. هذا الكلام للأسف غير صحيح.. المجتمع الإسرائيلي لمست فيه أنه مجتمع يعتنق ثقافة الحياة… مجتمع لديه مكتسبات يخاف عليها.. مجتمع لديه ثقافة التعايش… مجتمع يريد السلام.. المشكلة بين الطرف الإسرائيلي والطرف الفلسطيني ليست مساحات».

ويضيف «الباحث» عندما تحاورنا مع السيد دوري غولد مدير عام وزارة الخارجية الإسرائيلية (وهو الساعد الأيمن لسيده بنيامين نتنياهو) وتحاورنا مع أعضاء الكنيست الإسرائيلي وأعضاء في منظمة «مقاتلون من أجل السلام» (تعمد عدم ذكر مسؤول العمليات في الضفة الغربية يوأف مردخاي)، لم يكن الخلاف على مبادرة السلام العربية.. وهم في المجتمع الإسرائيلي وصناع القرار يقبلون بمبادرة السلام العربية كمبدأ ولكن المشكلة هي انعدام الثقة بين الطرفين ولن تكون هناك ثقة من دون حوار… 

استنتاج «يستحق عليه» هذا «الباحث» باستنتاجاته «العبقرية والفريدة» تصفيقا حارا.. فقد اكتشف خلال زيارة قصيرة لإسرائيل ولقاء أقصر مع غولد ومردخاي، ما لم يكتشفه أحد من قبل.. وهي أن المشكلة بين الفلسطينيين والإسرائيليين ليست إلا انعدام ثقة وليست احتلالا وعنصرية.. اكتشاف غاب عن الفلسطينيين والعرب والأمريكيين وحتى الأوروبيين وكل من كان له يد في ما يسمى بالمسيرة السلمية، رغم مرور حوالي 25 سنة على مؤتمر «سلام مدريد» و23 سنة على توقيع اتفاق اوسلو المشؤوم.. اكتشاف يستحق عليه هذا المتأسرل وبقية «فرقة عشقي» جائزة نوبل للتطبيع.. وفي هذه المناسبة اقترح على القائمين على جائزة نوبل ان يضيفوا «جازة أفضل مطبع» مع الكيان الاحتلالي.

فإذا كان مثل هذا الكلام يصدر عمن يفترض أن يكون «باحثا» فما يمكن توقعه من الآخرين.. وإذا كان كل المتأسرلين من نمط «فرقة عشقي» فهنيئا لإسرائيل بهم ولن يحسدها عليهم أحد.

أليس غريبا أن هؤلاء المتأسرلين لم يتطرقوا حتى خلال تبريراتهم للزيارة وإصرارهم على أنها كانت لفلسطين وليس إسرائيل، بكلمة واحدة عن الاحتلال. ألا يشكل ذاك ترويجا للاحتلال وتمجيدا له.

أليس غريبا أنهم لم يروا معاناة الشعب الفلسطيني اليومية فقط على الحواجز الاحتلالية؟ 

أليس غريبا أن عيونهم وآذانهم لم تر ولم تسمع خلال «زيارة العار» مآسي الشعب الفلسطيني، خاصة في مدينة الخليل جنوب الضفة الغربـــية حيث يعاني أكثر من ثلاثة أرباع مليون نسمة من الحصار والإغلاق والتجويع منذ أسابيع عقابا لهم على عمليتين قتل فيها مستوطنون لا يشبعهم 78٪ من فلسطين التاريخية بل يسعون للسيطرة على أكثر من 60٪ من الـ 22٪ التي تشمل الضفة الغربية وقطاع عزة التي قبلت منظمة التحرير الفلسطينية، بها لانهاء الصراع.

ألم يشاهدوا بأم أعينهم التي غشاها إصراراهم على التطبيع بدون أي مقابل، ما يعاني منه أهالي البلدة القديمة من الخليل التي تضم بين جنباتها الحرم الإبراهيمي ومسجد أبو الأنبياء إبراهيم عليه السلام.. ومساعي الاحتلال لتحويله إلى مزار ومعبد يهودي فقط.

وإذا كانت الزيارة كما ادعوا من أجل الفلسطينيين، فلم لم يحاولوا الوقوف على مشاكل فلسطينيي 1948 أو التعرف على أحوالهم وما يواجهونه من إهمال واضطهاد وما يعيشونه يوميا من سياسة الإهمال والعنصرية التي تمارسها الحكومة الأكثر تطرفا في تاريخ الكيان الصهيوني ضدهم، وهم الذين يحملون الجنسية الإسرائيلية؟. 

أليس غريبا أيضا إنْ كانت زيارتهم استكشافية أنهم لم يلتقوا مع ممثلي الشعب الفلسطيني في الداخل من لجنة متابعة وأعضاء كنيست، ولم يستمعوا منهم إلى من يفيدهم في لقاءاتهم التطبيعية مع الجانب الصهيوني؟ فهؤلا وهم حملة الجنسية الإسرائيلية هم الذين يعرفون الإسرائيليين من الداخل ويعرفون كيف يتعاملون معهم وهم الذين يقارعونهم يوميا. وبدلا من ذلك آثروا الاجتماع مع ممثلي الأحزاب الصهيونية وممثالي نظام الابارتايد، والاستماع لأكاذيبهم وتزييفهم للواقع السياسي الإسرائيلي ومواقفهم من الفلسطينيين خصوصا والعرب عموما. 

حتى من باب التمويه، لم يصدر عنهم ولو تصريح واحد يدينيون فيه الاحتلال وينتقدون السياسة الاحتلالية الصهيونية بدلا من إلقاء اللوم على «جهلنا للمجتمع الصهيوني وظلمنا له».

هل حقا توقعوا أن ينجحوا خلال «الزيارة الخطيئة» القصيرة بما فشل في تحقيقه المجتمع الدولي، بإقناع الإسرائيليين بالمبادرة العربية السخية والكريمة؟ 

ألا يعرف هؤلاء الذين يدعون بأنهم باحثون ومفكرون أن إسرائيل تصر دوما على الدفع أولا والتسليم لاحقا وتجربة منظمة التحرير الفلسطينية شاهد على ذلك؟ فقد دفعت في اتفاق اوسلو المشؤوم الثمن مسبقا بالاعتراف بحق إسرائيل في الوجود ولا زالوا ينتظرون التسليم بعد حوالي 23 عاما.

ألا يعني ما صدر عنهم من تصريحات أن الفلسطينيين هم من يتحمل مسؤولية عرقلة العملية السلمية بسبب جهلهم للإسرائيليين ونواياهم «الطيبة» نحوهم ونحو العرب والسلام؟

وما معنى أن يشككوا في المقاومة وطاقاتها بالقول إن «المقاومة لم تقتل ذبابة».. وهنا الحديث لا يقتصر عن المقاومة في قطاع غزة فحسب، بل عن مجمل المقاومة ومفهومها.. ألا يعني ذلك العزف على الوتر الاحتلالي بتحميل المقاومة مسؤولية المجازر التي ارتكبتها وترتكبها قوات الاحتلال ضد الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة؟

أليس هذا طعن وتسخيف في مقاومة الشعب الفلسطيني؟ تلك المقاومة والثورة ومنظمة التحرير الفلسطينية على علاتها، هي التي أبقت القضية حية على مدى قرن.. عقود من النضال والكفاح الذي لن يفهم معناه هؤلاء، ولولا هذه المقاومة وصمود الشعب الفلسطيني وتضحياته العظيمة لاندثرت القضية برمتها.. 

ألا يمثل سكوت هذه الجهات الرسمية في السعودية على هذه الزيارة مؤشرا ودعوة صريحة لآخرين لكي يحذوا حذو «فرقة عشقي».. خصوصا وأن الوفد خرق بهذه الزيارة القوانين السعودية التي تحرم على حاملي جوازات السفر السعودية، السفر إلى إسرائيل ولأي سبب كان؟

ألا يشكل ما تقيأوا به دفاعا عن أعتى احتلال يشهده القرن العشرون ويتواصل في القرن الحادي والعشرين دون ضوء في آخر النفق لزوال هذا الاحتلال البغيض؟

ألم يسمع هذا الجنرال المتقاعد وهو الباحث والأكاديمي الذي يقود مركزا للأبحاث في جدة، رفض دولة الاحتلال المتواصل ودون مواربة لمبادرة السلام السعودية التي يحاولون انعاشها بـ «التنفس التطبيعي»؟ 

أليس الجنرال المتقاعد وخلافا لبقية العالم، هو من وصف بنيامين نتنياهو في مقابلة سابقة مع قناة «إسرائيل 24» التي قدمته كمستشار للملك السعودي بأنه «رجل عقلاني وقوي ونحن بحاجة إليه» ويريد منه أن يتجه إلى مصدر هذه المبادرة وهي المملكة العربية السعودية؟

وكمدير لمركز أبحاث يقدم نفسه على أنه مفكر ملهم، ألم يسمع بما قاله اسحق شامير رئيس وزراء إسرائيل الأسبق عندما أرغمته واشنطن على المشاركة في مؤتمر سلام مدريد، سنتفاوض ونبقى نتفاوض.. وها قد مر على المؤتمر حوالي ربع قرن، ولا يزال رئيس الوزراء الإسرائيلي الحالي الكذاب المخادع يدعو للتفاوض المباشر دون أي شروط مسبقة ودون أي التزام بأي شيء حتى وقف النشاط الاستيطاني الذي لم نسمع من «فرقة عشقي» أي إدانة له.

وأختم بأن كل المبررات التي جاءوا بها كاذبة ومفضوحة وتأكد أن الغرض أكبر وهو التطبيع العلني مع إسرائيل والترويج لها. والإمعان في الدفاع عن الزيارة دون ردة فعل من الحكومة السعودية، يؤكد أنها مخطط لها وأن أهدافها واضحة لا لبس فيها وهو ليس التطبيع فحسب بل تقديم صوة زائفة ومخادعة للمجتمع والحكومة في إسرائيل ومواقفهم إزاء مسيرة السلام والمبادرة العربية. هذا المجتمع الذي يمعن في التطرف بانتخاب أحزاب يمينية متطرفة تجمعها الأحقاد العنصرية والكره للعرب والفلسطينيين.

كل هذا يؤكد أن جهة ما في الســلطة الحاكمة في السعودية تقف وراءها، والغرض ليس فقط التطبيع بل الترويج لإسرائيل.

علي الصالح- القدس العربي -