سياسة وأمن » لقاءات

المغامرة الجديدة لبريطانيا في الخليج

في 2016/12/24

في ديسمبر/ كانون الأول عام 2016، كشكشت رئيسة الوزراء البريطانية «تريزا ماي» ريش إيران. وأعلنت، خلال قمّة دول مجلس التعاون الخليجي هذا الشهر، رغبة بريطانيا في «تقديم التزام أكثر استدامة وثباتا على المدى الطويل بأمن الخليج».

وقالت أنّ هذا سيشمل استثمارات في مجال الإنفاق الدفاعي بقيمة 3 مليار جنيه إسترليني (3.7 مليار دولار) في المنطقة خلال العقد القادم.

وأضافت رئيسة وزراء بريطانيا أنّها تقدر بشكل جيد التهديد الإيراني للمنطقة، وتعهّدت بمواجهة ما وصفته بـ «أفعال إيران الإقليمية العدوانية».

وأطربت هذه الموسيقى آذان معظم دول مجلس التعاون الخليجي، وهو كتلة سياسية واقتصادية إقليمية تضم السعودية والإمارات والكويت والبحرين وعمان وقطر. أمّا في إيران، فقد ندّد مسؤولون بالتصريحات بوصفها عدائية من جانب لندن.

ولا تعدّ رغبة بريطانيا في أن تصبح قوّة متعاونة مع دول الخليج العربي شيئًا جديدًا. ففي السنوات الأخيرة، أشارت المملكة المتحدة أنّها كانت تعمل من أجل عكس انسحابها شرق السويس.

وبالرجوع في التاريخ إلى بدايات السبعينيات، جاءت تلك السياسة بعد سلسلة من التراجعات العسكرية، حيث لم يعد الجيش البريطاني وقتها قادرًا على الحفاظ على قوته الكبيرة في المنطقة.

وبالعودة سريعًا لعام 2016 مرة أخرى، نجد أن الجيش البريطاني في حالة من التراجع، والبحرية الملكية قد أصبحت ظلًا لما كانت عليه سابقًا، وكذلك الحال في سلاح الجو الملكي. ومع ذلك، لا تزال بريطانيا تستفيد بشكل رائع من مبيعاتها للأسلحة إلى هذه القوى الإقليمية.

وعلى الرغم من التراجع الشديد في قوة جيشها، أظهرت المملكة المتحدة دلائل ملموسة على خطوات ملحوظة لإعادة التواجد العسكري في منطقة الخليج العربي. وفي سبتمبر/ أيلول عام 2014، عبّر مسؤولون في لندن عن نيتهم إنشاء 3 قواعد في الخليج، ظاهريًا لمحاربة «الدولة الإسلامية» فقط.

وقبل ذلك، كانت هناك علامات واضحة على تحويل الجيش البريطاني لأعداد كبيرة من القوات إلى المنطقة. وقد أرسل سلاح الجو الملكي البريطاني كلًا من المقاتلتين «بانافيا تورنادو» و«يوروفايتر تايفون» إلى قاعدة المنهاد الجوية جنوب دبي في دولة الإمارات العربية المتّحدة.

وبالإضافة إلى ذلك، سعت الحكومة البريطانية لتطوير وجودها في ميناء الدقم في عمان وتعزيز وجودها البحري في مملكة البحرين. وفي ديسمبر/ كانون الأول عام 2016، كشفت وزارة الدفاع البريطانية أنّ طائرات سلاح الجو الملكي البريطاني قد أسقطت قنابل في الحملة ضد «الدولة الإسلامية» أكثر بـ 11 مرة مما أسقطته خلال الصراع في أفغانستان.

ومع عدم بقاء أي حاملة للطائرات تتبع للبحرية الملكية قيد التشغيل، على الأقل حتّى تبدأ حاملة طائرات الملكة إليزابيث العمل عام 2020، ستعتمد المملكة المتّحدة بشدّة على هذه القواعد الإقليمية. وبصرف النظر عن قواعده في قبرص، فقد تحوّل الجيش البريطاني بشكل كبير إلى دول الخليج.

وبعيدًا عن التنظيمات مثل «الدولة الإسلامية»، أعطت القواعد بريطانيا منصة للرد على أي استفزازات من قبل إيران. ولوقت طويل قبل صعود النظام الحالي عام 1979، اعتبر المسؤولون في إيران الخليج العربي عقر دارهم.

واستنكر الإيرانيون وجود قوى عسكرية أجنبية في الممر المائي. وعندما انسحبت بريطانيا للخلف من شرق السويس، قضت على هدف شاه إيران بأن تكون إيران هي القوة العسكرية المهيمنة في المنطقة، وقالت بريطانيا أنّها إذا انسحبت من مياه الخليج، فلن تسمح لإيران بأن تأخذ مكانها.

علاقات تاريخية

وفي دراسة للعلاقات بين الولايات المتّحدة وإيران في فترة نيكسون-كيسنجر، لاحظ المؤرخ «روهام ألفاندي» أنّ العلاقات الاقتصادية والسياسية الوثيقة لبريطانيا مع ممالك الخليج قد شكّلت سياسة بريطانيا في احتواء طموحات إيران في تلك المنطقة. وكتب «ألفاندي» يقول: «كانت سياسة بريطانيا هي احتواء الطموحات الإيرانية وطمأنت حلفائها العرب».

وأضاف: «ونصح السير ستيوارت كراوفورد، المقيم في الخليج، وزير الخارجية جورج براون أنّ بريطانيا ينبغي أن تتجنّب أي مظهر من مظاهر تأييد طموحات إيران، الأمر الذي قد يعطي انطباعًا أنّنا سنتجاهل مصالح دول الخليج العربي ونلقي بهم أسفل النهر».

وعندما انسحبت بريطانيا أخيرًا من شبه الجزيرة العربية، قامت الإمارات السبع المتصالحة، وهي المشيخات التي كان البريطانيون يطلقون عليها يومًا ما من قبل السخرية «ساحل القراصنة»، بالانضمام معًا وتشكيل دولة الإمارات العربية المتّحدة. ونشأت على الفور التوتّرات مع إيران.

وكان الشاه قد أعلن تخلّي بلاده عن المطالبة بالبحرين، لكنّه على الفور قام بالاستيلاء على الثلاث جزر أبو موسى وطنب الكبرى وطنب الصغرى في الخليج العربي. وفي عام 1921، كانت بريطانيا تحتل الجزر الثلاث، قبل أن تحوّل إدارتهم في النهاية لإمارة الشارقة.

لم يرضَ الشاه أن تحوز دولة الإمارات الناشئة حديثًا ملكية الجزر. ولا تزال مشروعية ملكية الجزر الثلاثة في نزاع بين طهران وأبوظبي حتى يومنا هذا.

وعلى الرغم من روابطها التاريخية مع الدولة المسمّاة حديثًا الإمارات، كان الشاه هو المنفق الأكبر على الجيش في منطقة الخليج. لذا، أغدقت بريطانيا على جيشه أكثر من 700 من دباباتها المتطورة ذلك الوقت، وزوّدت بحريته بـ 4 فرقاطات من النوع سام، والتي سمّيت بعد ذلك «ألفاند» بعد الثورة.

وبهذه الأسلحة، هيمنت إيران على المياه الدافئة للخليج. وكانت بريطانيا الثانية فقط بعد الولايات المتّحدة في تزويد طهران بالأسلحة ذات التقنية العالية.

وبعد الثورة الإسلامية في إيران عام 1979، تحوّل التوازن العسكري من قبل كل من الولايات المتحدة وبريطانيا من طهران إلى الرياض ودول مجلس التعاون الخليجي الأخرى. ومنذ الثمانينات، زوّدت الولايات المتّحدة الرياض بأكثر من 100 مقاتلة نسر من طراز إف-15، بما في ذلك طائرات من طراز إف-15 إي الهجومية المتقدّمة.

وفي عام 2016، وافقت وزارة الخارجية الأمريكية على بيع 72 مقاتلة لقطر الصغيرة. وتعمل «بي إيه إي سيستمز» على تزويد السعودية بعدد مماثل من طائرات يوروفايتر.

وتنفق هذه الملكيات أموالًا سخية على الأسلحة الغربية المتقدمة والتي فاقت هوس الشاه في مراكمة الأسلحة قبل 40 عامًا. ويعدّ هذا التراكم للأسلحة تحديًا لهدف إيران طويل المدى بالسيطرة والهيمنة على الخليج.

ونظرًا لتعليقات «ماي» في ديسمبر/ كانون الأول عام 2016، تبدو المملكة المتّحدة عازمة على استمرار دعمها لممالك الخليج العربية، وقد ترسل حتّى المزيد من قوّاتها إلى المنطقة مرّة أخرى.

ناشيونال إنترست- ترجمة وتحرير شادي خليفة - الخليج الجديد-