سياسة وأمن » لقاءات

الاقتصاد مدخلاً.. عودة الدفء إلى العلاقات التركية الإماراتية

في 2017/02/09

بعد ستة أعوام (آخر اجتماع كان في فبراير/شباط 2011)، التأم شمل اللجنة الاقتصادية المشتركة بين تركيا والإمارات، وسط آمال وطموحات بتعزيز العلاقات الثنائية بين الجانبين.

يأتي انعقاد الاجتماع تتويجاً للنقلة "النوعية" التي شهدتها العلاقات بين تركيا والإمارات خلال الفترة الماضية، وذلك بعد "فتور" سببته المواقف السياسية من بعض قضايا المنطقة.

- ملامح التقارب السياسي

بينما لا تزال مواقف البلدين على حالها فيما يتعلق ببعض قضايا المنطقة، يمكن ملاحظة تقارب كبير في وجهات نظر البلدين، تجاه قضايا أخرى، فسياسياً تدعم تركيا التحالف العربي الذي تقوده السعودية، وتشارك فيه الإمارات لدعم الشرعية في اليمن، وتتطابق وجهات نظرها مع دول الخليج، فيما يتعلق بإيجاد حل سياسي للأزمة اليمنية.

كما تعد مكافحة الإرهاب تحدياً بارزاً أمام البلدين، وتؤمن الدولتان بأهمية تعزيز تعاونهما من أجل مواجهة التحديات المشتركة، وخاصة تحدي الإرهاب، وبذل مزيد من الجهود لإعادة الأمن والاستقرار إلى المنطقة.

سلسلة تطورات إيجابية، رصدتها وكالة الأناضول التركية، شهدتها العلاقات بين البلدين، على مدار الـ 10 شهور الماضية، برزت جلياً عبر 8 محطات بارزة، أعادت الدفء إلى العلاقات الثنائية بين أنقرة وأبوظبي.

ففي 25 أبريل/ نيسان الماضي، قام وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، بزيارة للإمارات، التقى خلالها إلى جانب نظيره الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان، كلاً من محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الإمارات رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، ومحمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي.

وبعد شهرين من زيارة جاويش أوغلو، أعادت أبوظبي سفيرها لتركيا، وقدم "خليفة شاهين المرر"، في 14 يونيو/ حزيران الماضي، أوراق اعتماده للرئيس التركي رجب طيب أردوغان.

شهر واحد يمضي، ويضيف عمقاً جديداً إلى العلاقات الثنائية، على خلفية الموقف الذي اتخذته الإمارات، الداعم لتركيا في أعقاب محاولة الانقلاب الفاشلة التي شهدتها البلاد منتصف يوليو/ تموز المنصرم.

كما سلمت الإمارات في 26 يوليو/ تموز الماضي، قائد القوات التركية في أفغانستان، اللواء جاهد باقر، إلى سلطات بلاده، برفقة ضابط آخر، بعد محاولتهما الفرار إلى مدينة دبي، قادمين من العاصمة الأفغانية كابول.

- استثمارات إماراتية

بموازاة الموقف الرسمي الداعم لتركيا في مواجهة الانقلاب الفاشل، واصلت الشركات الإماراتية استثماراتها في السوق التركية.

شركة إعمار العقارية الإماراتية (شبه حكومية) أعلنت في أغسطس/ آب الماضي، الافتتاح المبدئي لمتنزه في مدينة أنطاليا السياحية على مساحة تصل إلى 639 ألف متر مربع، تبلغ قيمته مليار دولار، بالتعاون مع مجموعة فنادق "ريكسوس" العالمية.

في السياق ذاته تستثمر "مجموعة أبراج كابيتال" الإماراتية، التي تدير أصولاً قيمتها 9 مليارات دولار وتمتلك مكتباً في إسطنبول، نحو 900 مليون دولار منذ عام 2007 في السوق التركية، وفقاً لبيان سابق للمجموعة.

وافتتحت شركة موانئ دبي العالمية في مايو/ أيار الماضي رسمياً، محطة "موانئ دبي العالمية- ياريمشا"، التي تعد واحدة من أكبر المحطات البحرية في تركيا. وتبلغ الطاقة الاستيعابية 1.3 مليون حاوية نمطية، وتمتد على مساحة 460 ألف متر مربع، ما يعزز ربط تركيا بكل من أوروبا وآسيا، وتمكين التجارة في خليج "إزميت"، أحد أهم مناطقها الصناعية.

- الرياض والدوحة عرّابا التقارب

صبّ الاجتماع الوزاري الخليجي التركي الذي عقد على مستوى وزراء الخارجية في الرياض في 13 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، في محطات التقارب بين أنقرة وأبوظبي، لا سيما في ضوء ما صدر في بيانه المشترك.

دول مجلس التعاون الخليجي، ومن بينها الإمارات، اتخذت موقفاً مؤيداً لتركيا من منظمة "فتح الله غولن"، التي تتهمها أنقرة بمحاولة الانقلاب الفاشلة.

وأدان الاجتماع الذي حضره وزير الخارجية التركي، الاعتداء على سفينة "سويفت" المدنية التابعة للإمارات قرب مضيق باب المندب، مطلع أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، وعدوا ذلك "عملاً إرهابياً يهدد الملاحة الدولية".

أوضح البيان الصادر عن الاجتماع أنه "تم تكليف الأمانة العامة لمجلس التعاون بإعداد تصور عن تطوير التعاون الاستراتيجي بين مجلس التعاون وتركيا في جميع المجالات، بما في ذلك مفاوضات التجارة الحرة".

أما أهم محطة في مسيرة تطور العلاقات بين الجانبين، فتتمثل في زيارة وزير الخارجية الإماراتي لتركيا يوم 16 و17 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، والتي ركزت سياسياً على أوجه التقارب بين البلدين في ملفات سوريا والعراق واليمن وليبيا.

وبينما ترتبط الدوحة بعلاقات مميزة مع أنقرة، أسهم الانفراج في العلاقات السعودية- التركية في منح العلاقات التركية- الإماراتية دفعة معنوية وسياسية كبيرة، انعكست انفراجاً سياسياً وتبديداً لسحابة الصيف العابرة التي عكرت صفو العلاقة بين الجانبين.

- الدعم الثلاثي

السفير التركي في أبوظبي، جان ديزدار، كشف لوكالة الأناضول، عن "قطبة مخفية" في العلاقات الثنائية بين أبوظبي وأنقرة.

فبعد أن أوضح السفير التركي ازدياد حجم الصادرات التركية إلى الإمارات خلال ديسمبر/ كانون الأول الماضي، بنسبة 77%، أردف قائلاً: "ساهم الفائض التجاري الذي حققناه مع الإمارات في تضييق العجز التجاري لبلادنا بنحو 1.7 مليار دولار خلال العام 2016، ونبذل جهوداً حثيثة لزيادة هذا الحجم".

وتعاني الليرة التركية في الآونة الأخيرة من تقلبات سعر الصرف في مقابل العملات الأجنبية على خلفية عدة عوامل، سياسية واقتصادية، ما دفع دول مجلس التعاون الخليجي، ولا سيما قطر والسعودية والإمارات، إلى الإعلان عن ضخ استثمارات في تركيا بقيمة 100 مليار دولار، تعويضاً عن نحو 25 مليار دولار من الاستثمارات الغربية التي خرجت من السوق التركية.

السفير التركي أكّد أن حجم التبادل التجاري بين البلدين ازداد بنسبة 36% حتى نهاية العام الماضي، ليصل إلى 9 مليارات دولار، وأن المستثمرين الإماراتيين يتابعون من كثب الفرص المتاحة في تركيا، وأن دخول اتفاقية التجارة الحرة، التي تم تسريع مفاوضاتها بين تركيا وبلدان مجلس التعاون الخليجي، سيكون لها إسهام كبير في هذا الخصوص.

- العلاقات بلغة الأرقام

يعيش نحو 10 آلاف مواطن تركي في الإمارات، ووصل عدد الشركات التجارية التركية المسجلة لدى وزارة الاقتصاد بدولة الإمارات مع نهاية 2015 إلى 69، فيما وصل عدد الوكالات التجارية إلى 73، وبلغ عدد العلامات التجارية المسجلة خلال الفترة نفسها إلى 1713 علامة.

كما سجل التبادل التجاري بين الإمارات وتركيا مستويات متقدمة خلال الفترة الماضية، إذ بلغ إجمالي التجارة الخارجية غير النفطية بين البلدين بنهاية عام 2015، نحو 7.4 مليارات دولار شاملة المناطق الحرة، فيما وصل خلال النصف الأول من العام 2016 إلى نحو 4.2 مليار دولار.

وتأتي تركيا في المرتبة 15 عالمياً بالنسبة للشركاء التجاريين لدولة الإمارات، فيما تمثل سادس أكبر مستورد من الإمارات، وفي المرتبة 13 على قائمة الدول المصدرة للإمارات.

تبدو العلاقات الإماراتية (ومعها الخليجية) التركية، مرشحة لمزيد من التطور والعمق على المستويات السياسية والاقتصادية لمواجهة تحديات المرحلة الراهنة، ومعها تتعاظم آمال شعوب المنطقة وطموحاتها بانعكاس ذلك مزيداً من الرفاهة والتقدم للأطراف كلها.

هشام منوّر- الخليج أونلاين-