اعتبر مستشار سعودي، اللقاء الذي جمع الأمير «محمد بن سلمان» ولي لي العهد السعودي بالرئيس الأمريكي «دونالد ترامب»، الثلاثاء، أنه «نقطة تحول تاريخية في العلاقات بين البلدين»، مشيرا إلى أنه أعاد «الأمور لمسارها الصحيح».
وشهد اللقاء محادثات مطولة ومغلقة على مائدة غداء في الغرفة العائلية التاريخية بالبيت الأبيض، حيث بحث الجانبان تعزيز العلاقات الثنائية والمستجدات على الساحتين الإقليمية والدولية.
وهذا اللقاء يعد الخامس على الصعيد الرسمي لـ«ترامب» مع قادة دول العالم منذ وصوله إلى البيت الأبيض، اتفاقا على تعزيز الجهود في مكافحة الإرهاب والسعي الى إحداث نقلة نوعية وشراكة استراتيجية في هذا الملف.
اللقاء الأول لـ«ترامب» على المستوى الرسمي مع مسؤول خليجي، حضره من الجانب الأميركي نائب الرئيس «مايك بنس»، ومستشار «ترامب» وصهره «جاريد كوشنر»، ومدير فريقه «رينس بريبوس»، وعن الجانب السعودي وزير الخارجية «عادل الجبير»، وبعض أعضاء الوفد.
وقال أحد كبار مستشاري «بن سلمان»، في تصريحات لوكالة «بلومبيرغ»، إن اللقاء كان «ناجحا للغاية»، واعتبره «يشكل نقلة كبيرة للعلاقات بين البلدين في كافة المجالات السياسية والعسكرية والأمنية والاقتصادية، وذلك بفضل الفهم الكبير لترامب لأهمية العلاقات بين البلدين واستيعابه ورؤيته الواضحة لمشاكل المنطقة».
قرار الهجرة
وأضاف إن «الأمير بن سلمان ناقش مع ترامب قضية منع دخول بعض مواطني الدول الست للولايات المتحدة الأمريكية، وإنه (الأول) متابع للموضوع من البداية، والمملكة لا ترى في هذا الإجراء أي استهداف للدول الإسلامية أو الدين الإسلامي بل هو قرار سيادي لمنع دخول الإرهابيين إلى الولايات المتحدة».
وتابع: «أوضح الرئيس ترامب احترامه الكبير للدين الإسلامي باعتباره أحد الديانات السماوية التي جاءت بمبادئ إنسانية عظيمة تم اختطافها من قبل الجماعات المتطرفة، فيما أكد الأمير بن سلمان أن المعلومات السعودية تفيد بالفعل بأن هناك مخططا ضد الولايات المتحدة تم الإعداد له في تلك الدول بشكل سري من هذه الجماعات مستغلين بذلك ما يظنونه ضعفا أمنيا فيها للقيام بعمليات ضد الولايات المتحدة، وأبدى تأييده وتفهمه لهذا الإجراء الاحترازي الهام والعاجل لحماية الولايات المتحدة من العمليات الإرهابية المتوقعة».
كما أكد المستشار السعودي أن «الأمير بن سلمان أبدى ارتياحه بعد اللقاء للموقف الإيجابي والتوضيحات التي سمعها من ترامب حول موقفه من الإسلام، وذلك عكس ما روجه الإعلام عنه، مؤكدا أن ترامب لديه نية جادة وغير مسبوقة للعمل مع العالم الإسلامي وتحقيق مصالحة بشكل كبير، وأنه يرى أنه صديق حقيقي للمسلمين، وسيخدم العالم الإسلامي بشكل غير متصور وذلك على عكس الصورة النمطية السلبية التي حاول البعض ترويجها عنه سواء كان ذلك عبر نشر تصريحات غير منصفة ومقتطعة من سياقها، أو عبر التفسيرات والتحليلات الإعلامية غير الواقعية عنه».
ملفات اقتصادية
وأوضح المستشار السعودي، أنه تم مناقشة العديد من الملفات الاقتصادية بين البلدين، ومنها استثمارات كبيرة في الولايات المتحدة من قبل الجانب السعودي وفتح فرص للشركات الأمريكية التجارية بشكل كبير واستثنائي للدخول في السوق السعودية.
وأكد «أن هذا لم يكن ليتم إطلاقا لولا جهود الرئيس ترامب في تحسين بيئة الاستثمار في أمريكا».
وأضاف أن «التعاون بين البلدين بعد الاجتماع التاريخي اليوم سيكون في أعلى مستوى له، وإن هناك الكثير من التفاصيل والأخبار الإيجابية سيتم إعلانها خلال الفترة المقبلة».
الملف الإيراني
وحول الملف الإيراني، قال أحد أكبر مستشاري «بن سلمان»، إن «الأمير أكد خلال اللقاء أن الاتفاق النووي سيء وخطير للغاية على المنطقة، وشكل صدمة للعارفين بسياسة المنطقة، وأنه لن يؤدي إلا لتأخير النظام الإيراني الراديكالي لفترة من الزمن في إنتاج سلاحها النووي، وأن هذا الاتفاق قد يؤدي إلى استمرار تسلح خطير بين دول المنطقة التي لن تقبل بوجود أي قدرة عسكرية نووية لدولة إيران».
وأكد أن «ترامب وولي ولي العهد تطابقت وجهات نظرهما بشكل تام حول خطورة التحركات الإيرانية التوسعية في المنطقة، وأن إيران تحاول كسب شرعيتها في العالم الإسلامي عبر دعم المنظمات الإرهابية بهدف وصولهم لقبلة المسلمين في مكة، مما يعطيهم الشرعية التي يفتقدونها في العالم الإسلامي ومع أكثر من مليار ونصف مسلم في العالم أجمع، وأن دعم إيران للمنظمات الإرهابية مثل حزب الله والقاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية وغيرها، ووقوفها في وجه أي اتفاق لحل المشكلة الفلسطينية من باب تصدير مشاكلها للخارج ومحاولة أخرى لكسب الشرعية التي تفتقدها بين المسلمين».
وقال المستشار السعودي، إن الجانبين أبديا اتفاقا على أهمية التغيير الكبير الذي يقوده «ترامب» في الولايات المتحدة وتزامن ذلك مع التغيير في السعودية عبر «رؤية السعودية 2030».
مواجهة الإرهاب
وبخصوص الإرهاب بالمنطقة، أوضح المستشار السعودي أن الجانبين «اتفقا على أن حملات التجنيد التي تقوم بها بعض الجماعات الإرهابية في السعودية ضد المواطنين السعوديين، هي بهدف كسب الشرعية لهذه التنظيمات على اعتبار مكانة السعودية الرائدة في العالم الإسلامي كونها مهبط الوحي وأرض الحرمين وقبلة المسلمين وما يمثله ذلك من شرعية لا منافس لها، ومن جانب آخر لمحاولة ضرب العلاقات الاستراتيجية السعودية مع الولايات المتحدة خصوصا والعالم عموما، ومن ذلك ما قام به قائد تنظيم القاعدة (أسامة بن لادن) والذي قال عنه نائبه (أيمن الظواهري) في خطاب تأبينه بأنه كان من جماعة الإخوان المسلمين منذ أن كان طالبا في الجامعة، وأن الظواهري نفسه كان عضوا في تنظيم الإخوان المسلمين وأن قيام أسامة بن لادن بتأجيل العمليات الإرهابية ضد الولايات المتحدة لأكثر من مرة كان بهدف جمع أكبر عدد ممكن من السعوديين لأداء العمليات بهدف ضرب العلاقات بين البلدين».
وذكر البيان أن الجانبين «تناقشا حول التجربة الناجحة السعودية بإقامة سياج عازل بين السعودية والعراق، وأن ذلك أدى لعدم تسلل أي شخص أو أي عملية تهريب منذ أن تم تشييده».
وأضاف المستشار السعودي، أن الأمير «بن سلمان» أبدى «أسفه أن السعودية لم تعجل بتطبيق هذه التجربة الناجحة في حدود السعودية مع اليمن»، موضحا أن نجاح التجربة في حدود المملكة الشمالية سيعجل بشكل كبير بتطبيقها بالحدود الجنوبية للمملكة.
وشهد الاجتماع كسر «ترامب» للبرتوكول، عندما استدعى الصحفيين لتصوير ولي ولي العهد وتوثيق الاجتماع بالصورة، قضلا عن استدعاء عدد من المسؤوليين الأمريكيين للاستماع لما يقوله الأمير «بن سلمان» حول تطلعات المملكة للعلاقة مع أمريكا.
وتكتسب زيارة الأمير «بن سلمان» أهمية خاصة، باعتباره أول مسؤول خليجي يلتقي الرئيس الأمريكي الجديد منذ توليه مهام منصبه في يناير/ كانون الثاني الماضي، كما تكتسب النقاشات بين الجانبين أهمية خاصة في ظل التحديات التي تواجهها المنطقة، وتوجهات إدارة «ترامب» لتسريع الجهود لهزيمة تنظيم «الدولة الإسلامية»، وحاجة الجانبين إلى استكشاف ومعرفة رؤية ومواقف كل من الرياض وواشنطن حيال القضايا الساخنة في المنطقة.
تفاؤل وإعادة ثقة
بدوره، قال «جيرالد فريستان» مدير مركز «شؤون الخليج في معهد الشرق الأوسط» لوكالة «أسوشييتدبرس»، إن الأجواء بين الرياض وواشنطن تبعث على التفاؤل.
واعتبر أن تعيين رئيس «إكسون موبيل» السابق «ريكس تيلرسون» الذي يتمتع بعلاقة جيدة مع السعودية وزيراً للخارجية، يعد أمراً مهماً بين البلدين، خصوصاً أنه يعرف مدى أهمية التعاون بين البلدين وعلاقاتهما التاريخية.
وأضاف: «ستشمل دائرة الحوار بين الطرفين مناطق أخرى قد تتطرق إلى النزاع الفلسطيني - الإسرائيلي في غياب اتفاق للسلام».
بينما توقع «ديفيد وينبيرغ» المستشار السابق لمجلس النواب للشؤون الخارجية، والباحث السابق في قسم تخطيط السياسات في وزارة الخارجية، أن يكون اللقاء ممهدا لعقد اجتماع بين خادم الحرمين الشريفين الملك «سلمان بن عبدالعزيز» والرئيس «ترامب».
وعن الموقف الإيراني من التقارب السعودي الأمريكي قال «وينبيرغ»: «إيران تعلم جيداً بطبيعة العلاقة الوثيقة السعودية الأمريكية حيث يتفق الطرفان على محاربة نفوذ الحرس الثوري الإيراني وأعمال التخريب والعنف التي تبثها إيران في عدّة دول، والقلق والارتباك من هذه العلاقة واضح على طهران التي تحاول تخفيف اللهجة الحادة تجاه دول الخليج لاستشعارها العزلة التي تنتظرها».
واستطرد قائلاً: «علاقات المملكة مع أميركا دخلت عهداً جديداً بوصول ترامب للرئاسة، فإدارة (الرئيس السابق باراك) أوباما أضعفت المصداقية مع المملكة العربية السعودية بسبب فشلها بالالتزام بتعهداتها بشأن فرض خط أحمر ضد الأسلحة الكيميائية في سورية وبسبب الاتفاق النووي الإيراني».
وأضاف: «الإدارة الأمريكية الجديدة جديرة بالثقة فيما يتعلق بصرامتها مع طهران مما سيسهل إعادة بناء الثقة مع السعودية».
بينما نقلت صحيفة «الحياة»، عن «ثيودور كاراسيك» الخبير في معهد «غالف ستايت أناليتيكس»، قوله إن زيارة الأمير «بن سلمان»، وهي الثانية للولايات المتحدة منذ الصيف الماضي، «ترسخ المرحلة المقبلة في العلاقة الاستراتيجية بين السعودية والولايات المتحدة».
وأضاف: «بن سلمان يريد دعم الولايات المتحدة لرؤية ٢٠٣٠، وتريد الإدارة الأمريكية تعاونا سعودياً في عملية السلام وأيضا في التصدي لنفوذ إيران».
بينما قال «أندرو بوين» الخبير في معهد «أميركان انتربرايز انستيتيوت»، إن «مسار العلاقة السعودية الأمريكية في اتجاه أكثر ايجابية في عهد ترامب»، وإن «زيارة بن سلمان تعكس رؤية الجيل الجديد في السعودية، واستقبال ترامب له تعبير عن التطلع للحوار والانخراط بجدية مع المملكة».
وتوقع «بوين» تركيزا أكبر من عهد «أوباما» على «التعاون الأمني الوثيق في التصدي لايران ومحاربة الدولة الإسلامية».
وشهدت العلاقات بين المملكة والولايات المتحدة تدهورا في ظل إدارة «أوباما»، وخصوصا في الملف السوري مع رفض واشنطن شن عملية عسكرية ضد نظام «بشار الأسد».
وقبل أيام قليلة من تنصيب «ترامب» رئيسا، أعلن وزير الخارجية السعودي «عادل الجبير» عن تفاؤله حيال العلاقات مع البيت الأبيض.
وقال في هذا السياق: «عندما نرى الخطوط العريضة التي وضعتها الإدارة الأمريكية الجديدة فمن الواضح أن مصالحنا تتطابق».
وتتهم السعودية باستمرار إيران بالتدخل في شؤون الدول العربية ومنها اليمن؛ حيث تدعم طهران المتمردين الحوثيين الشيعة ضد الحكومة التي يعترف بها المجتمع الدولي.
وكالات-