إنّ الاتّفاق الجديد للرئيس «ترامب» مع السعودية جيد حقًا للسّعوديين. وبعد التقريع العلني للمملكة لسنوات، قلب «ترامب» المسار تمامًا يوم الثلاثاء وبسط السجّادة الحمراء لأفراد العائلة المالكة السّعودية. وقد أعطاهم دفعة معنوية عالية بالحديث عن التزام الولايات المتّحدة بتحسين وتنشيط العلاقات الثنائية بين البلدين. وعلامَ يحصل «ترامب» في المقابل؟ ليس كثيرًا على الإطلاق.
وقد أشاد الجانب السّعودي بالاجتماعات التي رتّبت على عجل بين «ترامب» وكبار مساعديه بالبيت الأبيض مع الوفد رفيع المستوى من الرياض، وعلى رأسه ولي ولي العهد السّعودي الأمير «محمد بن سلمان»، والتي أشار إليها الجانب السّعودي بـ «نقطة التحول التاريخية» في العلاقات بين الولايات المتّحدة والسّعودية بعد 8 أعوام مثيرة للجدل في ظلّ إدارة «أوباما». وقال بيانٌ سعودي أنّ الأمير يعتبر الرئيس الجديد «صديقًا حقيقيًّا للمسلمين» وأنّ المقابلة مثّلت «تحوّلًا كبيرًا في العلاقات» في كل المجالات.
وصدر بيانٌ عن البيت الأبيض، يوم الأربعاء، قال أنّ «ترامب» و«بن سلمان» قدّ وجّها فريقيهما للعمل على إيجاد سبل «لتعزيز وتطوير العلاقات الاستراتيجية بين الولايات المتّحدة والسّعودية» في المجالات السياسية والعسكرية والأمنية والاقتصادية والتجارية والاستثمارية ومجال الطاقة، وبدء برنامج أمريكي سعودي جديد «بقيمة تتجاوز 200 مليار دولار كاستثمارات مباشرة وغير مباشرة خلال الأعوام الأربعة القادمة». ولم تصدر أيّ تفاصيل حول ذلك.
وبالنّسبة للسّعوديّين، فإنّ الإيحاء بهذه المشاعر تجاه إدارة «ترامب» هي مسرحية واضحة. وكانت العلاقات مع واشنطن قد وصلت إلى أسوأ حالاتها في الاجتماع الأخير في الرياض في الربيع الماضي، حيث دخل «أوباما» في جدالٍ مثير مع الملك «سلمان»، وفقًا لمصدرين اطّلعا على الاجتماع، مصرًّا على ضرورة فتح السّعودية مزيد من الخطوط الدبلوماسية مع إيران أو أن تقلل من اعتمادها على الأمن والدعم الذين توفرهما الولايات المتّحدة.
رأت الإدارة السّعودية في «هيلاري كلينتون» مرشّحًا أكثر تماشيًا مع مصالحهم وقضاياهم الإقليمية، لكن كان ينتابهم القلق حول إصرارها على مضي المملكة قدمًا في الإصلاح السياسي واحترام حقوق الإنسان، وربّما كانت ستشترط هذين الشرطين للاستمرار في الدعم العسكري والمالي. لكن مع إدارة «ترامب»، لم تعد هذه مشكلة.
وكتب الزميل في معهد المشروع الأمريكي، «أندرو بوين»، في إحدى الصحف هذا الأسبوع: «لقد عبّر السّعوديون عن تفاؤلهم الفعلي تجاه إدارة ترامب وحملة (أمريكا اولًا) وما تنتهجه من سياسة خارجية. ويعدّ خطاب ترامب ضدّ داعش وإيران كالموسيقى في آذانهم».
وتختار حكومة «ترامب» أيضًا أصدقاء قدامى للحكومة السّعودية وحلفائها من دول الخليج. ولقد عمل وزير الدفاع «جيمس ماتيس» مع حكومات الخليج لعقود في الأمور العسكرية، ولدى وزير الخارجية «ريكس تيلرسون» علاقات عميقة مع دول الخليج منذ أيّامه في شركة إكسون موبيل كمدير تنفيذي. وأفادت الأخبار أنّ كلا الرجلين قد وافق على التنازل عن الإصلاح السياسي وتحسين أوضاع حقوق الإنسان كشرط للمساعدات الأمريكية.
وبعد أن أصبحوا أول من يرحب بهم في البيت الأبيض من الزعماء العرب، فقد قاد السّعوديون انقلابًا دبلوماسيًا، وهزموا واحدا من الزعماء المفضّلين لدى «ترامب»، وهو الرئيس المصري «عبد الفتّاح السيسي». كما قلّلوا من قيمة انتقادات «ترامب» حول المساعدات العسكرية للسّعودية.
وخلال الحملة الانتخابية، كرّر «ترامب» انتقاداته ضدّ السّعودية، واحدة من البلاد التي وصفها لأنصاره بالمستغلّين الذين يعتمدون على الحماية الأمريكية دون دفع الحصة العادلة مقابل هذه الحماية.
وفي اجتماع عقد أبريل/نيسان الماضي في ويسكونسن، حدّد «ترامب» بشكلٍ دقيق كيف سيتعامل مع السّعودية في حالة انتخابه رئيسًا.
وقال «ترامب»: «إنّهم ممتلؤون بالمال للخياشيم. الولايات المتّحدة تقدّم لهم الحماية. ولا نحصل على شيء عمليًا. أتدرون لماذا؟ لأنّ قادتنا لا يمتلكون الغريزة التجارية. وإليكم ما سيحدث. سنقول للسّعودية، عليكم أن تساعدونا للخروج من الأزمة. وسيقولون لا. وسنقول لهم وداعًا. بعد يومين سيتّصلون بنا ويقولون، عودوا إلينا سريعًا. وسيدفعون لنا الكثير من المال. أو تعلمون؟ هذا شيء جيّد».
وفي رالي في شهر يونيو/حزيران بلاس فيغاس، أكّد «ترامب» أنّه لولا المساعدة العسكرية الأمريكية، لكان النّظام السّعودي قد انهار منذ وقتٍ طويل، وهو الزعم الذي يروّج له «ترامب» منذ سنوات.
لم يستجب البيت الأبيض للتعليق، لكن لا وجود لمؤشر على أنّ «ترامب» أو أي من مساعديه قد أثار تلك القضية خلال اجتماع الأسبوع الماضي.
ويروّج البيت الأبيض لخطط المملكة لزيادة الاستثمارات الأمريكية، لكن كما هو الحال مع وعود الكثير من القادة الأجانب حول توفير الوظائف للأمريكيين، لا توجد الكثير من التفاصيل. وأفاد الزميل «بريان كاتوليس» بعد مقابلته للأمير «محمد بن سلمان» في الرياض في فبراير/شباط أنّ السّعوديين متحمّسون لعرض حزمة من البرامج الاقتصادية على «ترامب»، لكن لم يبدوا أيّ تفاصيل.
وعلى الجانب الأمني، توصّل البيت الأبيض إلى زيادة التعاون في مكافحة الإرهاب، والتعاون العسكري في اليمن، وزيادة الضغط على إيران. لكن في القضية الشائكة المتمثّلة في تواطؤ المملكة في نشر الإسلام الراديكالي، لم تقل إدارة «ترامب» أيّ شيءٍ على الإطلاق، ووعد السّعوديّون بالشيء نفسه.
في النهاية، لا يلتزم «ترامب» بأيديولوجية سياسية خارجية معينة، ولم يضع أيّ سياسة تحدّد العلاقات الثنائية مع أيّ بلد، إلّا أنّه يريد فقط أن تحصل أمريكا على صفقة جيّدة. وممّا نعرفه عن هذه الزيارة حتّى الآن، حصل السّعوديّون على النّهاية الأفضل للصّفقة هذه المرّة.
واشنطن بوست- ترجمة وتحرير شادي خليفة - الخليج الجديد-