سياسة وأمن » لقاءات

السعوديون ينظرون إلى أبعد من النفط في جولة التودد إلى آسيا

في 2017/03/30

وصفت الجولة الآسيوية للملك «سلمان بن عبد العزيز» بأنّها زيارة روتينية لتعزيز العلاقات التجارية القوية بالفعل بين السّعودية وآسيا. وكمحاولة لتنويع العلاقات بعيدًا عن الولايات المتّحدة، أو كسبيل لجذب الاستثمارات إلى السّعودية والتّرويج لاستثماراتها. والواقع، أنّ تلك الزيارة هي مزيج من كل ذلك. نعم يعدّ النّفط جزءًا هامًّا من القصّة، لكنّه ليس الجزء الوحيد.

وينتهي المطاف بما يقارب ثلثي صادرات النّفط السّعودي في آسيا. ويسري التصوّر في الشّرق الأوسط أنّ الولايات المتّحدة قد صعّبت الأمور في المنطقة كثيرًا خلال السنوات الأخيرة خلال شروعها في نوعٍ من التّقارب مع إيران. ومن خلال بدء اتّفاقات الاستثمار مع ماليزيا وإندونيسيا واليابان والصّين، تأمل السّعودية في الوصول إلى المعاملة بالمثل وفرض وجودها بآسيا. وقد اكتسبت الشّراكة بين المملكة وآسيا أهمّية على مدى العقود الماضية، وقد تعزّزت خلال عام 2016 عندما تجاوزت آسيا الاتّحاد الأوروبي وأصبحت أكبر شريك تجاري مع مجلس التعاون الخليجي.

وتستورد اليابان 83% من احتياجاتها النّفطية من الخليج، مع أكثر من ثلثها من السّعودية. وتتمتّع الدولتان بعلاقات دبلوماسية تاريخية ممتازة ترجع إلى عام 1938 عندما زارت بعثة سعودية اليابان لافتتاح مسجدٍ في طوكيو. وتعدّ سيارة تويوتا لاند كروزر هي الأكثر مبيعًا وأكثر سيارات الدفع الرباعي شهرةً في السّعودية، وطُلبَ من تويوتا مرّة أخرى بدء دراسة جدوى لإنتاج بعض المركبات في البلاد.

البحث عن التكنولوجيا

وبالنّسبة للسّعوديّين، فإنّ اكتساب التكنولوجيا ذات القيمة العالية المضافة أمرٌ هام للغاية. إلى جانب تجميع المركبات التي قد تأخذ وقتًا طويلًا للحصول على قرار بشأنها، وإذا ما وضعت الحوافز المناسبة، فإنّ وجود قطاع للمشاريع الصغيرة والمتوسّطة لإنتاج قطع غيار السيّارات قد يكون بديلًا مقبولًا.

كما دارت الزيارة لليابان أيضًا حول إدراج شركة أرامكو السّعودية في بورصة طوكيو بمجرّد بيع أسهمها للجمهور. ومع منافسة من البورصات الأخرى مثل تلك في نيويورك ولندن وهونغ كونغ وسنغافورة، قد يصبح أكبر طرح عام في العالم موضعا لسباق كبير.

ويعدّ دور الصين وتأثيرها في الأسواق العالمية إغراءً كبيرًا للسّعودية. فهي المستهلك الأكبر في العالم للطاقة وثاني أكبر مستورد للنفط بعد الولايات المتّحدة. ومثل اليابان، ترغب الصين في تأمين مصادرها من الطاقة. ويعطي هذا الفرصة للسّعودية لتعزيز وجودها في سوق آسيا وسط التنافس المتزايد مع روسيا.

وعلى الرغم من أنّ السعودية الآن تصدّر للصين نفطًا أكثر من الولايات المتّحدة، تشتري الصّين الآن نفطًا من روسيا أكثر من السّعودية. وأثناء وجوده في الصين، أشرف الملك «سلمان» على توقيع صفقات محتملة بقيمة 65 مليار دولار في كلّ شيء، من الطاقة إلى الصناعات التحويلية، وحتّى إنشاء متنزه ترفيهي. وعلى الرّغم من أنّ بعض المحلّلين قد قلّلوا من قيمة الرقم، وقالوا أنّه مجرّد لافتة لجذب الانتباه، إلّا أنّه يعطي إشارة إلى تفعيل العلاقة بين البلدين.

والأهمّ من ذلك، أنّ هذه هي المرّة الأولى التي يتمّ فيها تحديد أهداف ثنائية وقنوات مؤسسية محدّدة لكي تتابعها الكيانات الحكومية، الأمر الذي يساعد على تحقيق هذه المشاريع والاتّفاقات. وستتوزّع العديد من تلك الاستثمارات على عدّة سنوات من أجل عدم الضّغط على الموازنة العامّة للدولة واحتياطياتها، الأمر الذي يساعد على بقاء العملة مربوطة. وفي آخر تقريرٍ لها، أكّدت وكالة فيتش للتصنيف الائتماني أنّ الميزانية العمومية للحكومة لا تزال قوية.

مصالح متبادلة

وتجدر الإشارة إلى أنّ الصّين تفكّر بشكلٍ متزايد في الممر التجاري البحري إلى أوروبا. وتعدّ منشآت موانئ الصين استراتيجية جوهرية، تربط بين المحيط الهندي والبحر الأحمر وقناة السويس، وتصل إلى ميناء بيرايوس في اليونان، والذي أصبح بفضل ملّاكه الصّينيّين، واحدا من أكبر وأكفأ الموانئ في أوروبا. وتعتبر الخدمات اللوجيستية جزءًا من خطّة المملكة «رؤية 2030»، حيث تسعى المملكة لتحسية تصنيف خدماتها اللوجستية العالمية إلى المركز رقم 25 بحلول عام 2030 من تصنيفه الحالي عند 52 لعام 2016. وتمرّ أكثر من 10% من التجارة العالمية بالبحر الأحمر سنويًا.

وقادت أعمال المنبع في أرامكو السّعودية، والتي تشير إلى أعمال تكرير النفط الخام، الطريق في إندونيسيا وماليزيا. وعلى خلاف اليابان والصين، كانت الزيارة إلى إندونيسيا هي الأولى لملكٍ سعودي خلال 47 عامًا. وقد تمّ التوقيع على صفقة بقيمة 6 مليار دولار بين أرامكو وبيرتامينا لتوسيع مصافي تكرير النفط الإندونيسية. وفي ماليزيا، تمّ الانتهاء من صفقة بقيمة 7 مليار دولار مع شركة بترواليم ناسيونال المملوكة للدولة لتطوير مصفاة لتكرير النفط وتزويدها بـ 70% من احتياجاتها النفطية، فيما اعتبر الاستثمار الأكبر لأرامكو السّعودية خارج المملكة.

وكل هذا لا يعني تجاهل السّعودية لتحالفاتها القديمة. ففي حين كان يزور الملك «سلمان» الصين، غادر ولي ولي العهد الأمير «محمد بن سلمان» المملكة في زيارة قصيرة لمقابلة الرئيس «دونالد ترامب». وتمّ الإعلان عن استثمارات بقيمة 200 مليار دولار في الأربع سنوات القادمة خلال بيان من قبل البيت الأبيض، وتركّزت تلك الاستثمارات في مجالات الطاقة والصناعة والبنية التحتية والتكنولوجيا. وبالنّسبة للسّعودية، فإنّ كلًّا من الولايات المتّحدة وآسيا تجلبان أوراقًا فريدة إلى الطاولة قد تساعد في تنويع خيارات المملكة الدبلوماسية الاقتصادية.

بلومبيرع- ترجمة وتحرير شادي خليفة - الخليج الجديد-