سياسة وأمن » لقاءات

قطر و"الناتو".. اتفاقيتان لتعزيز الأمن ورسالة لدول الحصار

في 2018/03/09

وكالات-

لم تكن قطر، التي برزت بشكل لافت على الساحات الدولية في السنوات القليلة الماضية من خلال نشاطات وتحرّكات مختلفة، غافلة عن وجود ما يهدد أمنها ويزعزع استقرارها الاقتصادي والاجتماعي والسياسي الآخذ في الصعود، وهو ما دعاها لعقد اتفاقيات تعاون للدفاع عن وجودها، عملت على تعزيزها.

فقد كانت النجاحات التي حققتها قطر دولياً بارزة ومؤثرة، لا سيما ظهور تأثيرها القوي في الوساطات الدولية، وتبنّيها نشاطات إنسانية داعمة لشعوب متضرّرة، وتأسيسها مشاريع اقتصادية في الخارج لدعم اقتصادها الداخلي، فضلاً عن نجاحها رياضياً من خلال استضافة العديد من الفعاليات الرياضية الدولية، التي أثارت إعجاب دول العالم وكبار الشخصيات الرياضية.

وواصلت قطر السير نحو أهداف رسمتها بدقة تجعلها تقف بين كبار دول العالم، خاصة مواصلتها بناء مشاريع كأس العالم 2022، والتي كان لها الفضل الكبير في أن تستضيف المنطقة العربية والشرق الأوسط هذا الحدث العالمي، لأول مرة في تاريخها.

وترى قطر أن إنجازاتها تلك تتعرّض لتهديد كبير، وأن رؤيتها لمستقبل أكثر ازدهاراً قد لا تتحقق إن لم تمسك القوة بيد أخرى، تدافع بها عما أنجزت ورؤيتها المستقبلية، وهذا ما دعاها لعقد اتفاقيات تعاون عسكري إلى جانب سلسلة من اتفاقات العلاقات الاستراتيجية، بحسب مراقبين.

وفي ظل هذه الرؤية القطرية، أعلن أمير قطر، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، الأربعاء (7 مارس)، تدشين استراتيجية عسكرية بين بلاده وحلف شمال الأطلسي "ناتو"، لترسيخ الأمن والسلم في الشرق الأوسط.

وقال أمير قطر مُعلِّقاً على الاتفاقية على حسابه بـ"تويتر": إنها "ستعزّز جهود قطر والحلف في التعامل مع التحديات الأمنية التي تواجه عالمنا".

وسبق هذه الاتفاقية، اتفاقية أخرى وقّعتها قطر و"الناتو"، الأربعاء (17 يناير 2018)، للتعاون الأمني، جاءت في وقت حسّاس وشكّلت ضربة لجهود دول الحصار لعزل قطر وتشويه صورتها، فضلاً عن تعاون عسكري مع تركيا، مكّن من نشر قوات عسكرية تركية في البلاد، منذ بدء الأزمة الخليجية في يونيو 2017.

- أهمية "الناتو"

يعتبر حلف شمال الأطلسي قوة دولية عظمى تتكوّن من 28 دولة؛ هي: أمريكا، وفرنسا، والدنمارك، وبلجيكا، وآيسلندا، وكندا، وهولندا، وإيطاليا، والنرويج، ولوكسمبورغ، وإنجلترا، والبرتغال، وتركيا، واليونان، وألمانيا، وإسبانيا، والمجر، والتشيك، وبولندا، وإستونيا، ولتوانيا، وبلغاريا، ولاتفيا، وسلوفاكيا، ورومانيا، وسلوفينيا، وألبانيا، وكرواتيا.

والهدف المعلن للحلف يتمثّل في العمل على حماية حرية وأمن أعضائه من خلال الوسائل السياسية والعسكرية.

وتتمثّل الوسائل السياسية في "دعم القيم الديمقراطية، ويشجّع التشاور والتعاون في قضايا الدفاع والأمن لبناء الثقة ومنع الصراع على المدى الطويل"، بحسب ما يقوله الحلف.

في حين تتمثّل الوسائل العسكرية في "امتلاك الحلف القدرة العسكرية اللازمة لخوض عمليات إدارة الأزمات. ويتم تنفيذ هذه العمليات بموجب المادة رقم 5 من معاهدة واشنطن، أو بتفويض من الأمم المتحدة، في إطار منفرد أو بالتعاون مع دول ومنظمات دولية أخرى"، وذلك في حال فشل الجهود الدبلوماسية السلمية.

ويلتزم الحلف بمبدأ الدفاع الجماعي؛ ومعناه أن أي اعتداء على دولة أو أكثر من دول الحلف يعتبر اعتداءً على جميع أعضاء الحلف، وقد تم العمل بهذا المبدأ مرة وحيدة؛ بعد تعرّض الولايات المتحدة لهجمات الحادي عشر من سبتمبر.

- تدخّلات الحلف في العالم

تدخّل "الناتو" في عدد من دول العالم، فارضاً قوته العسكرية ووجوده كقوة مؤثّرة في العالم، كان ذلك بأفغانستان وكوسوفو والعراق وليبيا والبوسنة والهرسك.

ومنذ عام 2003، أصبح لـ"الناتو" الحق في مراقبة البحر المتوسط، وتفتيش أي سفن مشتبه فيها بعد موافقة قائد السفينة وطبقاً للقوانين الدولية.

وفي 2009، شنّ الناتو عملية "درع المحيط" بهدف مكافحة عمليات القرصنة في منطقة القرن الأفريقي؛ بعد تنامي عمليات خطف السفن وطلب الفدية قبالة سواحل الصومال. ومنذ 2007، يقوم بمساعدة الاتحاد الأفريقي في نشر السلام بالقارة الأفريقية.

- أهمية الاتفاقات

لدول الخليج العربي علاقة بحلف الناتو، ترتكز على "مبادرة إسطنبول للتعاون"، التي يعود تاريخها إلى يونيو عام 2004، وتهدف إلى المساهمة في الأمن على المدى الطويل، سواء على المستوى العالمي أو الإقليمي، من خلال عرض تعاون عملي في مجال الأمن.

في حين يأتي توقيع الاتفاقيتين بين قطر وحلف شمال الأطلسي بالوقت الذي تعدَّت فيه الأزمة الخليجية شهرها العاشر على التوالي، بمقاطعة كل من السعودية والإمارات والبحرين ومصر للدوحة، وفرض حصار عليها، وهو ما تعتبره قطر محاولة للسيطرة على سيادتها وقرارها الوطني.

وليس من سبب آخر، سوى تهديد دول الحصار، يدعو الدوحة لتوفير غطاء حماية دولي، بحسب ما يذهب إليه الكاتب والمحلل السياسي القطري، جابر الحرمي، الذي يرى أن توقيع الاتفاقية يؤكد ثقة هذا المجتمع الدولي بقطر.

الحرمي قال في حديث سابق لـ"الخليج أونلاين"، إن وجود تعاون بين الدوحة و"الناتو"، "تأكيد لشفافية قطر، ومن جانب آخر يؤكّد مكانتها وحضورها ومصداقيتها في المجتمع الدولي".

وبحسب رأيه، يشير المحلل السياسي القطري إلى أنه "برغم كل الادعاءات من قِبل دول الحصار، التي حاولت إلصاق تهمة الإرهاب بقطر، فإن دول العالم اليوم تتسابق لكي تُبرم اتفاقيات وتتعاون مع قطر، وتقوم بزيارات للدوحة، ضاربةً بعرض الحائط كل الادعاءات التي تقدّمت بها دول الحصار"، مستطرداً بالقول: إن "هذا دليل واضح على أن هذه الدول تكنّ كل الاحترام لقطر، وتوليها التقدير والأهمية في منطقة الخليج والشرق الأوسط".

الحرمي يؤكد أن تعرّض قطر لـ"تهديدات حقيقية عسكرية" هو ما أجبرها على أن تحصّن نفسها عسكرياً، مشيراً إلى أن هذه التهديدات "أعلن عنها (أمير الكويت)، الشيخ صباح الأحمد، في المؤتمر الشهير بواشنطن مع الرئيس الأمريكي، عندما قال: إن الوساطة الكويتية استطاعت أن تحبط عملاً عسكرياً ضد قطر".

وكان أمير الكويت، الذي يؤدّي دور الوساطة بين قطر ودول الحصار، منذ اندلاع الأزمة في يونيو 2017، كشف خلال مؤتمر صحفي عُقد في 7 سبتمبر 2017، بواشنطن، مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، عن نجاح الوساطة الكويتية في وقف تدخّل عسكري عقب اندلاع الأزمة الخليجية، وقال إن الخيار العسكري مستبعد حالياً.

جابر الحرمي وصف محاولة "العمل العسكري" التي كشف عنها أمير الكويت، بأنها "مغامرة مجنونة"، مؤكداً أن بلاده "لديها القدرة على الدفاع عن نفسها".

وبحسب ما أوضحه الحرمي، فإن التاريخ يسجّل وجود مخطط لمحاولة الانقلاب على الحكم في قطر من قِبل دول الحصار، مشيراً إلى أن بلاده "لم تتعرّض لتهديد واستفزاز خلال السنوات الأخيرة إلا من قِبل دول الحصار".

التهديد الذي يتحدّث عنه الحرمي هو قديم متجدّد، وفق تعبيره، مبيّناً أن هذا التهديد حصل "في الأزمات السابقة؛ سواء في عام 1996 عندما كانت هناك محاولة انقلابية تعتزم الدول الثلاث، السعودية والإمارات والبحرين، بدعم من مصر، تغيير نظام الحكم في قطر، بالإضافة إلى تهديدات في أعوام 2013 و2014، وغيرها من فترات التأزيم التي كانت تختلقها هذه الدول".

وخلص إلى القول: إن "قطر تعي جيداً أن هناك تهديدات تتعرّض لها من قِبل هذه الأطراف".