سياسة وأمن » لقاءات

السعودية في «جولة تسوق» من أجل حلمها النووي

في 2018/03/21

ستراتفور- ترجمة شادي خليفة -

لم يتردد ولي عهد المملكة العربية السعودية في تصريحه حول امتلاك الأسلحة النووية، قائلا: «من دون شك، إذا طورت إيران قنبلة نووية، فسوف نتبعها في أقرب وقت ممكن».

وجاء تصريح «محمد بن سلمان» في مقابلة مع برنامج «60 دقيقة» تم بثها قبل أيام فقط، وبعد موافقة مجلس الوزراء السعودي على سياسة الطاقة النووية في البلاد، والتي توضح جليا نية الرياض بتطوير أنشطتها النووية للأغراض السلمية.

كما تأتي في خضم زيارة ولي العهد للولايات المتحدة، وكذلك المفاوضات بين واشنطن والرياض، التي يأمل «بن سلمان» أن تسمح لشركات الولايات المتحدة بمساعدة المملكة الصحراوية في تحقيق طموحاتها للطاقة النووية.

لكن المملكة تأمل في الحصول على الحق في تخصيب الوقود وإعادة معالجته في أي اتفاق مع الولايات المتحدة، على الرغم من أن واشنطن تتجنب عادة تكريس هذه الميزة في الاتفاقات النووية مع الدول الأخرى، مثل الإمارات وتايوان، خاصة أنها قد تسمح بعد ذلك ببدء برامج للأسلحة النووية.

ومع زيارة ولي العهد للولايات المتحدة هذا الأسبوع، من الطبيعي أن يقدم بيانه القليل لتهدئة المخاوف بشأن طموحات المملكة طويلة الأمد في تطوير أسلحة نووية، غير أن «بن سلمان» يأمل في أن تساعد علاقته الوثيقة مع البيت الأبيض الحالي الرياض في الحصول على اتفاق نووي مميز لتنمية الطاقة.

لكن رفض واشنطن لعب هذا الدور سيكون مخاطرة كبيرة، لأن الرياض لديها خيار تسيير أعمالها في أماكن أخرى، بما في ذلك دول مثل روسيا، التي لديها ضوابط أقل صرامة على التخصيب وإعادة المعالجة.

وفي توقعات الربع الثاني لعام 2018 من «ستراتفور»، قلنا إن المملكة ستحاول الاستفادة من علاقتها مع واشنطن، واستمرار المخاوف بشأن الاتفاق النووي الإيراني، لضمان التوصل إلى اتفاق مع الولايات المتحدة يسمح للمملكة بتخصيب اليورانيوم في الداخل، غير أن ولي العهد الأمير «محمد بن سلمان» ذهب إلى أبعد من ذلك، مشيرا إلى أن الرياض سوف تدفع باتجاه تطوير سلاح نووي إذا فعلت طهران ذلك.

حاجة الرياض إلى الطاقة النووية

وهناك شاغلان رئيسيان يدفعان سعي المملكة إلى برنامج نووي، ألا وهما الطاقة والأمن.

وقد تجلس الرياض على قمة أكبر مخزون من احتياطيات النفط في العالم، لكن البلاد تعاني من مشكلة في الطاقة.

وقبل انهيار أسعار النفط في عام 2014، اعتادت المملكة على الاعتماد على إمدادات النفط المحلية لدعم الكهرباء وتحلية المياه الرخيصة خلال أشهر الصيف الحارة.

وفي الماضي، استهلكت المملكة أكثر من مليون برميل من النفط يوميا لتوليد الطاقة خلال الذروات الموسمية، وفي محاولة للتنويع، استهدفت البلاد تطوير الطاقة النووية والطاقة المتجددة وموارد الغاز الطبيعي الخاصة بها، حتى يمكنها، مثل معظم دول العالم، التوقف عن حرق النفط الخام لتوليد الكهرباء وتحلية المياه.

وتسعى الرياض إلى بناء 16 مفاعلا نوويا بطاقة 17.6 غيغاوات بحلول عام 2032، ولا تعد تلك الخطط الطموحة جديدة، ففي عام 2009، أصدر الملك «عبدالله» مرسوما ملكيا أعلن فيه عن عزم المملكة تطوير قدراتها في مجال الطاقة النووية، وبعد عامين، كشف النقاب عن خطط للمفاعلات الـ16، لكن البلد كافحت من أجل تسريع البرنامج.

ومع ذلك، مع وجود الكثير من الزخم السياسي والتمويل المدعوم من الدولة وراء «رؤية 2030»، وهي خطة الرياض الطموحة لتقليل اعتماد البلاد على النفط وتنويع الاقتصاد، عاد الأمل في التقدم سريعا في البرنامج.

وقد حددت الرياض بالفعل موقعين، هما «أم حويد» و«خور الدويحين»، كموقعين محتملين لمفاعلها الأول، بالإضافة إلى 17 موقعا آخر للنظر فيها مستقبلا.

وفي ديسمبر/كانون الأول عام 2017، بدأت المملكة في إرسال رسائل إلى الشركات العالمية مثل «ويستنغهاوس» في الولايات المتحدة، لقياس اهتمامها في تقديم عرض، ووفقا للجدول الحالي، تخطط الرياض للتأهيل المسبق للشركات بحلول نهاية مايو/آيار، ومنح العقود بحلول نهاية عام 2018.

وبحلول العام المقبل، يأمل المسؤولون السعوديون في مدينة الملك عبدالله للطاقة الذرية والمتجددة، التي تشرف على محفظة تطوير الطاقة النووية، البدء في توقيع مشاريع مشتركة مع الشركاء الدوليين.

ومن المتوقع أن تكون المنافسة شرسة بين شركات تطوير الطاقة النووية لتوقيع اتفاق مع الرياض.

وباعتبارها واحدة من القوى المالية القليلة التي ترغب في بناء مفاعلات نووية، من المتوقع أن تجذب المملكة الكثير من الاهتمام من قبل المقاولين الأجانب، خاصة أنهم عانوا في أسواق راسخة مثل اليابان.

وقد وقعت المملكة بالفعل اتفاقية تعاون في مجال الطاقة النووية مع روسيا، على الرغم من أن شركة «ويستنغهاوس»، وكذلك الشركات الفرنسية والصينية والكورية الجنوبية، من المتوقع أن تشارك في البناء.

مواكبة إيران

ومن بين جميع المزودين المحتملين للطاقة النووية إلى المملكة العربية السعودية، كان لدى الولايات المتحدة تاريخ من الضوابط الصارمة على تصدير التكنولوجيا.

ونتيجة لذلك، من المرجح أن تدفع واشنطن الرياض للتخلي عن مسعاها لإثراء الوقود النووي وإعادة معالجته، خشية أن تطور أسلحة نووية خاصة بها في المستقبل.

ومع ذلك، فقد أبلغت المملكة باستمرار الولايات المتحدة بأنها لا تنوي التخلي عن هذه الأهداف لإجراء التخصيب (على عكس أبوظبي، التي ذكرت منذ البداية أنها لا تطلب السيطرة على دورة الوقود).

إذا أسقطت المملكة مطالبها للمشاركة في التخصيب، فإنها قد تصبح معتمدة تماما على مزودي الوقود النووي الأجانب، الأمر الذي قد يشكل عبئا استراتيجيا إذا توترت العلاقات مع الدول الموردة، وفي الوقت نفسه، يمكن للمملكة توليد النمو الاقتصادي والوظائف عن طريق تحقيق الاكتفاء الذاتي من الوقود.

لكن في نهاية المطاف، يؤكد التهديد المتصور لإيران المسلحة نوويا مخاوف الرياض الأمنية، ويجبر القادة السعوديين على اتباع سياسة دفاعية قوية واسعة النطاق تشمل مطالب بحق التخصيب، وإذا لزم الأمر، الحق في تطوير أسلحة نووية، حتى إن كانت البلاد من الدول الموقعة على معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية منذ عقود.

وإذا كانت إيران ستطور سلاحا نوويا، فقد تتمكن المملكة من الحصول على الأمان والردع تحت مظلة الولايات المتحدة النووية، لكن حماية المصادر الخارجية لواشنطن تشكل مخاطر على الرياض، خاصة إذا ظهرت توترات في علاقاتهما، كما حدث أثناء إدارة الرئيس الأمريكي «باراك أوباما».

ويمكن للمملكة أن تجد نفسها في حالة من الخطر إذا نجحت إيران المسلحة نوويا في تطبيع علاقاتها مع الغرب، وفي مثل هذا السيناريو، قد يقلل تناقص احتياطي النفط السعودي - وسط نمو بدائل الطاقة- من أهمية الرياض في عيون الولايات المتحدة، ما يزيد من عزلة المملكة.

وعليه، فإن المملكة ليست في وضع يسمح لها بالتفاوض على حقها في معالجة الوقود النووي الخاص بها، حتى لو كانت تنوي تطوير أسلحة نووية كجزء من أهدافها على المدى القصير والمتوسط.

وبينما يوجد فرق كبير بين برنامج الأسلحة النووية، وبرنامج الطاقة النووية المدنية، فإنهما يشتركان في بعض العمليات نفسها، مثل تخصيب اليورانيوم بدرجات متفاوتة، وتستخدم بعض البلدان برنامجا مدنيا للطاقة النووية لإخفاء أبحاث وإنتاج اليورانيوم عالي التخصيب، اللازم لصنع سلاح نووي، وهي الاتهامات التي توجه إلى إيران.

 

ولتصحيح هذه المعضلة، قد توقع المملكة على البروتوكول الإضافي مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، حيث وافقت إيران مؤقتا على القيام بذلك كجزء من خطة العمل المشتركة الشاملة (الاتفاق النووي الإيراني).

ولا يمنع البروتوكول الإضافي الدول من تخصيب اليورانيوم محليا، بل يمنح الوكالة الدولية للطاقة الذرية مزيدا من الرقابة والسلطة لإجراء عمليات التفتيش، لمنع أي شخص من تطوير سلاح نووي.

ومع السماح لإيران بالاحتفاظ بالسيطرة على بعض عمليات التخصيب مقابل إجراء مزيد من عمليات التفتيش، فإن المملكة حريصة على التوصل إلى اتفاق مماثل، وكجزء من خطة العمل المشتركة الشاملة، لا تستطيع إيران تخصيب اليورانيوم إلا بمستويات 3.67% من اليورانيوم 235، وهو أقل بكثير مما هو مطلوب لصنع سلاح نووي، ويجب أن تحتفظ بمخزونها من اليورانيوم المخصب عند 300 كيلوجرام أو أقل.

ولكن لأن هذا البند سينتهي في عام 2031 (وهو التاريخ الذي يسعى الرئيس الأمريكي «دونالد ترامب» لتمديده بدعم الاتحاد الأوروبي)، فإن الرياض تهدف إلى الوصول إلى برنامج نووي مدني تشارك فيه في تخصيب اليورانيوم وإعادة معالجته، وهو أمر قد يكون مفيدا إذا طورت إيران الأسلحة النووية فجأة في العقدين المقبلين.

معضلة الكونغرس

وفي الوقت الذي ترغب فيه إدارة «ترامب» والمملكة في النهاية في التوصل إلى اتفاق حول الطاقة النووية، لا يزال هناك العديد من التحديات.

وقبل أن تتمكن أي شركة أمريكية من نقل أي تكنولوجيا أو معدات لمساعدة المملكة في تطوير ملفها النووي، يجب على واشنطن والرياض توقيع «اتفاقية 123»، التي سميت بذلك تيمنا بالبند 123 من قانون الولايات المتحدة للطاقة الذرية، والذي ينص على أن نقل التكنولوجيا الأمريكية يكون فقط لاستخدامات تطوير إنتاج الطاقة.

لكن بإصرارها على الاحتفاظ بحقها في تخصيب اليورانيوم ومعالجته، تطالب المملكة بتعديل على اتفاقية 123، الأمر الذي يتطلب موافقة الكونغرس الأمريكي.

ويمكن للسعودية تهدئة مخاوف الكونغرس بالوعد بإبقاء التخصيب عند خط الأساس المنخفض، والموافقة على البروتوكول الإضافي للتمكين من إجراء عملية تفتيش أكثر تدخلا.

وعند اتخاذ أي قرار بشأن اتفاق 123، فإن الكونغرس سوف يوازن بين المخاطر طويلة المدى التي قد تنتج عن استخدام المملكة للتكنولوجيا النووية المتقدمة لتطوير سلاح نووي في يوم من الأيام، لتحقيق أهداف تتباعد عن الأهداف الاستراتيجية الأمريكية في المنطقة.

ويشترك في مثل هذه المخاوف حلفاء أمريكيون آخرون مثل (إسرائيل)، التي لا توافق على امتلاك المملكة القدرة على تطوير برنامج للأسلحة النووية، على الرغم من أن البلدين يعتبران إيران عدوا أكيدا، وبعد كل شيء، تتذكر الولايات المتحدة و(إسرائيل) كيف تحولت إيران بسرعة من صديق إلى عدو، عندما خضعت لثورة عام 1979.

لكن إذا أصبحت المملكة مستاءة من بطء وتيرة المفاوضات مع الولايات المتحدة، أو إذا فشل الكونغرس في إيجاد حل يتناسب مع المطالب السعودية، فقد تتغلب الرياض على ذلك باللجوء لقوى نووية أخرى للحصول على المساعدة في تطوير برنامجها النووي.

وتعد إحدى هذه الوجهات هي روسيا، التي حققت بالفعل نجاحات في الشرق الأوسط في أماكن مثل مصر وتركيا، حيث تقوم ببناء محطات نووية، وفي الوقت نفسه، حتى إذا قامت المملكة بتوطيد التعاون مع حلفاء الولايات المتحدة، مثل كوريا الجنوبية أو فرنسا، فإن واشنطن ستفقد الروافع المالية والأمنية المحتملة إذا لم تنجح في أن تصبح شريك الرياض الرئيسي في القطاع النووي.

ومع وصول «بن سلمان» إلى الولايات المتحدة، ستخضع قدرة واشنطن الدقيقة على مناقشة مثل هذه الصفقة وتجاوز مخاوفها الرئيسية للاختبار، وتود الولايات المتحدة مساعدة المملكة في تنوعها الاقتصادي وتنويع الطاقة، مع الحفاظ على النفوذ على البلاد والحد من قدرتها على تطوير سلاح نووي.

وفي هذا الصدد، من المرجح أن تدفع الولايات المتحدة السعودية إلى تقديم بعض التنازلات، لكن إذا طالبت بالكثير، فقد تدفع واشنطن الرياض فقط إلى أحضان الآخرين، الذين قد يمنحون السعودية سيطرة أكبر على التخصيب وإعادة المعالجة.

ومع ذلك، يبدو أن «بن سلمان» يستعد للاستفادة من موقف الإدارة الحالي المناهض لإيران والمؤيد للسعودية، من أجل ضمان التوصل إلى اتفاق نووي لم يكن من الممكن أن يصبح ممكنا في عهد سلف «ترامب».

ومن خلال كل ذلك، فإن إيران، وبقية العالم، سوف يراقبون الموقف عن كثب.