سياسة وأمن » لقاءات

السعودية وألمانيا.. 6 أسباب صنعت التوتر وأججت الخلاف منذ 2015

في 2018/05/28

وكلات-

أخيرا بدأت وسائل الإعلام الألمانية تتحدث علانية عن «قرار رسمي سعودي بمعاقبة برلين تجاريا»، بعد أن ظلت الأمور تسير بوتيرة مكتومة بين الجانبين، ومثل عدم النفي السعودي لما أوردته الدوائر الإعلامية في ألمانيا دليلا إضافيا على أن الرياض قررت التصعيد، كرد على ما تراه استفزازات ألمانية متوالية، المشكلة هنا أن برلين ترى أنها تسير على خط واضح، وأن تحركها استراتيجي في المنطقة.

التعقيدات في منطقة الشرق الأوسط، والخليج على وجه الخصوص، تزايدت بشكل مخيف، لدرجة تحولت معها المنطقة حاليا إلى ملعب للنفوذ والنفوذ المضاد بين الولايات المتحدة وأوروبا، الأولى تريد بإدارتها الجديدة صياغة وضع متصلب يضع دول الخليج داخل السلة الأمريكية مقابل الحماية من التهديدات، أما الأخيرة فترى أن تحركات الأولى تشعل المنطقة وقد تتسبب في حرب إقليمية، لذلك لا تتردد في التصعيد ضد الأطراف الخليجية التي تراها شريكة في هذا الحراك.

المواجهة السعودية الألمانية ليست وليدة اليوم، أو حتى أسابيع أو شهور قليلة، لكن نستطيع أن نقول أنها بدأت منذ ثلاثة سنوات تقريبا، أي في عام 2015، ويمكن القول بأن المواجهة بين برلين والرياض تركزت حول ملفي حقوق الإنسان، وتحرك الرياض المتسارع إقليميا ودوليا بشكل اعتبرته برلين يحمل خطرا على المنطقة، بل والعالم.

مجلة «دير شبيغل» الألمانية نشرت تقريرا، منذ ساعات، أشارت فيه إلى أن ولي العهد السعودي «محمد بن سلمان» يقود شخصيا الحرب التجارية على ألمانيا حاليا، قائلة إنه أصدر أمرا داخليا للوزارت والهيئات الحكومية بعدم منح أي عقود تجارية للشركات الألمانية، واستبعادها من المناقصات الحكومية.

قد لا يستطيع «بن سلمان» أن ينسى بسهولة التقرير (العلني على غير العادة) الذي أصدره جهاز المخابرات الاتحادية الألماني «بي. إن. دي»، في ديسمبر/كانون الأول 2015، والذي اعتبر فيه أن استحواذ الأمير الشاب (الذي كان لا يزال حينها وليا لولي العهد) يشكل خطرا على السعودية، وأن تحركاته (الإصلاحية) تثير غضب الشعب والأمراء في المملكة، وكذلك ستتسبب في تدهور العلاقات بين السعودية والدول الصديقة والحليفة بالمنطقة.

ويمكن إجمال محاور المواجهة السعودية الألمانية حاليا في سبعة أركان مثلت الأسباب الرئيسية للأزمة..

1- أوضاع حقوق الإنسان في المملكة: خلال زيارة المستشارة الألمانية «أنغيلا ميركل» الأخيرة إلى السعودية، نهاية أبريل/نيسان 2017، تحدثت علانية عن «قصور في ملف حقوق الإنسان بالمملكة»، وذلك في حضور الملك «سلمان» الذي كان يجلس بجانبها.

أيضا شنت وسائل إعلام ألمانية ومنظمات هجوما متكررا ضد السعودية، على خلفية قضية المدون «رائف بدوي»، والذي حكمت عليه المملكة بالسجن والجلد، وعندما قبل بطل كرة القدم الألمانية «بايرن ميونخ» لعب مباراة ودية مع فريق الهلال السعودي في يناير/كانون الثاني 2015، تعرض لهجوم كاسح من الإعلام الألماني، والذي اعتبر أن «بايرن ميونخ» خان الديمقراطية الألمانية عندما قبل اللعب في السعودية.

الهجوم دفع النادي الألماني إلى إصدار بيان اعترف فيه أن خوضه تلك المباراة كان «خطأ لا ينبغي ارتكابه».

لا يجب أن ننسى أيضا مؤسسة «دويتشه فيله» الممولة من الحكومة الألمانية منحت جائزة حرية الرأي والتعبير لـ«رائف بدوي»، وهو في محبسه بالمملكة، مما اعتبرته الرياض استفزازا ألمانيا.

2- معارضة ألمانيا لحرب اليمن: يعد هذا من أبرز أسباب الخلاف بين برلين والرياض، فـ«ميركل» أيضا عبرت، خلال زيارتها إلى السعودية، عن رغبتها في وقف الغارات الجوية السعودية على اليمن، قائلة «إنه يجب الحيلولة دون تعرض المزيد من الأشخاص في اليمن الفقير للعيش في وضع إنساني سيئ للغاية».

يأتي بعد ذلك تصريح وزير الخارجية الألماني السابق «زيغمار غابريل»، والذي تسبب في قرار السعودية بسحب سفيرها من برلين، والذي اعتبر أن «منهجية السعودية في الإقليم باتت قائمة على روح مغامرة لن تكون مقبولة لدى أوروبا»، وعدد من ضمن أركان تلك المنهجية طريقة المملكة في اليمن، والتي سببت أزمة إنسانية طاحنة، على حد قوله.

ومنذ بداية الحرب في اليمن، شهدت ألمانيا حملات شعبية تجاوبت معها الحكومة تطالب بمنع تصدير السلاح الألماني إلى السعودية.

وأظهر استطلاع رأي أجراه معهد «إمنيد» ونشرته صحيفة بيلد أن 60% من الألمان يعتبرون أنه يتوجب على برلين عدم مواصلة علاقاتها التجارية مع الرياض «بسبب انتهاكات حقوق الإنسان»؛ بينما تصل نسبة الشريحة التي ترفض تزويد السعودية بالسلاح إلى 78%.

نعود أيضا إلى زيارة «ميركل» إلى السعودية، وتصريحها هناك بأن «ألمانيا لديها لوائح صارمة فيما يتعلق بتصدير الأسلحة»، وبالفعل تشير الأرقام إلى تراجع كبير في مبيعات السلاح الألماني إلى السعودية، منذ 2015.

وفي سبتمبر/أيلول 2017، أعلنت شركة صناعة الأسلحة الألمانية «هكلر آند كوخ» وقف تصدير الأسلحة الألمانية لعدد من الدول على رأسها السعودية، إذ وصفت السعودية بأنها دولة «تشهد حروبا أو فسادا».

وقد تسببت هذه القرارات في غضب سعودي، حيث تعد المملكة ثالث أكبر زبون لاقتناء الأسلحة من ألمانيا، وتُشكل أجهزة سلاح الجو 90% من صادرات ألمانيا من السلاح للسعودية، والتي تشمل قطع غيار مقاتلات، وطائرات هليكوبتر، وطائرات، وتجهيزات التزود بالوقود جوا، بالإضافة إلى زوارق الاستطلاع والعربات البرية المصفحة، والطائرات بدون طيار.

3- رفض ألمانيا للأزمة الخليجية وانحيازها النسبي لقطر: لا ينسى أحد تصريحات وزير الخارجية الألماني المتكررة، والمطالبة برفع الحصار عن قطر وتأكيد معارضة برلين له، بل واعتبار أن هذا الحصار يؤثر في اقتصاد بلاده، علاوة على استضافة برلين أمير قطر «تميم بن حمد آل ثاني» بحفاوة بالغة، أثارت استفزاز السعوديين، وكذلك وزير الخارجية القطري الذي زار ألمانيا عدة مرات.

وتبلغ قيمة الاستثمارات القطرية في ألمانيا نحو 25 مليار دولار، كلها في شركات ألمانية كبرى، بينما تبلغ قيمة مشروعات ألمانيا في قطر 20 مليون دولار، أبرزها يتعلق بتأسيس البنية التحتية اللازمة لاستضافة الدوحة مونديال 2022.

4- رفض ألمانيا احتجاز رئيس الوزراء اللبناني «سعد الحريري» في السعودية: كان هذا التطور أيضا فارقا في العلاقة بين الرياض وبرلين، فالأخيرة تحركت بعنف لإنهاء هذا الأمر، وقادت تحركات -مع فرنسا- للضغط على السعودية لإطلاق سراح «الحريري»، والذي تراجع عن استقالته من منصبه والتي أعلنها من الرياض، بمجرد عودته إلى بلاده، مما شكل إحراجا للمملكة.

أيضا حضرت تلك الأزمة في تصريحات وزير الخارجية الألماني المفجر لأزمة استدعاء السعودية لسفيرها في برلين، والذي اعتبر أن السعودية حاولت أن تجعل من لبنان «بيدقا» لها في الصراع مع إيران.

5- رفض ألمانيا المساس بالاتفاق النووي مع إيران: هذا التطور جعل السعودية تنظر إلى ألمانيا على اعتبار أنها داعمة لعدوها اللدود، إيران.

ومن المعروف أن برلين كانت ولا تزال من أشد المتمسكين بالاتفاق النووي الموقع مع إيران في 2015، ورفضت مؤخرا القرار الأمريكي بالانسحاب من الاتفاقية، وكان ذروة التحرك هو الإعلان الألماني الصيني المشترك عن التمسك بالاتفاق، وذلك بعد لقاء مشترك بين المستشارة الألمانية «أنغيلا ميركل» ورئيس الوزراء الصيني «لي كه تشيانغ»، الخميس الماضي.

6- احتضان ألمانيا الأمير السعودي المنشق «خالد بن فرحان»: يمثل هذا السبب أحد أبرز أبعاد التوتر بين الرياض وبرلين.

و«خالد بن فرحان» سبق له التعرض للتمييز والاضطهاد على خلفية مطالبته بالحرية داخل المملكة، ما أدى به عام 2013 إلى الانشقاق عن الأسرة الحاكمة، والحصول على حق اللجوء السياسي في ألمانيا.

وظهر «خالد» في أكثر من وسيلة إعلام ألمانية رسمية، أتاحت له المساحة للحديث عن الخلافات بين آل سعود، وأبرزت انتقاداته نحو المملكة.

يبقى الإشارة إلى أن السبب الأكبر للخلاف السعودي الألماني حاليا هو سياسات وتحركات ولي العهد السعودي «محمد بن سلمان»، وهو ما ظهر في الحملات الإعلامية الألمانية التي استهدفته بالهجوم والنقد بلغة عنيفة.

ما يبرهن على ذلك، هو أن العلاقات بين ألمانيا والملك السعودي الراحل «عبدالله بن عبدالعزيز» كانت متقاربة للغاية، ، واعتاد الملك «عبدالله» أن تكون ألمانيا إحدى محطاته الخارجية التي يزورها دائما، وينسق معها بشأن تطورات الوضع في فلسطين وعملية السلام في الشرق الأوسط.

وكانت المستشارة الألمانية «ميركل» تبادل الملك الراحل التقدير، حيث كانت تصفه بـ«رجل الشرق الأوسط القادر على ضبط الأوضاع في المملكة والمنطقة».

ويبدو ولي العهد السعودي واثقا من تعويض الغياب الألماني بالرضا الأمريكي، لكن السؤال حقا.. هل سيستطيع؟