سياسة وأمن » لقاءات

هل تنجح قمة المصالحة الخليجية في كامب ديفيد؟

في 2018/08/24

غريغوري أفتانديليان- لوب لوج- ترجمة شادي خليفة -

بعد محاولات متقطعة، لكن غير ناجحة، من قبل واشنطن منذ صيف عام 2017 لإنهاء أزمة مجلس التعاون الخليجي، تدرس إدارة "دونالد ترامب" الآن دعوة قادة دول المجلس إلى كامب ديفيد في محاولة للتوسط في إيجاد حل. ويبدو أن الضغط المتجدد من جانب الإدارة على إيران هو الدافع وراء الدفعة الأخيرة لإنهاء أزمة المجلس، لأنها تريد دعما عربيا قدر المستطاع لتعزيز محاولاتها لعزل إيران، من أجل تغيير السلوك الإيراني في المنطقة.

ومع ذلك، لا تزال قدرة الرئيس "ترامب" على التوفيق بين الكتلة التي تقودها السعودية (الوالبحرين والإمارات العربية المتحدة) وبين قطر محل شك. وقد تكون مهارات التفاوض التي تعلمها "ترامب" في عالم الأعمال غير كافية في التعامل مع الأمور التي تنطوي على الكبرياء الوطني ومصالح الدول المعقدة، والتي هي جوهر هذه الأزمة.

ومن أجل نجاح قمة المصالحة هذه، سيحتاج "ترامب" إلى الاعتماد على المسؤولين الأمريكيين الذين لديهم معرفة واسعة بالمنطقة، مثل وزير الدفاع "جيمس ماتيس"، وخبراء الشرق الأوسط في وزارة الخارجية ومجتمع الاستخبارات، بالإضافة إلى القادة الكويتيين والعمانيين، الذين امتنعوا عن الانضمام إلى الكتلة بقيادة السعودية ضد قطر، لإيجاد صيغة لكسر الجمود.

وفي بداية الأزمة أوائل يونيو/حزيران عام 2017، تسرع "ترامب" في الانحياز إلى جانب الحصار ضد قطر، لكنه سرعان ما تراجع إلى صيغة متوازنة بعد ضغط من إدارته، وهو ما ظهر في محاولات وزير الخارجية السابق "ريكس تيلرسون" للوساطة لحل الأزمة، ولعله يعلم الآن ما تعنيه قطر للولايات المتحدة.

مجلس ممزق

ومع فشل مهمة وساطة "تيلرسون"، حاولت كل من قطر والكتلة التي تقودها السعودية التأثير على واشنطن، من خلال زيارات رفيعة المستوى، وحملات علاقات عامة باهظة التكلفة. ولفترة من الوقت، انغمست إدارة "ترامب" مع كل جانب من جانبي النزاع، عبر استقبال كبار المسؤولين وتعميق الروابط مع كل طرف.

وعلى سبيل المثال، شرعت الإدارة في حوار استراتيجي مع قطر أوائل عام 2018، وتمت الإشادة بالدوحة في ملخص لوزارة الخارجية حول الاجتماه "لجهودها لمكافحة الإرهاب والتطرف العنيف بكافة أشكاله ..."، كما رحبت الولايات المتحدة بعرض لتوسيع المرافق الحاسمة في القاعدة الأمريكية في البلاد. وبعد فترة وجيزة من بدء الأزمة في يونيو/حزيران 2017، وقعت قطر صفقة بقيمة 12 مليار دولار لشراء طائرات "إف-15" لتحسين وضعها مع واشنطن.

أما بالنسبة للكتلة التي يقودها السعوديون، احتفى "ترامب" بالمشتريات السعودية للمعدات العسكرية الأمريكية، والتي تقدر بمليارات الدولارات، خلال زيارة ولي العهد السعودي الأمير "محمد بن سلمان" في مارس/آذار 2018. وبالتالي، ظن كل طرف من طرفي الأزمة أنه الفائز في معركة العلاقات العامة في واشنطن.

نفاد الصبر

ومع ذلك، في مارس/آذار 2018، بدا أن "ترامب" نفسه قد فقد صبره على اللاعبين في هذا النزاع. وطرح فكرة استضافة قمة لمجلس التعاون الخليجي في ربيع عام 2018 في كامب ديفيد، لكنه شدد على أنه إذا لم يكن هناك انفراجة في حل الأزمة، فلن يحدث مثل هذا الاجتماع.

وأشارت بعض التقارير الصحفية إلى أن "ترامب" كان مسرورا لأن قطر اتخذت خطوات ذات مغزى بشأن قضية تمويل الإرهاب. كما أرسل "ترامب" الجنرال الأمريكي المتقاعد "أنطوني زيني"، ونائب مساعد وزير الخارجية "تيم لندركينج"، إلى المنطقة لمحاولة التوسط في النزاع. ومع ذلك، مثلهم مثل "تيلرسون"، لم ينجحوا في فعل الكثير.

وعلى أي حال، فإن فكرة "ترامب" لاستضافة قمة مجلس التعاون الخليجي كمكافأة لحل النزاع، سرعان ما تحولت إلى محاولة يائسة لحله. واقترحت بعض التقارير أن القمة كانت مقررة في أبريل/نيسان في واشنطن. وأشار آخرون إلى أن قمة كامب ديفيد كانت ستقام في شهر مايو/أيار، وبغض النظر عن ذلك، يبدو أن "ترامب" كان محبطا لأن أطراف النزاع لم يكونوا قادرين على تحقيق تقدم أولي حتى لإنجاح القمة، ومن ثم، أعلن البيت الأبيض، في 3 أبريل/نيسان، تأجيل القمة الخليجية المزمعة حتى سبتمبر/أيلول.

وعلى الرغم من أن مسؤولا أمريكيا، لم يذكر اسمه، زعم أن التأخير كان بسبب جدول الأعمال المزدحم، وحقيقة أن خليفة "تيلرسون"، "مايك بومبيو"، لم يحصل على تزكية لتعيينه بعد، عزت مصادر أخرى هذا التأخير إلى استمرار الجمود في النزاع. وقد يكون هناك عامل آخر هو تصريح وزير الخارجية السعودي "عادل الجبير" بأنه إذا كانت هناك قمة في كامب ديفيد، فلن تشمل الخلاف مع قطر، ويبدو أن هذا التعليق يوحي بأن السعوديين كانوا قلقين من ألا يكون الضغط الأمريكي لإنهاء النزاع في صالحهم، لذا لم يكونوا متحمسين لعقد القمة.

وفي أواخر أبريل/نيسان 2018، سافر وزير الخارجية الجديد "مايك بومبيو" إلى الرياض. وكانت رسالته إلى المسؤولين السعوديين "هذا يكفي"، فيما يتعلق بالنزاع مع قطر. وفي وقت سابق من ذلك الشهر، استضاف "ترامب" الأمير القطري "تميم بن حمد آل ثاني" في البيت الأبيض، وأعرب عن دعمه القوي لقطر. وتلقى السعوديون رسالة مفادها أن صبر "ترامب" يوشك على النفاد بشأن الخلاف الخليجي، لكن زيارة "بومبيو" لم تنجح في كسر الجمود.

عامل إيران

وعند النظر إلى الوراء، يبدو أن رحلة "بومبيو"، في أبريل/نيسان، إلى الرياض كانت موجهة لجمع دعم عربي موحد، على الأقل داخل مجلس التعاون الخليجي، تحسبا لموقف "ترامب" المتشدد تجاه إيران. وفي 8 مايو/أيار، أعلن "ترامب" انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي الإيراني، وبعد أسبوعين، أعلن "بومبيو" 12 طلبا كان على إيران الوفاء بها لتفادي ما قال إنها "أقوى عقوبات في التاريخ". وتم الآن تنفيذ بعض هذه العقوبات، في حين ينتظر البعض الآخر، بما في ذلك الحظر النفطي والعقوبات على الشركات التي تتعامل مع إيران، إلى نوفمبر/تشرين الثاني.

وتهدف العقوبات إلى الضغط على الاقتصاد الإيراني لإجبار طهران على تغيير سلوكها في المنطقة، ومنعها من امتلاك برنامج نووي مصغر، وإن كان سلميا.

ومع ذلك، قد يكون الهدف الحقيقي وراء ذلك هو تغيير النظام، على الرغم من أن مسؤولي إدارة "ترامب"، مثل "ماتيس" و"بومبيو"، نفوا ذلك.

وتعد إيران الآن أحد أهم اهتمامات إدارة "ترامب"، التي تعتقد أنه من المهم أن يكون حلفاؤها العرب التقليديون، مثل دول مجلس التعاون الخليجي، يدعمون هذه السياسة المتشددة. وعلى النقيض من ذلك، فإن انهيار المجلس يضعف هذا الدعم العربي ويلعب في صالح إيران. ويبدو أن "ترامب" و"بومبيو" يدركان أن أزمة المجلس دفعت قطر إلى الاقتراب أكثر من إيران. وردا على الحصار الذي تقوده السعودية، سمحت إيران لقطر باستخدام مجالها الجوي في رحلات الذهاب والإياب من البلاد واستيراد السلع الأساسية، وأصبحت المواد الغذائية تنتقل إلى قطر عبر الأراضي الإيرانية.

وللتأكيد على أهمية أن تصبح جميع دول المجلس على نفس الخط، فقد أشارت قراءة البيت الأبيض لمكالمة "ترامب" الهاتفية مع أمير قطر، في أوائل أبريل/نيسان، إلى أن الزعيمين ناقشا، ليس فقط الأزمة الحالية في المجلس الخليجي، بل أيضا "سلوك إيران المتهور بشكل متزايد في المنطقة، والتهديد الذي يشكله للاستقرار الإقليمي".

اختبار لمهارات "ترامب"

وإذا تم بالفعل عقد قمة "كامب ديفيد" بين قادة دول مجلس التعاون الخليجي، في سبتمبر/أيلول، أو في وقت لاحق من هذا الخريف، سيتعين على "ترامب" أن يمارس مهاراته التفاوضية لحل الأزمة، حتى يتم رفع الحظر الذي تفرضه السعودية على قطر. ولا شك أن هذه ليست صفقة تجارية تنطوي على مشروع عقاري، وهو أمر برع "ترامب" فيه، لكنها مسألة معقدة تتعلق بالسياسة الخارجية تتعامل مع موضوعات حساسة مثل الفخر الوطني والسيادة.

ومن ثم، لا يستطيع "ترامب" أن يتوسط في صفقة بهذه الأهمية وحده بالاعتماد على غرائزه، كما فعل في "هلسنكي" مع الرئيس الروسي "فلاديمير بوتين"، فهي ليست بالطريقة المثلى لممارسة الدبلوماسية. وبدلا من ذلك، قد يحقق "ترامب" ومساعدوه نجاحا جيدا بالتشاور مع الكويتيين والعمانيين، الذين يعرفون اللاعبين في تلك الأزمة جيدا، ويحاولون ابتكار وتنسيق مقاربة مشتركة قد تكون مستساغة لدى كلا طرفي الأزمة. كما يجب على الرئيس التشاور مع المسؤولين الأمريكيين الذين يفهمون المنطقة، مثل وزير الدفاع  "ماتيس"، والخبراء في وزارة الخارجية ووكالات الاستخبارات الذين لديهم إدراك قوي لديناميكيات دول الخليج.

ويتمثل التحدي الرئيسي في إيجاد تنازل مقبول للسعوديين والإماراتيين، مما يسمح لهم بحفظ ماء الوجه، في الوقت الذي ينهون فيه الحصار على قطر. وعلى الرغم من أنه من غير المرجح أن تغلق الدوحة قناة الجزيرة، وهو أحد مطالب الكتلة التي تقودها السعودية، فربما يمكن لأطراف النزاع التعهد "بعدم التدخل" في الشؤون الداخلية لبعضهم البعض، وهي عبارة رائجة في بيانات الخارجية السعودية، وهو ما ظهر في نزاع الرياض الحالي مع "أوتاوا" بسبب انتقادات كندا لاعتقال ناشطة حقوقية سعودية. وإذا وافق السعوديون والإماراتيون على إبرام اتفاق، فمن المرجح أن توافق مصر والبحرين كذلك.

وقد لا تكون هذه هي "صفقة القرن" التي تصور "ترامب" في البداية تحقيقها في القضية الإسرائيلية الفلسطينية، والتي تم إحباطها جزئيا بسبب سياساته المضللة الخاصة بالقدس، لكنه قد ينتصر في إنهاء الخلاف الشائك بين شركاء واشنطن العرب.

ويستطيع "ترامب" بعد ذلك أن يروج لهذا الإنجاز، ليس فقط كانتصار دبلوماسي، وإنما كانتصار بكسب دعم العرب لسياساته المتشددة ضد إيران. وبهذه الطريقة، لن تستمر قطر في الاعتماد على جارتها الشمالية في الإمدادات (على الرغم من أن قطر وإيران تشتركان في حقل غاز كبير في الخليج).

ومن السخرية بشأن الجهد الأمريكي الأخير، أنه حتى قبل بداية هذه الأزمة، لم تكن دول مجلس التعاون الخليجي موحدة في الحقيقة بشأن إيران. وفي حين تفضل السعودية والإمارات والبحرين نهجا متشددا، تفضل عمان والكويت وقطر سياسة أكثر توازنا. ومع ذلك، تستحق جهود الوساطة الأمريكية المتابعة والبناء عليها، من أجل إنهاء نزاع كان يجب ألا يبدأ في المقام الأول.