القدس العربي-
بزيارته للإمارات يعرف البابا أنه يصافح الشرّير الذي يطلب المسيحيون كل يوم من الله أن ينجيهم منه.
يبدو أن البابا فضّل الاشتراك في لعبة «الدكتور جيكل» الإماراتي، وهو أمر لن يغطّيه دعاء البابا بخلاص اليمنيين من شرور الحرب دون أن يسمّي الضالعين فيها.
استضافت أبو ظبي أمس الأحد بابا الكنيسة الكاثوليكية فرنسيس ضمن حملة علاقات عامة إماراتية كبيرة تجري تحت عنوان «عام التسامح».
من المفيد، من حيث المبدأ، التأكيد على أهمّية التسامح بكل أشكاله، الدينية والسياسية والاجتماعية، وكذلك رفض أشكال العنصرية، الكره الأعمى للآخر، والإشادة بأهمية الأفعال التي يقوم بها البابا، الشخصية المؤثرة في العالم.
والذي خطّ لنفسه نهجاً مميزاً وجريئاً فيما يخص قضايا العدالة الاجتماعية في العالم، وزار من قبل 6 دول ذات أغلبية مسلمة، كما أنه سيزور المغرب في آذار/مارس المقبل.
تعرّض البابا بسبب زيارته هذه لانتقادات شديدة فقد رأت منظمة العفو الدولية إن الأمر يتطلب أكثر من عقد اجتماعات رمزية «للتغطية على سجل الإمارات المروع في مجال حقوق الإنسان».
وإذا كان من المتوقع أن يحضر القداس الذي سيرأسه في مدينة زايد الرياضية نحو 120 ألف شخص، فإن الكثيرين من الأشخاص الذين لم تتسامح الإمارات مع آرائهم الاجتماعية أو السياسية أو الدينية سيكونون قابعين في السجون وغرف التعذيب.
لم تأت الانتقادات للزيارة من قبل منظمات حقوق الإنسان فقط، فحسب صحيفة «أوبزرفر» البريطانية فإن مسؤولا سابقا بوكالة الاستخبارات الأمريكية (سي آي إيه) يدعى إميل نخلة قال إنه «ليس جيدا للبابا أن يقوم بزيارة الإمارات بينما حكومتها منخرطة في ارتكاب كل الأعمال الوحشية في اليمن».
ورغم هذه الحملة الزاهية للعلاقات العامة فمعلوم أن الإمارات، التي يشكل المسيحيون قرابة 9% من سكانها، والهندوس 7%، والبوذيون 2%، ويعيش أكثر من 200 جنسية على أراضيها، تمنع التجمعات الدينية غير المصرح بها، والأرض المخصصة لبناء دور العبادة محدودة.
يخفي انفتاح الإمارات الاستعراضي الحالي على الديانات الأخرى كالمسيحية واليهودية أجندة سياسية يكشفها العداء الشديد لما يسمى بتيار «الإسلام السياسي».
فالتقرّب من اليهودية والمسيحية ظاهره «التسامح» وباطنه الاقتراب من إسرائيل والاتجاهات المسيحية الصهيونية واليمينية المتطرّفة والعداء، بالتالي للقوى السياسية العربية الساعية للتغيير ومجابهة الطغيان.
ورغم أن العداء لأي حراك إسلاميّ من دولة مسلمة يبدو شكلا من أشكال الفصام العقليّ فإنه ليس في الحقيقة إلا إعلاناً عن تحالف بين قوى الاستبداد السياسي العربية مع الدولة العبرية وقوى اليمين العنصريّ التي تجد في الأنظمة العربيّة الدكتاتورية حليفها الحقيقي.
تمارس الإمارات البطش بحق المختلفين معها سياسيا، إلى درجة أنها سنت قانونا يمنع مجرد «التعاطف» مع دولة خليجية شقيقة لها هي قطر، ويحكم على ممارس هذه «الجريمة» بالسجن سنوات.
وهناك العديد من الإماراتيين والعرب من الصحافيين أو المغردين السجناء، وهي تبطش وتقمع وتغتال من تريد في اليمن، ولها سجل حافل ومسيء على مدار الجغرافيا العربية.
وادعاؤها التسامح يذكر بالرواية الشهيرة لروبرت لويس ستيفنسون «قضية الدكتور جيكل والسيد هايد الغريبة»، التي تحكي عن شخص يكون في النهار طبيبا يعالج الناس، وفي الليل يتحوّل إلى مجرم يقتل الأبرياء.
بزيارته للإمارات يعرف البابا أنه يصافح الشرّير (أو السيد هايد) الذي يطلب المسيحيون كل يوم من الله أن ينجيهم منه، ولكنّه، على ما يبدو، فضّل أن يشترك في لعبة «الدكتور جيكل» الإماراتي، وهو أمر لن يغطّيه دعاء البابا بخلاص اليمنيين من شرور الحرب من دون أن يسمّي الضالعين فيها.