سياسة وأمن » لقاءات

البابا في الإمارات ـ حوار مسيحي إسلامي حقيقي أم مجرد شعارات؟

في 2019/02/05

إيمان ملوك- DW- عربية-

قبيل انطلاق طائرته متوجهاً إلى الإمارات، كتب البابا فرنسيس في حسابه على موقع  "تويتر" تغريدة عن الهدف المرجو من زيارته هذه قال فيها: "أزور هذا البلد كأخ، لنكتب صفحة حوار معاً، ونمضي في مسار السلام سوية". البابا، الذي يزور منطقة الخليج للمرة الأولى، وصل يوم أمس (الثالث من شباط/ فبراير 2019) إلى أبوظبي، في زيارة تاريخية تستمر ثلاثة أيام. 

وكان الحبر الأعظم قد دعا أيضاً قبيل انطلاق زيارته إلى احترام اتفاق وقت إطلاق النار في اليمن، حيث تقود الإمارات مع السعودية تحالفاً عسكرياً ضد المتمردين الحوثيين، في حرب قُتل فيها نحو 10 آلاف شخص غالبيتهم من المدنيين منذ بدء عمليات التحالف.

حظيت هذه الزيارة، التي وُصفت بالتاريخية، باعتبارها أول زيارة للبابا إلى منطقة الخليج،  بترحيب واسع من داخل وخارج الإمارات. وزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبيو، أشاد بهذه الزيارة في تغريدة له في حسابه على "تويتر"، واصفًا إيَّاها بـ"اللحظة التاريخية".

من جانبه، وصف رئيس الوزراء اللبناني، سعد الحريري، في حسابه على "تويتر"، زيارة البابا فرنسيس إلى الإمارات، بأنها "خطوة حضارية". إضافة إلى الترحيب الواسع، حظيت الزيارة أيضاً بانتقادات، وذلك بسبب دور الإمارات في الحرب على اليمن، وكذلك بسبب الخلاف مع قطر.

وفي هذا السياق كتب الدكتور حزام الحزام، وهو خبير سياسي سعودي، مقيم في بريطانيا، في تغريدة له على "تويتر" عن زيارة البابا الحالية للإمارات جاء فيها: "كان من الأجدر على الإمارات فتح الحوار مع قطر قبل الأديان الأخرى".

من جهة أخرى، تواجه الإمارات كذلك انتقادات من منظمات حقوقية لدورها في حرب اليمن وملاحقة ناشطين في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان. ووجهت منظمة هيومن رايتس ووتش الحقوقية رسالة إلى البابا فرنسيس بهذا الخصوص ودعته "لتوظيف زيارته للضغط على قادة الإمارات للوفاء بالتزاماتهم الحقوقية في الداخل والخارج".

ماذا عن الحرية الدينية في الإمارات؟

يعيش في الإمارات نحو مليون كاثوليكي، جميعهم من الأجانب، و توجد ثماني كنائس كاثوليكية، وتمثل العدد الأكبر للكنائس مقارنة مع الدول الأخرى (أربع في كل من الكويت وسلطنة عمان واليمن، وواحدة في البحرين، وواحدة في قطر). وتقدم الإمارات نفسها على أنّها مكان للتسامح بين الأديان المختلفة، والسماح بممارسة الشعائر الدينية المسيحية في العديد من الكنائس.

قس الكنيسة الكاثوليكية، راينهولد زانر، يعيش في الإمارات منذ ستة أعوام، تحدث إلى DW عن وضع حقوق المسيحيين وحريتهم الدينية هناك. زانر يقول: "بشكل عام، يمكن القول إنه لا فرق بين الإمارات وأوروبا. يمكننا التحرك بحرية و بدون قيود. لكن هناك بعض القواعد، التي يتعين علينا الالتزام بها".

ومن عن هذه القواعد يقول القس الألماني. "لا يُسمح لنا بأداء الشعائر الدينية، مثل الصلاة خارج الأماكن المخصصة لنا. كما تُحظر الأنشطة التبشيرية، لذا يجب أن نكون حذرين بعض الشيء حول ما نقوله. كما لا يمكننا تنظيم فعالية دينية داخل فندق أو مكان عام، لكن يُسمح لنا بارتداء الصليب وباقي الرموز المسيحية الأخرى في الأماكن العامة".

ويمكن لمس الحرية الدينية أيضاً في تخصيص أراضي، يمكن للمجتمعات المسيحية بناء كنائس عليها، غير أن هذه الأراضي تبقى ملكاً للدولة، في حين يبقى المبنى الذي يقف عليها ملكاً للمجتمع المسيحي، بحسب القس زانر. أما عن  زيارة البابا ودلالاتها بالنسبة للمسيحيين في الإمارات، فيقول زانر: "هذه الزيارة تشعرنا بالاطمئنان وتعطينا قيمة كشركاء موثوق بهم للتعاون والحوار أمام الجهات الحكومية المعنية. توقعاتي الشخصية، بطبيعة الحال، هي أن يتم توسيع وتكثيف هذه العلاقات".

في المقابل يرى الخبير والمحلل الاجتماعي والسياسي، رالف غضبان، أن "وضع حقوق وحريات المسيحين في الإمارات متقدم نوعاً ما مقارنة مع الوضع في باقي الدول العربية الإسلامية، لكن الحرية الدينية تبقى غير كافية بالمقارنة مع وضع الحقوق والحريات الدينية في الغرب". وأضاف خلال حواره مع DW عربية: "السماح بممارسة الدين لا يعني بالضرورة أن هناك حل لجميع المشاكل في الخليج، خاصة بالنسبة للعمالة الأجنبية، التي توجد في وضع خاضع كلياً لسطوة الوكلاء والمقيمين الأصليين للبلاد".

ماذا عن تجارب الحوار السابقة؟

أما بالنسبة إلى وضع المسيحيين في العالم العربي بشكل عام، فيرى غضبان أن الأحداث الأمنية والثورات، التي حصلت في العالم العربي، كان لها تأثير كبير على تواجد المسيحيين ووضعهم. ويستدل الغضبان على ذلك "بتراجع أعداد المسيحيين في العالم العربي بشكل ملحوظ". ويتابع الغضبان بالقول: "في فلسطين، سوريا والعراق، مثلاً، انخفض العدد من مليون ونصف المليون إلى بضعة مئات من الآلاف".

وأمام التراجع الملحوظ للوجود المسيحي في العالم العربي، يرى الغضبان في تجربة الإمارات "محاولات تحديث وأنسنة المجتمعات"، حيث شهد البلد المؤتمر العالمي للأخوة الإنسانية بالتزامن مع زيارة البابا. 

وشهد العالم العربي خلال السنوات السابقة تجارب عديدة للحوار الإسلامي المسيحي، أهمها في لبنان ومصر، لكن دائماً ما يُطرح السؤال عن مدى تحقيق هذه التجارب للهدف المنشود منها. 

وعن هذا التساؤل يجيب غضبان: "الحوار بين الأديان بدأ عام 1928 في بلدة حمدون في لبنان، وكانت هذه أول تجارب الحوار الإسلامي المسيحي وتوالت التجارب بعد ذلك، لكنها لم تحل دون حدوث الحروب الأهلية، التي لا تزال مستمرة إلى وقتنا هذا".

وأضاف الغضبان:" الحوار بين الأديان لا يحل المشاكل السياسية والاجتماعية لأنه قد يساهم في خلق جو ايجابي أو سلبي، لكن هذه الزيارة الأولى من نوعها تعيد الحوار إلى الاتجاه نحو تقبل الآخر والاختلاف".