سياسة وأمن » لقاءات

لماذا تستثمر السعودية 20 مليار دولار في باكستان؟

في 2019/02/21

جوزيف هيكنز - تايم- ترجمة شادي خليفة -

كان ولي العهد السعودي الأمير "محمد بن سلمان" شخصا غير مرغوب فيه من قبل الكثير من دول العالم بعد مقتل الصحفي المعارض "جمال خاشقجي" في أكتوبر/تشرين الأول، والذي خلصت وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية إلى أنه حدث بأمر شخصي من ولي العهد. وكان المدراء التنفيذيون العالميون قد انسحبوا من قائمة الحضور في منتدى الاستثمار في الرياض، الذي تم تسميته "دافوس في الصحراء"، كما تم استقبال ولي العهد بمظاهرات رافضة له لدى وصوله إلى تونس في نوفمبر/تشرين الثاني، وكانت هناك تقارير بأن العاهل المغربي "محمد السادس" قد رفض زيارته إلى بلاده. ولكن الحال كان مختلفا في وقت سابق من هذا الأسبوع في باكستان، التي منحت الأمير السعودي الشاب أعلى وسام مدني، وقدمت له بندقية مطلية بالذهب، وأعلنت يوم الإثنين عطلة رسمية تكريما لزيارته التي تستمر يومين لإسلام آباد.

وقال رئيس الوزراء الباكستاني "عمران خان"، الأحد، بينما كان يجلس بجانب "بن سلمان": "لقد كنت دائما الصديق وقت الحاجة، ونحن نقدر ذلك كثيرا". وكان زعيم المملكة بحكم الأمر الواقع قد أعلن في وقت سابق عن استثمارات في باكستان في مجالات البتروكيماويات، وتوليد الطاقة، ومشاريع التعدين، تبلغ قيمتها أكثر من 20 مليار دولار.

وبالإضافة إلى الحزمة المالية المذهلة، أمر "بن سلمان"، بناء على طلب "خان"، بالإفراج الفوري عن أكثر من 2000 سجين باكستاني مسجونين في المملكة. وفي تغريدة لرئيس الوزراء، الذي خرق البروتوكول ليقود "بن سلمان" شخصيا إلى مقر إقامته الرسمي، قال "خان" عن "بن سلمان": "لقد أسر قلوب الشعب الباكستاني".

وتعتبر زيارة "بن سلمان" إلى إسلام أباد، على نطاق واسع، محاولة لإصلاح سمعته السيئة كرجل دولة أمام العالم. وسبقت تلك المحطة محطات أخرى في الهند والصين، والتي -مثل باكستان- لم تتحدث عن مقتل "خاشقجي". لكن استثمار المملكة في الدولة الجنوب آسيوية المسلحة نوويا يذهب إلى ما وراء العلاقات العامة.

حوافز باكستان

ولدى المملكة العربية السعودية تاريخ طويل في تقديم الدعم المالي لباكستان. ويشمل ذلك تحويل الأموال إلى نظام التعليم في باكستان، وتخفيف تأثير العقوبات الدولية عليها في أعقاب تجربتها النووية في أواخر التسعينيات، وإقراض إسلام أباد 1.5 مليار دولار عندما انهارت الروبية الباكستانية عام 2014.

لكن الجولة الأخيرة من الاستثمار تأتي في وقت حرج لإسلام آباد، التي تمر بأزمة اقتصادية جديدة. وتقلصت احتياطيات النقد الأجنبي التي تستخدمها باكستان لشراء واردات الوقود الأساسية إلى أقل من 8 مليارات دولار. ومنذ أن أدى اليمين الدستورية كرئيس للوزراء في أغسطس/آب الماضي، انخرط "خان" في "حملة تقشف" علنية للغاية، بينما ناشد الدول الصديقة للحصول على الدعم المالي.

وفي الواقع، تلقت حكومته في أكتوبر/تشرين الأول أموالا سعودية بقيمة 6 مليارات دولار، بما في ذلك تأجيل دفع مستحقات سالفة بقيمة 3 مليارات دولار. وقدمت المملكة حزمة الدعم هذه بعد زيارة "خان" إلى الرياض، عندما انخفضت احتياطيات البنك المركزي الباكستاني بنسبة 40% عن أرقام العام السابق. وتتفاوض إسلام آباد حاليا على خطة إنقاذ من صندوق النقد الدولي، وهي البلد الـ13 منذ الثمانينيات التي تفعل ذلك.

حوافز السعودية

ومن المعروف تاريخيا أن السعودية تهدف إلى ربح القلوب والعقول بإنفاقها السخي، لكن المملكة الآن تواجه قيودا مالية خاصة بها، وهي بحاجة ماسة إلى تنويع اقتصادها المعتمد على النفط. ويقول "أندرياس كريج"، الخبير الأمني ​​في شؤون الشرق الأوسط في كلية "كينج" في لندن: "لم نشهد السخاء الذي استطاع السعوديون تحمله في الثمانينيات والتسعينيات مؤخرا، وبالتأكيد لم نره في ظل وجود بن سلمان". وقال إن المبلغ الذي تم التعهد به، وهو 20 مليار دولار، "ليس مجرد خطة إنقاذ يقوم بها السعوديون لأنهم يحبون الباكستانيين". ولكن هناك مراقبة لضمان أن تلك الاستثمارات ستكون "مستدامة، وسيكون لها في الواقع عوائد في المستقبل".

وقد تم تخصيص نحو 8 مليارات دولار من الأموال التي تم التعهد بها لباكستان لبناء مصفاة نفط في ميناء "غوادر"، وهو جوهرة تاج الممر الاقتصادي بين الصين وباكستان، وهي منطقة تستثمر فيها المملكة العربية السعودية بكثافة. ومع اقتراب بكين من ضخ 62 مليار دولار في الممر الاقتصادي، في إطار مبادرة "الحزام والطريق" العابرة للحدود، تتطلع السعودية إلى تعزيز سوق تصدير النفط الخاصة بها في باكستان.

 الديناميات الإقليمية

وقد رحبت حكومة "خان" بتعهد السعودية بالاستثمار البالغ 20 مليار دولار، لكنها "قد تكون محفوفة بالمخاطر"، كما تقول "فرزانا شيخ"، الزميلة المشاركة في مركز "تشاتام هاوس" في لندن.

ويقع ميناء "غوادر" في إقليم "بلوشستان" المضطرب في باكستان، والذي يقع على الحدود مع مقاطعة "سيستان وبلوشستان" الإيرانية المتقلبة. وفي 13 فبراير/شباط، أعلنت جماعة سنية مسلحة مسؤوليتها عن هجوم قتل فيه 27 من الحرس الثوري على الجانب الإيراني من الحدود. وتلقي إيران باللوم على باكستان في إيواء المتشددين وتتهم السعودية بتشجيع العنف السني ضد أغلبية سكانها من الشيعة. وتقول "شيخ": "تحاول باكستان أن تتحرك عبر هذه المنطقة الدقيقة للغاية بين المصالح السعودية والإيرانية في المنطقة، ومحاولة كل منهما تأسيس هيمنته الإقليمية الخاصة بها في هذا الجزء من العالم".

كما يعزز الاستثمار السعودي من خطر تفاقم الصراع الباكستاني مع الهند. وقد وصل "بن سلمان" إلى نيودلهي، الثلاثاء، مع تصاعد التوتر بين الجارتين المسلحتين نوويا في أعقاب الهجوم المميت الذي وقع في 14 فبراير/شباط في كشمير الخاضعة لسيطرة الهند. وقد أعلنت جماعة "جيش محمد"، التي تتخذ من باكستان مقرا لها، والتي يعتقد أنها تتلقى أموالا من السعودية، مسؤوليتها عن الهجوم الذي أودى بحياة ما لا يقل عن 40 من أفراد الشرطة شبه العسكرية الهندية. وقبل مغادرته إسلام أباد، الإثنين، قال وزير الخارجية السعودي إن بلاده ستعمل على "تخفيف حدة التوتر" بين الهند وباكستان، لكن من المرجح أن تعتبر نيودلهي الاستثمار السعودي الوفير في منافستها الإقليمية خطرا عليها.

هل هناك مقايضة عسكرية؟

تشير الظواهر التي صاحبت الزيارة إلى ذلك. فقد أحاطت الطائرات المقاتلة بالطائرة التي يستقلها "بن سلمان"، وأطلقت مجموعة من الجنود 21 طلقة نارية للتحية، وصرح متحدث باسم القوات المسلحة الباكستانية لـ"عرب نيوز" بأن جيش البلاد ملتزم "بالوقوف إلى جانب إخواننا السعوديين".

ويقول "أندرياس كريج": "تزود باكستان الجيوش في جميع أنحاء الخليج بالقدرات العسكرية. لكن على وجه الخصوص، لا تستطيع المملكة العربية السعودية العمل بدون الباكستانيين"، مضيفا أن تقديرات عدد الجنود الباكستانيين الذين يخدمون في المملكة تصل إلى 65 ألف جندي. وتابع: "إذا توترت العلاقات، فلن يكون لدى المملكة مصدر آخر للقوة البشرية تزود آلتها العسكرية الضخمة".

وعلى نحو منفصل، سرت تخمينات منذ فترة طويلة بأن المملكة تمتلك أسلحة نووية من باكستان. وعلى الرغم من أن الرياض تشتري حاليا أسلحة بقيمة مليارات الدولارات من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة ودول أخرى، إلا أن نائب وزير الطاقة الأمريكي قال إن واشنطن لن تساعد المملكة في تطوير التكنولوجيا النووية دون ضمانات بأنها ستستخدمها فقط للأغراض المدنية. وبالإضافة إلى محورها الاقتصادي في آسيا، تحاول الرياض تنويع مصادرها من الأصول العسكرية. ويشكل الباكستانيون جزءا مهما جدا من هذا لأنهم يستطيعون بيع التكنولوجيا التي قد لا يكون هناك أي طرف آخر مستعدا لبيعها في هذه المرحلة.