عريب الرنتاوي- الدستور الأردنية-
ما هو هذا الدور المطلوب من الأردن وما أشكال تجلياته وأطره القانونية والسياسية والأمنية؟
يسعى كوشنر لـ«شراء» الحق الفلسطيني في العودة والقدس والاستقلال بثمن بخس، فم الذيا يريد «شراءه» من الأردن ومصر بثمن أكبر؟
هل مبلغ الأربعين مليار دولار، يشمل «ثمن» تخلي الأردن عن مصالحه وحقوقه؟ وهل المطلوب من الأردن توطين 4 ملايين لاجئ للأبد؟
لماذا يحرص كوشنر على إدراج مصر في المستفيدين من المليارات الأربعين وما البضاعة التي يبحث شراءها بالقاهرة بثمن غير بخس؟
أنهى جارد كوشنر جولته في المنطقة، بحثاً عن «تمويل» لخطته المعروفة باسم «صفقة القرن»، لا نعرف حتى الآن، ما هي العروض التي قدمها، بيد أننا بتنا نعرف الآن، أن الرجل يسعى لجمع 65 مليار دولار، 25 مليارا منها للفلسطينيين، و40 مليارا للأردنيين والمصريين، و"ربما" اللبنانيين!
(لاحظوا -ربما- التي سنعود إليها)، هكذا وزّع صهر الرئيس «رزمته» المالية التي تتمحور حولها «مبادرته للسلام»، في تعويض لا تخطئه العين عن خوائها السياسي بالنسبة للجانبين الفلسطيني والعربي.
دققوا في دلالة الرقمين التاليين:
الفلسطينيون (متضررو الدرجة الأولى) أصحاب القضية وضحايا حرب الاقتلاع والتهجير والتهويد والإلغاء، سيحظون بـ 25 مليار دولار على امتداد عشرة أعوام، أي بواقع مليارين ونصف المليار في كل عام.
الأردن ومصر، الدولتان المجاورتان، (متضررتا الدرجة الثانية)، اللتان تحملتا بتفاوت، قسطاً وافراً من أوزار الصراع العربي الإسرائيلي وتداعياته، ستحظيان بأربعين مليار دولار خلال الفترة.
إذا كان مفهوماً أن يسعى كوشنر لـ«شراء» حقوق الفلسطينيين الأساسية في العودة والقدس والدولة المستقلة، بهذا الثمن البخس، فما الذي يسعى الرجل لـ«شرائه» من الأردن ومصر، مقابل ثمن أكبر؟
الأردن يحتضن العدد الأكبر من اللاجئين الفلسطينيين يقدر ما بين 3.5 – 4 مليون لاجئ، والأردن صاحب الرعاية الهاشمية للأقصى والمقدسات في القدس التي تلحظ خطة كوشنر تكريسها عاصمة أبدية موحدة لإسرائيل.
لا حل من دون الأردن، ومن دون انخراطه في مشروع الثلاثي «الأكثر صهيونية من الصهاينة أنفسهم»: كوشنر، جرينبلات وفريدمان. فهل مبلغ الأربعين مليار دولار، يشمل «ثمن» تخلي الأردن عن مصالحه وحقوقه كذلك، وهل المطلوب من الأردن توطين هؤلاء مرة وإلى الأبد؟
وهل عليه أن يقر بالسيادة الإسرائيلية على الأقصى والمقدسات، ويختصر الرعاية إلى خدمات ووعظ وإرشاد؟
أم أن «لائحة المطالب» الأمريكية (قل الإسرائيلية) لا تتوقف عند هذا الحد، وأن المطلوب من الأردن أن يذهب خطوة إضافية، في مرحلة ثانية، للقبول بـ «دورٍ ما» في ترتيبات ما بعد نهاية الحلم الفلسطيني بالحرية والاستقلال والسيادة على أرضه، ما هو هذا الدور وما هي أشكال تجلياته وأطره القانونية والسياسية والأمنية؟
طيب، وماذا عن مصر؟
ليس في مصر سوى بضع عشرات الألوف من الفلسطينيين اللاجئين، وليس لها من «مصالح/ حقوق خاصة» في فلسطين، بما يتعدى حفظ أمنها على امتداد الحدود مع قطاع غزة، والتخلص من مخاطر تلك «القنبلة الموقوتة»، وضمان الأمن والهدوء والاستقرار في ذاك الشريط الضيق، وتفادي «الحرج» المترتب على استمرار قضية الشعب الفلسطيني بلا حلول.
فلماذا يحرص كوشنر على إدراج مصر في لائحة المستفيدين من المليارات الأربعين وما هي البضاعة التي يبحث عنها صهر الرئيس في القاهرة لشرائها بثمن قد لا يكون بخساً على أية حال؟
سنتخطى «حكاية» توسعة قطاع غزة في سيناء، كونها تندرج عادة في سياق «نظرية المؤامرة» المرذولة، مع أنها كفكرة لطالما ترددت في أروقة السياسة والأمن الإسرائيلية.
هل المطلوب إجراء هذه «التوسعة تحت غطاء تنموي من نوع: مدن صناعية ومناطق حرة مستأجرة لـ99 عاماً قابلة للتجديد، ومراكز جذب حضرية تستوعب أعداداً كبيرة من الفلسطينيين والمصريين إن اقتضت الضرورة؟
هل المطلوب من مصر دور قيادي في تسويغ صفقة القرن وتسويغها، باعتبار أن للقاهرة دوراً مركزياً في «جر» القاطرة العربية للقبول بهذه الصفقة، وإخراج «المترددين العرب» من ترددهم ومراوحتهم، والجهر علناً بدعمهم لصفقة يتحرجون من البوح بمكنونات مواقفهم الفعلية حيالها أمام الكاميرات وفي العلن؟
لا تفسير لضخامة المبلغ (بالمعنى النسبي) المرصود لكل من القاهرة وعمان سوى هذا التفسير!
السيد كوشنر، ومن موقعه كرجل أعمال ونجل لرجل أعمال وزوج لسيدة أعمال وصهر لرجل أعمال، يؤمن بأن لكل شخص ودولة وسلعة وخدمة ثمناً مرقوماً، وهو قدّر من جانب واحد، أن هذا هو الثمن المطلوب لقاء ما ينتظره من خدمات وما يسعى لشرائه من بضائع «قل أدوار».
«وربما لبنان» ... لماذا ربما؟
أولاً؛ لأن في لبنان موقف إجماع وطني (حتى وإن تغلف برداء عنصري) يرفض بقاء اللاجئين الفلسطينيين على أرض اللبنانيين، يرفض توطينهم وتجنيسهم، بل ومنحهم حقوق الإقامة الدائمة التي تليق بإنسان القرن الحادي والعشرين!
ثم، إن اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، «اهتدوا» إلى طريق ثالث لدى انسداد طريقي «العودة المستحيلة» و«الحياة المتعذرة» في لبنان: الهجرة إلى بلد ثالث.
فلم يبق منهم في لبنان سوى 170 ألفا فقط، مع أن تعدادهم المنطقي وفقاً لمعدلات الخصوبة والنمو السكاني الطبيعي بين الفلسطينيين كان يفترض بتعدادهم أن يلامس حدود المليون لاجئ.
ثانياً؛ ثم إن في لبنان حزبا يدعى "حزب الله"، يحظى بنفوذ عظيم في هذا البلد الصغير، ولديه مواقف وسياسات ستحول دون انخراط لبنان- وحتى إشعار آخر- في مشاريع من هذا النوع.
ولن تقوى أية حكومة لبنانية على التساوق لا مع كوشنر ولا مع إدارة ترامب، وما قد يتبعها – بإحسان أو من دونه – من إدارات أمريكية قادمة.
سوريا لم تسقط سهواً من حسابات كوشنر، رغم أن فيها 600 ألف لاجئ فلسطيني، وهي من الدول التي تلقت بدورها قسطاً وافراً من تداعيات وكلف الصراع العربي الإسرائيلي، ولديها أراضٍ محتلة بالجولان، ولا يُستبعد أن يعرضه كوشنر «جائزة ترضية» لإسرائيل في مرحلة لاحقة، لتسهيل تبليعها وهضمها لـ«صفقة القرن».
سوريا خارج الحسابات «السلمية» الأمريكية، وهي معروضة فقط كساحة لتصفية الحسابات مع موسكو وإيران وحزب الله، وما لم يطرأ تغيير «جوهري عميق» في سوريا، وربما في منظومة العلاقات الإقليمية والدولية، فلن تحظى دمشق، في المدى المنظور أو المتوسط على «شرف» الإدراج في قائمة اهتمامات «ترويكا السلام» في واشنطن.