سمير حمدي- العربي الجديد-
أثارت زيارة ملك السعودية، سلمان بن عبدالعزيز، تونس، في سياق مشاركته في القمة العربية التي تحتضنها العاصمة التونسية، جملة من ردود الأفعال لدى الشارع، بداية من التعليقات الساخرة والرافضة للافتة الترحيب التي وضعتها شركة خاصة، ووصولا إلى ضغط رئاسة الجمهورية على جامعة الزيتونة، لمنح الملك دكتوراه فخرية، قابلها رفض المجلس العلمي للجامعة الذي برّر موقفه بأنها لا تُمنح شهادات إلا للمتعلمين في ردهاتها.
ظلت العلاقات التونسية السعودية جيدة في أغلب سنوات حكم الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي الذي افتتح حكمه سنة 1987 بزيارة المملكة، فكانت أول زيارة له إلى الخارج بوصفه رئيسا، وحيث كان التنسيق الأمني بين الطرفين على أشده، خصوصا وأن بن علي كان يهتم بشكل خاص بتطوير أساليب الرقابة والمنع ضد معارضيه، ويمارس أعنف أشكال القمع، والتضييق السياسي ضد كل القوى السياسية. ويكتشف المتأمل في تاريخ العلاقات بين الرئيس المخلوع والداخلية السعودية أن جذورها تعود إلى فترة توليه منصب وزير الداخلية، حيث كان هو من استلم الشيخ أحمد الأزرق الذي كان عضوا في رابطة العالم الإسلامي، ومؤسس جمعية مناصرة الشعب الأفغاني حينها. وعلى الرغم من إقامته بشكل قانوني في المملكة، وما كان يحظى به من علاقات واسعة مع الأوساط الدينية هناك، إلا أن هذه الخلفية لم تمنع السلطات السعودية من تسليمه للنظام التونسي، حيث كان متهما بالانتماء لتنظيم إسلامي مفترض، وصدر بشأنه حكم بالإعدام تم تنفيذه صيف 1986، بعد تسلمه من السلطات السعودية مباشرة.
هذه العلاقات الوثيقة بين النظام السعودي ونظام الرئيس المخلوع بن علي جعلت السعودية تتخذ موقفا معاديا للثورة التونسية، منذ أيامها الأولى، فبالإضافة إلى التغطية الإعلامية المشوهة، والمنحازة التي كانت تقوم بها قناة العربية ضد الحراك الشعبي التونسي ما بين 17 ديسمبر/ كانون الأول 2010 و14 يناير/ كانون الثاني 2011، شن رجال الدين الرسميون في المملكة حملةً ضد التظاهرات الشعبية، معتبرين إياها منافيةً للشرع، مع التركيز على تجريم الانتحار، باعتباره فعلا منافيا للدين، في تعليقهم على حادثة إحراق محمد البوعزيزي نفسه، الحادثة التي مثلت شرارة الثورة التونسية. وبعد نجاح الثورة، استضاف النظام السعودي الرئيس الهارب، بدعوى منحه حق اللجوء، على الرغم من صدور أحكام قضائية مختلفة بحقه من محاكم تونسية. وكان تبرير الديوان الملكي السعودي حينها هذا الموقف أنه جاء "تقديرا للظروف الاستثنائية التي تمر بها تونس"، وأنها رحبت "بقدوم فخامة الرئيس زين العابدين بن علي وأسرته إلى المملكة"، متمنية أن يسود الأمن والاستقرار في الديار التونسية.
حاولت السعودية، في السنوات الأولى للثورة التونسية، الظهور بمظهر المحايد، على الرغم من أن الوقائع الكثيرة كانت تؤكد عداوتها الشديدة للتحول الديمقراطي في تونس، وسعيها إلى شيطنته إعلاميا، عبر أذرعها الدعائية، وإفشاله عمليا من خلال التدخل الخفي، ودعم قوى الثورة المضادة التي حرصت على عودتها إلى السلطة بكل الأشكال. ويدرك المراقبون في تونس أن المملكة لم تقدّم دعما اقتصاديا إلى تونس بعد ثورتها، حتى في أثناء حضورها في المؤتمر الدولي للاستثمار الذي نظمته تونس لجلب الدعم الخارجي (نوفمبر/ تشرين الثاني 2016)، حيث ظلت وعودها المالية مجرد أضغاث أحلام وحبرا على ورق.
في المقابل، فقدت السعودية ما بقي لها من تأثير نفسي في الشارع التونسي، على الأقل من جهة كونها البلاد التي تحتضن المشاعر المقدسة، فقد أصبح من المعتاد متابعة أشكال السخرية من النظام السعودي، خصوصا بعد جريمة قتل الصحافي جمال خاشقجي وتقطيعه، حيث لا يحوز هذا النظام أي احترام أو ثقة في أوساط الشارع التونسي، فالعلاقات التونسية السعودية، على المستوى الشعبي، ليست في أفضل حالاتها، على الرغم من محاولات الجانب الرسمي لإنعاشها، ذلك أن وضع الحريات الذي تعيشه تونس يقلق السلطات السعودية التي لم تعد فوق النقد، فسياساتها المتهوّرة وعداؤها الحاد لتطلعات الجماهير نحو الحرية، وتحالفاتها المشبوهة مع أطراف صهيونية وقوى اليمين الأميركي المتطرف، صنعت منها مسخا تعاديه الشعوب العربية وتحذر منه.