القدس العربي-
جديد الأردن تماماً وفي أرفع مراكز القرار، أن مؤسسة القصر الملكي تلتقي، ولأول مرة، بالكتلة البرلمانية التي تمثل الإسلاميين وتتقدم بالاختبار السياسي الأهم أمامهم، عبر التأكيد على الحاجة إلى: أولاً، «حوار تشاركي». وثانياً، «اشتباك إيجابي يأتي بحلول إبداعية».
وقال الملك عبد الله الثاني شخصياً تلك العبارات عندما التقى كتلةَ الإصلاح البرلمانية في القصر الملكي، أمس الأول، في العاصمة عمان.
التزامن في سقف الخطاب هنا يؤسس وبصورة نادرة لأول مساحة مشتركة يمكن أن يختبر فيها كل طرف في الدولة والإسلاميون نفسه في مقابلة الآخر.
جاء ذلك بعدما حدد الإسلاميون في الأردن مسبقاً، وعبر وثيقة مبادرة سياسية إصلاحية اقترحوها على الجميع، سقف المقاربة «الإبداعية» التي يقترحونها على الدولة والمجتمع والشركاء في المجتمع المدني والحزبي.
مبكراً، قال القيادي البارز في جماعة الإخوان المسلمين الشيخ جميل أبو بكر، والأمين العام لحزب جبهة العمل الإسلامي الشيخ مراد العضايلة، وانضم إليهما لاحقاً الشيخ زكي بن ارشيد، بالتأشير – أمام «القدس العربي»- على منسوب المقاربة الإبداعية والجراحية التي ينبغي أن تحصل لمواجهة حالة الاستعصاء العام في المشهد الوطني.
على الأرجح، لقاء الملك مع كتلة الإصلاح، وبرعاية مؤسس الكتلة وممثل ثقلها النوعي الخبير الدكتور عبد الله العكايلة، يعبر عن نمط جدي من التفاعل بين مركز القرار السياسي في إدارة الدولة وصنع السياسة، وبين ممثلين لمركز القرار المعارض في الشارع والمجتمع. مهم جداً هنا، ولأغراض التحليل، توثيق ثلاث ملاحظات في غاية الأهمية:
الأولى، أن اللقاء الملكي مع كتلة الإصلاح التي تدين عملياً بالأغلبية لعشرة نواب من رموز جماعة الإخوان المسلمين، مهم وأساسي ويساوي بين الكتلة المعارضة وشقيقاتها في الموالاة ولأول مرة.
ورغم أنه لقاء بروتوكولي عملياً، إلا أن رسالته السياسية أعمق، خصوصاً عندما تتطور آليات التواصل في فترة لاحقة، حيث أساس متين للتلاقي هنا مرده شعار رفعه علناً القطب الإخواني البارز زكي بني ارشيد في ندوة عامة، عندما قال في حضور «القدس العربي»: «جاهزون للاشتباك لصالح البلد، ومستعدون لكلفة التلاقي في منتصف الطريق من أجل تحدي الاستعصاء الوطني المأزوم، ولكن السؤال: من يعلق الجرس؟».
عملياً، عُلق الجرس بصورة مبدئية في لقاء كتلة الإصلاح مع الملك عبد الله الثاني وبعد أسابيع قليلة من «إبعاد وإقصاء» عناصر توتير «وظيفية أمنية» استهدفت الكتلة مطولاً وحاصرتها، كما ضغطت بشدة على والدها الروحي الدكتور العكايلة، في وقت يحاول فيه الطرفان الآن على الأقل الإيحاء بالسعي لـ»فتح صفحة جديدة».
الملاحظة الثانية لها علاقة بمستجدات أساسية، فحتى وقت قريب كان القطب البارز في كتلة الإصلاح، صالح العرموطي، يمثل حالة الرجل المرفوض تماماً، ويشار إليه بإطار المناكفة وصعوبة التلاقي. لكن بعد اللقاء الملكي، يخرج العرموطي نفسه ليعلن بأن «جلالة الملك ناقش ملف اتفاقية الغاز الإسرائيلية وألمح إلى أنه يدعم مراجعتها».
ما نقله العرموطي «خبر مهم» يحمل فعلاً صفة العاجل دون غيره من أعضاء الكتلة، والأهم ملاحظة أن مساندة المرجعيات لحديث رئيس الوزراء الدكتور عمر الرزاز أن «إعادة تقييم اتفاقية الغاز» مع الإسرائيليين هي موقف يعلنه العرموطي تحديداً بعد أن أبلغ الأخير «القدس العربي» مباشرة بأن اتفاقية الغاز «عار واحتلال»، وخطر وشر على الدولة والأردنيين، وينبغي التخلص منها.
في أروقة القرار، ينقل الإسلاميون الخبر العاجل بعد ما يتردد بين المسؤولين في الحديث مع الأمريكيين تحديداً، حيث يشار عند الحديث مع طاقم إدارة الرئيس دونالد ترامب إلى أن اتفاقية الغاز مجحفة بحق الأردن، ونتجت عن ضغط مباشر من الإدارة السابقة في الحزب الجمهوري، ومن نائب الرئيس الأسبق عملياً جون بايدن.
بكل حال، بدا لافتاً جداً للنظر أن يتحدث الخطاب الملكي بكل تلك الصراحة مع كتلة تمثل الإخوان المسلمين كان مؤسسها وعميدها غير الإخواني الآن، العكايلة، حتى قبل أيام فقط «العدو الأبرز» لأفراد محددين في الوظيفة الرسمية الأمنية، لأنه جدد الدعوة وعبر «القدس العربي»، وعدة مرات، إلى إعادة «الشراكة بين الإسلاميين والقيادة الهاشمية».
بكل حال، تمكن العكايلة على الأرجح من قول ما يريده، فيما غاب من يناكفه ويحاصره عن المشهد، وتغيرت المعطيات فجأة بحيث يصبح العرموطي دون غيره «ناقل الخبر الأساسي» من لقاء كتلته مع الملك.
تلك ملامح تؤسس لحالة جديدة، بالتأكيد في الأردن، قوامها أن دوائر مركز القرار تريد أن تستمع للإسلاميين دون القول إنها «قد تحتاجهم» فعلاً في المراحل اللاحقة، حيث تأزيم شعبي منقول في حال اندلاع انتفاضة ثالثة، وحيث القدس ومصالح الأردن العليا في ميزان ما تسمى «صفقة القرن».
تلك انعطافة حادة في بوصلة الأردن، وحديثه عن مقاربات وحلول إبداعية يمكن أن يتسرب منها الإخوان المسلمون مجدداً كشركاء بعد سنوات من القطيعة والاستهداف مقابلها سنوات من صمود القرار الرسمي بعيداً عن المسار التحريضي العنيف في معسكر المحور السعودي.
السؤال هو كيف سيستقبل العاهل السعودي مثل تلك الأنباء والمستجدات في الأردن بعد إبلاغ وفدين رسميين مباشرة توجها للرياض برسالة مصافحة وتنسيق ووئام، وقابلا الملك سلمان بن عبد العزيز شخصياً ثم سمعا عبارة توحي بأن «الظروف صعبة على الجميع» وبدون «أي حق أو باطل» على صعيد «مساعدة الأردن»؟