الخليج أونلاين-
من حين إلى آخر، يقوم العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز، ومن خلفه المتحكم الحقيقي في السلطة ولي عهده محمد بن سلمان، باتخاذ قرارات تعيين مفاجئة تخرج باسم "قرارات ملكية"، حيث شهدت المملكة خلال الأربع سنوات الماضية أكثر سجل تعديلات وزارية تقريباً، وهو ما يكشف عن بحث رأس السلطة باستمرار عن الأشخاص الأشد ولاءً لولي العهد.
فقد تسلم حقيبة الخارجية منذ أُسست الوزارة في المملكة عام 1960 حتى عام 2015، ثلاثة وزراء أطولهم مدة كان الوزير الراحل سعود الفيصل الذي كان له بصمة قوية في تاريخ المملكة الدبلوماسي، ثم مع قدوم الملك سلمان تسلم ثلاثة آخرون الوزارة هم الدبلوماسي البارز عادل الجبير (2015)، ثم وزير الاقتصاد السابق (كان ممن اعتقلوا بتهم فساد) إبراهيم العساف (2019)، وأخيراً الأمير فيصل بن فرحان بن عبد الله بن فيصل بن فرحان آل سعود (2019).
فشل دبلوماسي
الغريب أنه رغم التغيير الكبير الذي طرأ على الوزارة التي تمثل خطاب المملكة السياسي خارجياً خلال حكم الملك سلمان وصعود ولده محمد في سلم السلطة، إلا أنها بقيت أسوء فترة في تاريخها، وباتت سمعة الرياض مشوهة عالمياً.
فقد دخلت المملكة في طور جديد من الحكم، خاضت حرباً في اليمن دعماً للحكومة الشرعية في وجه انقلاب جماعة الحوثي وسيطرتهم على العاصمة اليمنية صنعاء عبر تحالف لم يبق به إلا الإمارات (انسحبت جزئياً)، والحرب مستمرة منذ عام 2015 ولم تنتهي حتى اليوم، ما عرض السعودية لسيل من الانتقادات والاتهامات الدولية في انتهاكها لحقوق الإنسان، وتعليق الكثير من الدول تصدير السلاح إليها.
وكذلك مُلأت السجون والمعتقلات السعودية بالدعاة الإصلاحيين والناشطين والناشطات في مجال حقوق الإنسان، والذين تعرضوا للتعذيب الممنهج وتأخير المحاكمات ما دفع منظمات دولية للمطالبة بالإفراج الفوري عنهم وانتقاد انتهاكات المملكة بحقهم.
وجاءت أزمة حصار قطر عام 2017، لتزيد من تراجع مستوى الخارجية السعودية في تهجمها على دولة جارة دون أي سبب مقنع للرأي العام، حيث قادت المملكة بالإضافة للإمارات والبحرين ومصر حصاراً بحرياً وجوياً وبرياً ضد قطر بحجة دعمها للإرهاب، وهو ما نفته الدوحة بشدة، معتبرةً أنه محاولة للتحكم بقرارها السيادي.
بالإضافة لعلاقة السعودية مع إيران التي تخوض معها صراعاً خاسراً على النفوذ في المنطقة، حيث تمكنت طهران من التمدد أكثر في سوريا والعراق ولبنان واليمن في ظل تراجع ملحوظ للمملكة.
والأشد وضوحاً كان ملف التعامل مع أزمة اغتيال الصحفي السعودي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده في إسطنبول في 2 أكتوبر 2018، والذي تسبب بهزة عالمية وأكبر تشويه في صورة المملكة أمام العالم، في ظل تورط فريق تابع لولي العهد بارتكابها، واتهامات مباشرة له بإعطاء الأوامر.
كل ذلك وضع وزير الخارجية في كل مؤتمر دولي يحضره أمام مجموعة من أسئلة الصحفيين الغربيين الذين يلاحقونه من مكان إلى آخر، يسألونه عن قتلى اليمن ومعتقلي السعودية وحصار قطر والعلاقة مع إيران وجريمة خاشقجي، الأمر الذي ساهم في تضييع هيبة الدبلوماسية السعودية لعدم وجود أي أجوبة مقنعة.
يزيد ذلك من الارتباك الذي رافق "الجبير" في أغلب مؤتمراته الصحفية حتى بعد تعيينه وزير دولة، خصوصاً في الفترة بين عامي 2017 و2019، ثم الجمود الذي صاحب إبراهيم العساف لمدة 300 يوم من استلامه للمنصب، حيث لم يظهر إلا نادراً، وهو ما فسره مراقبون لكونه تابعا لفريق الملك، في حين أن بن سلمان يريد أن يستلم رجالاته المنصب.
وزير جديد من دائرة بن سلمان
يوم الأربعاء (23 أكتوبر الجاري) أصدر الملك سلمان أمراً يقضي بتعيين الأمير فيصل بن فرحان آل سعود وزيراً للخارجية، بدلاً من إبراهيم العساف.
والأمير فيصل من مواليد ألمانيا عام 1974، وكان يشغل منصب سفير المملكة لدى ألمانيا منذ شهر فبراير الماضي، ويتحدث الألمانية والإنكليزية بطلاقة، كما شغل منصب كبير المستشارين في السفارة السعودية بواشنطن.
وإلى جانب خبرته الدبلوماسية، لديه تجربة طويلة في شؤون التسليح، وكان عضواً في مجلس إدارة الشركة السعودية للصناعات العسكرية، كما سبق أن تولى رئاسة مشروع مشترك مع شركة "بوينغ" الأمريكية لصناعة الطائرات.
من جانبها، أفادت صحيفة "تاغس شبيغل" الألمانية أن الأمير فيصل مقرب من ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، ولديه خبرة 15 عاماً في مجال التسليح.
لكن الوزير الجديد أثيرت حوله في وقت سابق شبهات بضلوعه في مخطط للإيقاع بجمال خاشقجي عندما كان بن فرحان يعمل مستشاراً في السفارة الأمريكية بواشنطن، حينما أبُلغ الصحفي السعودي بتحويل أوراقه إلى قنصلية بلاده بإسطنبول ليتم اغتياله هناك فيما بعد.
ومع بداية تعيينه سفيراً للمملكة في برلين، أبدت "سيفيم داجديليم" عضو لجنة العلاقات الخارجية في البرلمان الألماني، قلقها من ذلك، قائلةً إن "مجرد الإشارة إلى احتمالات تورطه في قضية مقتل خاشقجي وكونه من الدائرة المقربة من ولي العهد السعودي أمر يبعث على الشك"، بحسب موقع قناة "DW" الألمانية.
وأضافت أن "الأمير فيصل -كعضو في الشركة السعودية القابضة للصناعات العسكرية -سيكون منوطاً به تمهيد الطريق لمزيد من صفقات السلاح بين السعودية وألمانيا".
كما طالبت منظمات حقوقية ألمانية وشخصيات سعودية معارضة مقيمة في برلين، الرئيس الألماني فرانك شتانماير، برفض قبوله لاحتمالية ضلوعه في مخطط قتل خاشقجي، حيث قال "المجهر الأوروبي لقضايا الشرق الأوسط" في ذلك الوقت، إن على " شتانماير" الانتباه "لخطورة قبول تعيين الأمير فيصل وضرورة اتخاذ موقف ينسجم مع مسئولياته القانونية والأخلاقية في رفض هذا التعيين".
من جهته، قال حينها، خالد بن فرحان، الأمير السعودي المعارض والمقيم في ألمانيا، لوكالة "DW"، أن ابن عمه (فيصل) "لا أستبعد مطلقاً أن يكون قد أُرسل إلى ألمانيا من أجل ملاحقة المعارضة ولا أنكر أنني أشعر بالتهديد، فقد أكون أنا المستهدف من تعيينه حتى إذا ما وقع لي مكروه لا تتورط كل الأسرة الحاكمة في الأمر ويبقى الموضوع داخل فرع عائلتنا فقط، خاصة وأنني على قائمة المطلوب اغتيالهم، وقد تعرضت بالفعل لأكثر من محاولة اغتيال واختطاف من قبل".
هل يُصلح الوزير الجديد ما أفسده الآخرون؟
ورغم كل تلك العقبات التي تواجه الوزير الجديد، بسبب الحمل الثقيل الذي خلفه من سبقوه جراء سياسات بن سلمان المتخبطة في الداخل وتعامله غير المفهوم مع المحيط والخارج؛ كان لها الأثر العميق على فشل الدبلوماسية السعودية، إلا أنّ صلاته الغربية ربما تفيد في إصلاح ما أفسده الآخرون، وربما لا.
وفي إطار ذلك، قالت وكالة "رويترز" يوم الخميس (24 أكتوبر) إن "تعيين فيصل بن فرحان آل سعود وزيراً للخارجية جاء في وقت تحاول فيه المملكة تحسين صورتها على الساحة الدولية والاستعداد لتولي رئاسة مجموعة العشرين العام المقبل".
وينضم الأمير فيصل لمجموعة جديدة من كبار الدبلوماسيين السعوديين في الأربعينيات من العمر، منهم سفيرا المملكة ريما بنت بندر آل سعود في واشنطن، وشقيقها خالد بن بندر آل سعود في لندن، وهو ما يؤكد على تقريب بن سلمان لأبناء جيله في مواقع حساسة واعتبارية، وإن كانوا غير أكفاء ولكنهم شديدو الولاء له.
وحول ذلك، يقول نيل كويليام، الباحث في مؤسسة "تشاتام هاوس" البحثية البريطانية: "انظر إلى الفريق الذي يجري تشكيله في واشنطن ولندن والآن وزير الخارجية الجديد.. الترسيخ يزداد ويتولى المهمة الآن طاقم مؤيد للغرب"، وفق المصدر السابق.
يزيد من صلته بالغرب، وبالأخص الولايات المتحدة أنه أكثر الدبلوماسيين السعوديين انتقاداً لإيران في تصريحاته الصحفية، حيث قال تصريح سابق له بسبتمبر الماضي: إنّ "كل الخيارات مطروحة على الطاولة للرد على طهران" في رده على عملية استهداف منشآت أرامكو النفطية التي تبنتها جماعة الحوثيين اليمنية، إلا أن الرياض وواشنطن اتهمتا إيران بالتنفيذ وهو ما نفته الأخيرة.
وقال فيصل بن فرحان لإذاعة "دوتشلاند فونك" الألمانية بعد هجمات أرامكو: "أيّاً كانت الجهة التي انطلق منها الهجوم فإن إيران تقف بالتأكيد وراء ذلك، إذ قامت بتصنيع الصواريخ ولا يمكن إطلاقها دون مساعدة إيرانية".
وأضاف أن "الهجوم الأخير يعتبر هجوماً على الاقتصاد العالمي.. يجب على إيران تحمل المسؤولية وإدراك أنه لا يمكن لها أن تتمادى في عدوانها".
وحول ارتباطه بالسياسة الغربية قالت الخبيرة في شؤون الشرق الأوسط "شينزيا بيانكو" إن الوزير الجديد لديه علاقات "قويّة مع الغرب"، موضحة أن "علاقات الأمير قوية جداً مع حلفاء السعودية التقليديين"، بحسب موقع قناة DW"" الألمانية.
ويرى متابعون للشأن السعودي أن استمرار المملكة بنفس النهج الذي تسير عليه داخلياً وخارجياً، لن يمكن أي وزير خارجية مهما كان متصلاً بالغرب أو دوائر صنع القرار من تغيير صورة الرياض عالمياً، بعد أن شوهها بن سلمان والمقربون منه.