الخليج أونلاين-
تحولات سريعة في سياسات الإمارات تجاه قضايا وملفات عديدة خاصة بالمنطقة، كان أبرزها مع إيران، ضمن لعبة استراتيجية تخوضها أبوظبي وفق تكتيكات مناسبة لكل موقف يخدم استراتيجيتها، متجاهلة حليفتها الرئيسية السعودية، الخصم المباشر لطهران.
الخطوات التي قامت بها أبوظبي، خلال الأشهر القليلة الماضية، برزت مؤخراً بشكل واضح في رسائل غزل متبادلة بين الطرفين، في خطوة تؤكد عمق الحلف الإيراني الإماراتي.
ومن الصعب التكهن بما إن كان هذا "الغزل المتبادل" بين ضفتي الخليج هو انحناءة تكتيكية هدفها تفادي الانزلاق في أتون حرب كبيرة كادت أن تقع خلال الفترة الماضية، أم أنها بداية قناعة متبادلة لدى الطرفين بأن "حرب الإلغاء والتحجيم" لن تصل بأطرافها إلى أي مكان.
غزل إيراني
في 10 نوفمبر 2019، وصفت إيران علاقاتها بدولة الإمارات بـ"الجيدة جداً"، وذلك في ظل تقارب أبوظبي السياسي والتجاري مع طهران، ومطالبتها بضرورة اللجوء للحلول الدبلوماسية وعدم التصعيد.
ونقلت وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية عن قائد قوات حرس الحدود الإيراني، العميد قاسم رضائي، في مؤتمر صحفي قوله: "علاقة إيران بالإمارات جيدة جداً، والدول المجاورة ومنطقة الخليج".
وبين رضائي أن قوات حرس الحدود الإيرانية "عقدت الكثير من الاجتماعات مع نظيرتها الإماراتية، وتوصلنا إلى اتفاقات جيدة للغاية على المستوى الوطني والإقليمي".
ودعا رضائي إلى سحب الأسطول الأمريكي من الخليج العربي، بالتزامن مع دعوة أبوظبي إلى الحوار وعدم التصعيد.
رد من أبوظبي
وفي المقابل رأى وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية، أنور قرقاش، أنّ للحوثيين (المتهمة إيران بدعمهم) دوراً في مستقبل اليمن، مؤكداً أن العلاقات مع إيران تتطلب جهوداً ودبلوماسية قوية للتوصل لاتفاق يخدم المصلحة الإقليمية، وبمشاركة خليجية.
وقال قرقاش خلال كلمة في افتتاح "أعمال ملتقى أبوظبي الاستراتيجي السادس"، الأحد (10 نوفمبر): "التصعيد مع إيران لا يصب في مصلحة أي طرف، ولذلك نأمل من خلال الجهود أن نوجد انفتاحاً لوضع عملية سياسية ذات مغزى، تعمل على معالجة القضايا الأمنية في المنطقة".
وأضاف قرقاش: "دول الخليج يجب أن تكون طرفاً في طاولة المفاوضات مع إيران، ولا بد من تواجد الرؤى المشتركة، لا سيما من الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي؛ لمواجهة الهجمات غير المقبولة التي تؤدي إلى تقويض حل السلام".
وحول الحوثيين الذين يعتبرهم التحالف العربي ذراعاً لإيران، دعا الوزير الإماراتي إلى ضرورة أن يكون لهم دور في مستقبل اليمن، رغم الدمار الذي ألحقوه في اليمن.
أحداث مهدت لتعميق العلاقات
التصريحات المتبادلة الأخيرة لم تكن هي الأولى، لكنها كانت مكملة لتحركات سابقة، حيث رفضت الإمارات، في 26 يونيو 2019، اتهام إيران بالوقوف خلف هجمات استهدفت أربع ناقلات نفط قبالة سواحلها (مايو 2019)، داعية إلى ضرورة خفض حدة التوتر في المنطقة.
ورغم أن الولايات المتحدة والسعودية حمَّلتا إيران علناً المسؤولية عن تلك الهجمات وعن هجوم وقع في وقت لاحق استهدف سفينتين بخليج عُمان، لكن الإمارات تبنّت رواية طهران، ورفضت تحميلها أي مسؤولية عن الهجمات.
وفي بداية أغسطس 2019، وقَّعت إيران والإمارات مذكرة تفاهم لتعزيز التعاون بمجال أمن الحدود البحرية، في خطوةٍ وصفها مراقبون بـ"طعنة في ظهر السعودية"، وسبق ذلك انسحاب الإمارات من اليمن بشكل مفاجئ، رغم أنها القطب الثاني في التحالف الذي شكلته السعودية لإعادة الشرعية إلى البلاد (مارس 2015).
وفي (14 أكتوبر 2019)، تحدثت وسائل إعلام عن زيارة قام بها مستشار الأمن الوطني الإماراتي، طحنون بن زايد آل نهيان، إلى العاصمة الإيرانية طهران، في خطوة لم يُعلن عنها سابقاً.
تحييد الإمارات من الحرب
ويؤكد المحلل السياسي اللبناني محمود علوش، وجود أسباب عديدة تدفع الإماراتيين إلى اتخاذ استراتيجية تصالحية مع إيران؛ أبرزها "قلقهم من تداعيات التوتر في المنطقة على أمنهم بعد الهجمات الإيرانية في الخليج، وتهديد الحوثيين المتكرر بقصف الإمارات".
وأوضح في حديثه لـ"الخليج أونلاين"، أنه توجد خطوات متبادلة بين البلدين كبادرة حسن نية، قائلاً: "الإمارات باتت عملياً خارج التحالف العربي في اليمن، والحوثيون في المقابل يتجنبون استهداف الأراضي الإماراتية".
لكنه رأى أنه "من المبالغة القول إن الخلافات بين إيران والإمارات انتهت؛ لأن أبوظبي تبقى جزءاً من تحالف خليجي أمريكي لمواجهة طهران"، موضحاً: "لكنّ التردد الأمريكي في مواجهة طهران شكّل حافزاً للإماراتيين لاتخاذ بعض الخطوات الفردية لتخفيف التوتر مع الإيرانيين، وهذه الخطوات تحظى بتأييد أمريكي؛ على اعتبار أنها تُساعد ترامب في عدم تصعيد التوتر".
وأشار إلى أن الحد الأقصى الذي يُمكن أن تصل إليه العلاقات الإماراتية الإيرانية هو "الاتفاق على تحييد الإمارات عن لهيب التوتر في الخليج مقابل ابتعاد أبوظبي أكثر عن السعودية في حرب اليمن، وهذا يُشكل مكسباً للجانبين بطبيعة الحال".
وعما إن كانت أبوظبي تنتهج سياستها بمعزل عن الرياض، يقول علوش: "نعم جاءت بمعزل عن السعودية، لكنّها لا تعتبر تهديداً للتحالف بينهما، ولا يُمكن القول إن أبوظبي باتت تنتهج سياسة مخالفة للرياض".
وتابع: "السعودية أيضاً لم تعد متحمّسة للمضي في هذه المواجهة مع إيران؛ بسبب ضبابية الموقف الأمريكي، فضلاً عن أن السعودية تُركز الآن على إنجاح فرص التسوية مع الحوثيين، والدور الإماراتي حالياً يخدم توجهات الأمير محمد بن سلمان، الذي يبحث عن إنهاء الحرب".
ليست وليد اللحظة!
ويرى رئيس "مركز ساس للأبحاث ودراسة السياسات"، عدنان هاشم، أن "هذا التودد والعلاقات الجيدة يأتي استمراراً لمخاوف الإمارات من نزاع إقليمي تكون الطرف المتضرر فيه، وليس وليد اللحظة".
وفي حديثه لـ"الخليج أونلاين" أشار إلى أن تبادل الرسائل الإيجابية بدأ منذ يونيو الماضي، وتزايد خلال الفترات الماضية؛ "حيث ألغت الإمارات القيود على التجار الإيرانيين، ويعبر النفط الإيراني عبر دبي، إلى جانب ذلك فإن هذا التقارب يذهب أبعد إلى ملفات إقليمية؛ في ديسمبر الماضي، أعادت الإمارات فتح سفارتها في دمشق، في اعتراف مبكر بفشل إسقاط النظام السوري".
ويخالف هاشم رأي علوش فيما يتعلق بخلافات السعودية والإمارات في هذا الملف، فيقول: "الخلافات السعودية ستتزايد وسيزيد قُرب الإمارات من الرؤية الإيرانية في اليمن، فالإمارات فعلياً أنهت أي عمليات عسكرية لها ضد الحوثيين بعكس السعودية".
ويرى أن دبي التي تعاني من بوادر أزمة اقتصادية "تضغط لبقاء الاستثمار الإيراني فيها، بعكس العقوبات المفروضة على طهران، ولن يكون أمام أبوظبي من خيار إلا الاستجابة".
كما يشير هاشم إلى أن مبرر حصار قطر بقربها من إيران "أصبح سيئاً، وقد يدفع إلى تقارب سعودي قطري، وهو ما تخشاه أبوظبي".
مصالح مشتركة
ورغم جميع الظروف السياسية التي مرّت بها المنطقة فإن هاتين الدولتين حافظتا قدر الإمكان على طبيعة العلاقة والمصالح المشتركة بينهما على المستوى الاقتصادي.
ويشهد البلدان تعاملات تجارية تقدر بمليارات الدولارات، حيث ترتبط إيران منذ عقود بتعاملات وتبادلات تجارية ضخمة مع الإمارات، وتعود العلاقات بين البلدين إلى فترة استقلال دولة الإمارات، عام 1971.
وخلال العام الفائت 2018، بلغ حجم التجارة غير النفطية بين إيران والإمارات 16.83 مليار دولار في السنة المالية المنتهية في 20 مارس 2018، بارتفاع بلغ 21.18% مقارنة بالعام السابق، وفقاً لإحصائيات إدارة الجمارك الإيرانية.
ووفق تقديرات صادرة عن وزارة الخارجية الإيرانية، يعيش في الإمارات من 400 إلى 500 ألف إيراني، نسبة كبيرة منهم من التجار ورجال الأعمال، في حين نقلت وكالة أنباء فارس عن إحصاءات صادرة عن دائرة الأحوال الإيرانية أن عدد الإيرانيين المقيمين في الإمارات يبلغ 800 ألف نسمة.
وهناك 4 جامعات إيرانية في الإمارات، وما يزيد عن 30 ألف طالب إيراني يتلقون تعليمهم في الإمارات.
وتعتبر حركة الطيران بين البلدين نشطة جداً، إذ توجد 200 رحلة طيران أسبوعية بين الإمارات وإيران، منها 50 رحلة أسبوعية بين طهران ودبي، وفق إحصاءات وزارة الخارجية الإيرانية.