ديفيد هيرست- ميدل إيست آي – ترجمة الخليج الجديد-
كان ولي العهد السعودي الأمير "محمد بن سلمان" مترددا في الاستجابة لمطالب رئيس وزراء إسرائيل "بنيامين نتنياهو" بالموافقة على شن هجوم على إيران عندما التقيا الأحد الماضي في "نيوم"، حسبما قالت مصادر سعودية مطلعة على الاجتماع لموقع "ميدل إيست آي".
وقيل إن إحجام "بن سلمان" كان لسببين؛ أولهما الهجومين الأخيرين على أهداف نفطية سعودية، التي قرأهما "بن سلمان" كرسائل تحذير من إيران أرسلها عبر وكلاء لها. وثانيا، فإن ولي العهد السعودي يشعر بالريبة من رد الولايات المتحدة في ظل الإدارة القادمة للرئيس المنتخب "جو بايدن"، في حال حدوث سلسلة طويلة من الضربات والضربات المضادة، معتقدا أن رد" بايدن" سيتمثل في التراجع قبل التفاوض على اتفاق نووي مع طهران.
وفي الاجتماع الثلاثي الأحد الماضي، لم يلتزم وزير الخارجية الأمريكي المنتهية ولايته "مايك بومبيو" بشن هجوم على منشآت معالجة اليورانيوم الإيرانية، وفقا لما قاله مصدر سعودي مطلع على الاجتماع لموقع "ميدل إيست آي".
وقال المصدر، الذي تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته: "في الاجتماع كان نتنياهو يدعو إلى ضرب إيران، بينما لم يقم بومبيو بتبني أي توجه".
بالنسبة للرياض، لا يزال التهديد بشن هجوم أمريكي على منشآت تخصيب اليورانيوم الإيرانية قائما إلى حد كبير، رغم الدلائل على أن الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته "دونالد ترامب" يبدو مستعدا للاعتراف بخسارة الانتخابات أخيرا.
وفي الأسابيع الأخيرة، تدربت قاذفتان من طراز "بي52" على طلعة جوية من قاعدة في داكوتا الشمالية فوق الخليج، شملت طائرات مقاتلة أمريكية أخرى. ويقوم القائم بأعمال وزير الدفاع "كريستوفر ميلر" حاليا برحلة أخرى إلى الخليج؛ حيث يزور القواعد الجوية الأمريكية في البحرين وقطر، تحت لافتة مشاركة الجنود الأمريكيين في عيد الشكر.
وقال المصدر السعودي إن الهجمات الأخيرة على مواقع في المملكة كانت رسائل من إيران. وكان أحدث هجومين على منشآت نفطية سعودية هما هجوم بصاروخ "قدس 2" أطلقه الحوثيون المدعومون من إيران على خزان نفط في مصنع "أرامكو" شمال جدة، وهجوم باستخدام لغم على ناقلة مملوكة لليونان في ميناء البحر الأحمر.
وكانت الضربة الصاروخية في شمال جدة أكبر هجوم على منشأة "أرامكو" منذ هجمات الطائرات بدون طيار على بقيق وخريص؛ مما أدى إلى خفض إنتاج المملكة من النفط إلى النصف لبضعة أشهر عام 2019.
ونفت الرياض رسميا أن يكون اجتماع الأحد الماضي انعقد بعد أن نشرت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية التفاصيل. وكتب وزير الخارجية السعودي الأمير "فيصل بن فرحان آل سعود" على "تويتر": "لم يحدث مثل هذا الاجتماع". ولم يشر بيان وزارة الخارجية الأمريكية بشأن لقاء "بومبيو" مع ولي العهد في "نيوم" إلى حضور "نتنياهو". وقال البيان إن الطرفين "ناقشا ضرورة وحدة الخليج لمواجهة السلوك العدواني الايراني في المنطقة وضرورة تحقيق حل سياسي للصراع في اليمن".
ولم يعلق مكتب "نتنياهو" على الاجتماع لكن وزير الدفاع الإسرائيلي "بيني جانتس" قال إن "تسريب رحلة رئيس الوزراء السرية إلى السعودية خطوة غير مسؤولة". وتعتبر زيارة "نتنياهو"، التي رافقه فيها رئيس الموساد "يوسي كوهين"، أول اجتماع رفيع المستوى معروف بين زعيم إسرائيلي وزعيم سعودي، بالرغم من التقارير التي تفيد بأن الاثنين التقيا على انفراد في الماضي.
رسائل من طهران
تعد "الرسائل" الإيرانية إلى الرياض، التي تنقلها الهجمات على المنشآت النفطية، جزءا لا يتجزأ من استراتيجية أوسع لإيران. وقد كشف موقع "ميدل إيست آي"، الأسبوع الماضي، أن إيران أرسلت أحد كبار جنرالاتها إلى بغداد لإصدار أوامر للفصائل العراقية المتحالفة بوقف جميع الهجمات حتى يصبح "بايدن" في البيت الأبيض.
وقال قائد كبير لفصيل مسلح شيعي، كان من بين الذين تم إطلاعهم على ما قيل في الاجتماع، لموقع "ميدل إيست آي"، إن قائد "فيلق القدس" الإيراني العميد "إسماعيل قآني" كان واضحا في تعليماته لقادة المليشيات الأربعاء. وأوضح "قآني" أن "ترامب" يريد جر المنطقة إلى حرب مفتوحة قبل مغادرته؛ للانتقام من خصومه بسبب خسارته الانتخابات، وليس من مصلحتنا إعطائه أي مبرر لبدء مثل هذه الحرب.
ووفقا لمصادر "ميدل إيست آي"، تعتقد إيران أن أمر الهجوم الذي أصدره "ترامب" لا يزال يمثل تهديدا وشيكا. ويحاول الإيرانيون إرسال رسالة إلى السعودية بأنها ستدفع ثمن أي شيء يحدث لهم. وقال مصدر إن "بن سلمان يعلم أنه إذا هاجم ترامب الإيرانيين؛ فلن تحصل السعودية على الحماية الأمريكية من بايدن.. إنه الآن متردد في حدوث مثل هذا الشيء في عهد ترامب.. وقد كان ذلك واضحا في الاجتماع".
ووصفت المصادر، التي لديها معرفة مباشرة بأحداث الديوان الملكي السعودي، ولي العهد بأنه "قلق وعصبي للغاية". ويعيش "بن سلمان" أسوأ أيامه منذ أن أصبح وليا للعهد. فهمه الرئيسي هو "بايدن". وقال مصدر ثان إنه يشعر أن هذه الإدارة ستعاديه، ولن تتسامح مع كل ما فعله، من مقتل "جمال خاشقجي"، وسجن الناشطات وإساءة معاملتهن؛ فهو في الحقيقة لا يعرف ماذا يفعل.
إحجام "بن سلمان" عن التطبيع
ضغط "ترامب" وصهره "جاريد كوشنر" و"بومبيو" على ولي العهد السعودي لتطبيع العلاقات مع (إسرائيل)، واستمر هذا الجهد على ما يبدو منذ الانتخابات الأمريكية.
في البداية، حاول "بومبيو" دفع "بن سلمان" إلى لقاء علني مع "نتنياهو" وفي النهاية تم التوصل إلى حل وسط يقضي بأن يكون اللقاء في "نيوم" سريا، لكن تم الاتفاق مسبقا على أن رئيس الوزراء الإسرائيلي قد يسربه. وتم تسريب اجتماع "نيوم" حسب الأصول إلى وسائل الإعلام الإسرائيلية، وظل الرقيب الإسرائيلي، وهو الهيئة الرسمية التي تحظر نشر تقارير عن اتصالات مع دول لا تربطها بها علاقات دبلوماسية، صامتا.
ولا ينبع إحجام ولي العهد عن تطبيع العلاقات مع (إسرائيل) من تعاطفه مع القضية الفلسطينية؛ فهو لا يهتم بالفلسطينيين بل يكرههم. وقال المصدر: "لا توجد خلية واحدة في جسده لديها أي قلق على قضيتهم". ومع ذلك، يعرف "بن سلمان" أنه إذا ضغط من أجل التطبيع الآن؛ فسيتعين أن يحدث هذا تحت اسم والده الملك "سلمان".
وأضاف المصدر: "مثل هذه الخطوة يجب أن تحمل توقيع والده.. وفي أي مرحلة من مراحل الوعي واليقظة العقلية، فإن الملك يعارض ذلك بشدة". وفي ظل هذه الظروف، لن يتم بيع التطبيع بسهولة.
"إرضاء ترامب"
كان "بومبيو" صريحا مع "بن سلمان". فقد أخبر وزير الخارجية الأمريكي الأمير السعودي أنه في ظل إدارة "بايدن" المعادية، لم يتبق سوى اثنين من الحماة في الولايات المتحدة؛ الأول هو اللوبي المؤيد لـ(إسرائيل) والثاني هو التجمع الجمهوري في مجلس الشيوخ. وأخبر "بومبيو" ولي العهد أن عليه إرضاء "ترامب" إذا كان يريد الاستمرار في الاستفادة من الحماية من الإدارة الجديدة.
لقد وعد "بايدن" مرارا وتكرارا بمحاسبة السعودية على انتهاكات حقوق الإنسان، وتعهد بالحد من مبيعات الأسلحة ومعاملة المملكة على أنها "منبوذة". وقال إنه يعتقد أن "بن سلمان" أمر بقتل "خاشقجي" في 2018. كما وعد "بايدن" بما قد يرقى إلى تحول 180 درجة في السياسة تجاه إيران، ورفض سياسة "أقصى ضغط" من خلال العقوبات، فيما ينوي الرجوع مرة أخرى إلى طاولة المفاوضات.
وفي هذا السياق سيرى الكثير من الأعداء الذين خلقهم ولي العهد إدارة "بايدن" باعتبارها حليفة لهم. وسيشمل ذلك بعض كبار الأمراء الذين اعتقلهم واحتجزهم "بن سلمان" مثل ابن عمه الأكبر، ولي العهد السابق "محمد بن نايف"، وعمه الأمير "أحمد بن عبدالعزيز"، الذي عارض "محمد بن سلمان" علنا.
الابن الذي يحتاج والده
لقد أدى وعي ولي العهد بنقاط ضعفه إلى الاعتماد على والده كرئيس صوري أكثر مما كان عليه في الماضي؛ حيث تم دفع الملك "سلمان" خلال الاجتماع الافتراضي لمجموعة العشرين في الرياض، إلى المقدمة، مع غياب "بن سلمان" عن الصورة الرسمية، على عكس الاجتماعات السابقة لمجموعة العشرين التي مثل فيها المملكة.
كما اُستخدم الملك "سلمان" لتجديد العلاقات المتوترة مع الرئيس التركي "رجب طيب أردوغان" من خلال اتصال اقترح فيه أن يجتمع وزيرا خارجية البلدين لحل مسألة مقاطعة المملكة غير الرسمية للبضائع التركية.
وتشهد العلاقات السعودية مع تركيا توترا شديدا منذ عامين منذ أن رفض "أردوغان" التوقف عن الدعوة إلى تحقيق دولي في مقتل "خاشقجي" داخل القنصلية السعودية في إسطنبول. ويعود سبب التودد الذي تقدمه الرياض الآن بشكل أساسي إلى حاجة كل من السعودية وتركيا إلى بعضهما البعض عندما ينفتح "بايدن" على إيران.
من جهة أخرى، تُعتبر الحرب في اليمن من الاهتمامات الرئيسية الأخرى لولي العهد. وقال مصدر لـ"ميدل إيست آي" إن "الاقتصاد ينزف على نطاق أكبر بكثير مما تم الإعلان عنه رسميا بسبب تكاليف العملية العسكرية السعودية في اليمن". وأضاف أن "حليف بن سلمان الرئيسي محمد بن زايد حصل على ما يريد وهو السيطرة على الجنوب، وبقي بن سلمان في حرب حقيقية مع الحوثيين".
ويعاني "بن سلمان"، الذي يشغل أيضا منصب وزير الدفاع، من نقص في القوات على الأرض، واتجه للحصول على الدعم من الرئيس المصري "عبد الفتاح السيسي"، لكن "السيسي" غير راغب في ذلك.
وتشعر مصر أنها تدفع ثمن اعتراف الإماراتيين بـ(إسرائيل). ووفقا للقاهرة، فقد أسس الاعتراف نمطا من الصفقات التجارية أصبحت (إسرائيل) بموجبه بوابة البحر الأبيض المتوسط إلى الخليج، متجاوزة مصر ومفرغة قناة السويس من دورها. وتشمل هذه الصفقات خط أنابيب نفط وخط سكة حديد عالي السرعة وتخطط "جوجل" الآن لمد كابل ألياف بصرية يربط بين السعودية و(إسرائيل)، والذي سيربط أوروبا بالهند. وقال المصدر: "المصريون بدأوا يشعرون بحقيقة ذلك".
وعن ولي العهد السعودي، قال المصدر إنه "قلق للغاية بشأن المستقبل. لقد حدث الاجتماع لأنه مستعد لدفع الثمن، لإرضاء (إسرائيل) وإبقاء ترامب والجمهوريين معه... وبالرغم أنه كان يأمل في أن يصبح ملكا الآن، إلا أنه يدرك حاليا أنه يحتاج إلى والده أكثر من أي وقت مضى".