الخليج أونلاين-
بإعلان قمة العُلا التي عقدت في السعودية مطلع عام 2021 بدأت العلاقات الدبلوماسية بين قطر والدول التي كانت طرفاً في الأزمة الخليجية، بالعودة تدريجياً، مع استمرار الكويت في عملها لإنجاح وساطتها التي قادتها منذ 3 سنوات لإنهاء الأزمة.
وعلى الرغم أن القمة لم تكشف عن أوراق الاتفاق غير المعلنة والسرية، فإن بعض الخلافات ما زالت مستمرة، وتحتاج لمعالجتها، خصوصاً بين دولة قطر ومصر، والتي بدأت بينهما بشكل مبكر منذ عام 2013.
واتفقت قطر ومصر، في 20 يناير 2021، على استئناف العلاقات الدبلوماسية بين الطرفين، لكن خلافات أخرى كانت لا تزال عائقاً، دفعت الكويت لجمع الطرفين في اجتماعٍ للتوصل إلى حلها والمضي نحو استعادة العلاقات وتجاوز الخلافات خلال السنوات الماضية.
اجتماع في الكويت
كانت العاصمة الكويتية على موعدٍ مع استضافة أول اجتماعٍ بين وفدين قطري ومصري، هو الأول من نوعه منذ قمة العلا التي توصلت إلى المصالحة الخليجية بعد أكثر من ثلاث سنوات ونصف على اندلاع الأزمة، والتي كانت القاهرة أحد أطرافها.
وقالت وزارة الخارجية القطرية في بيان (23 فبراير 2021)، إن وفدين رسميين عقدا اجتماعهما الأول لوضع آليات وإجراءات المرحلة المستقبلية بعد بيان قمة العلا بالمملكة العربية السعودية، الصادر في الخامس من يناير 2021".
وأردفت الخارجية القطرية: "ورحب الجانبان بالإجراءات التي اتخذها كلا البلدين بعد التوقيع على بيان العلا كخطوة على مسار بناء الثقة بين البلدين الشقيقين".
وأشارت إلى أن الاجتماع "بحث السبل الكفيلة والإجراءات اللازم اتخاذها بما يعزز مسيرة العمل المشترك والعلاقات الثنائية بين البلدين، وبما يحقق تطلعات شعبيهما في الأمن والاستقرار والتنمية".
أبرز الاتفاق
لم يكشف الجانبان أياً مما تم الاتفاق عليه، لكن وكالة "تاس" الروسية نقلت عن مصادر دبلوماسية في القاهرة قولها إن الطرفين "اتفقا على استئناف عمل البعثتين الدبلوماسيتين على مستوى القائمين بالأعمال قبل تعيين السفير المصري لدى الدوحة والسفير القطري لدى القاهرة".
وأوضحت المصادر أن الطرف المصري عرض خلال محادثات الثلاثاء شروطه وشدد على أولوياته في مسار تسوية العلاقات بين البلدين، ويتمثل أهمها في "عدم التدخل في الشؤون الداخلية لمصر".
ونقلت "تاس" عن مصادرها مع ذلك أن "الدبلوماسية المصرية تعمل على ضمان تطبيق الالتزامات التي تحملتها بهدف إعادة العلاقات الطبيعية بين البلدين".
واستمرت الأزمة الخليجية أكثر من ثلاثة أعوام ونصف العام، تمكنت بعدها الوساطة الكويتية بعد جهود حثيثة من جمع الفرقاء، وإعادة اللُّحمة إلى البيت الخليجي، وسط ترحيب دولي وإقليمي وعربي.
ملفات عديدة أهمها الاقتصاد
يتحدث الكاتب والباحث السياسي المصري ياسر عبد العزيز عن وجود لقاءات سابقة جرت بين الجانبين المصري والقطري عقب القمة في السعودية، مشيراً إلى أن اللقاء في الكويت لم يكن الأول.
ويرى أن زيارة وزير المالية القطري للقاهرة "حمل دلالات ومؤشرات تدور حول أن قطر مستعدة لتمويل النظام المصري، بعدما تخلت عنها الإمارات والسعودية في الفترة الأخيرة، بعد سحب التمويل والدعم بالتدريج".
ويقول لـ"الخليج أونلاين": إن "النقاشات الأخيرة كانت تتعلق بثلاثة محاور؛ الأول بمحور إيران وعلاقة قطر بها، بحيث إن مصر يراد لها أن تنخرط نيابة عن السعودية والإمارات ودول الخليج في الأزمة مع إيران، كما حدث في حرب اليمن مع الحوثيين".
أما الملف الثاني من حيث الأولوية للنظام المصري فهو يراه أنه "ملف الاستثمارات وملف الدعم"، موضحاً: "قطر كان لها وديعة منذ أيام الرئيس الراحل محمد مرسي، وعندما حصل انقلاب 2013 طالبت الدوحة بها وبقي النظام يماطل خمس سنوات أو ستاً وهو يحاول ردها".
ويضيف: "حالياً يحاول النظام المصري سحب القطريين من جديد لتقديم هبات وودائع واستثمارات وقروض، لدفع عجلة الاقتصاد المصري المنهار بطبيعته بعد كميات كبيرة جداً من القروض، وعدم وجود أي ناتج محلي حقيقي".
أما الملف الثالث، الذي يعتبره أقل أهمية، فهو "الخلاف المطروح حول ملف الإخوان والمعارضين المصريين"، مستبعداً أهميته بالنسبة للنظام المصري، إلا أنه يرى أنه يمثل صداعاً للنظام.
ويضيف: "يمكن أن يسبب ملف الإخوان للنظام الصداع مع وصول الرئيس الأمريكي جو بايدن للبيت الأبيض، كون الحزب الديمقراطي معنياً كثيراً بحقوق الإنسان، وسيكون له رواج كثيراً لدى المعارضين"، مجدداً توقعه بأن هذا الملف "لن يكون من أولويات العلاقة بين قطر ومصر".
وتابع: "قطر لن تغامر مرة أخرى كما حدث في 2014 حين طلبت من قيادات الإخوان الرحيل من البلاد، خلال حكم الملك عبدالله بن عبدالعزيز"، مضيفاً: "أعتقد أن هذه المرة لن يحصل مثل هذه الخطوة مرى أخرى، ولن تستغني عن أي ورقة ضغط سواءً مع مصر أو الإمارات أو السعودية".
وعن العلاقات التي حدثت بعد قمة العُلا، يقول عبد العزيز: "العلاقات لم تعد كما كانت من قبل، على الرغم من الحديث عن وجود مصالحة كاملة، لأن هناك توجساً كبيراً جداً ما بين الأطراف كلها، والخطر بالذات الذي كان على قطر والظلم الذي تعرضت له".
ويتابع: "قطر ما زالت متوجسة حتى الآن، ولم تجد ضمانات حقيقية، حتى الإدارة الأمريكية التي رعت قمة العُلا لم تعد موجودة".
ويؤكد قائلاً: "هذه الأوراق التي بيد قطر يجب أن تبقى، ولا أعتقد أن قطر ستسلم هذه الأمور بكل سهولة، إضافة إلى أن العلاقات القطرية المصرية لن تشهد تقارباً كما كانت في عهد مرسي، بل ستشهد تخوفات بين الجانبين، ولا تعاون خلال الفترة القادمة، سواءً على المستوى الخليجي أو القطري المصري".
خطوات من الجانبين
بالتزامن مع انعقاد القمة الخليجية التي عقدت في الـ5 من يناير من العام الجاري، كان وزير المالية القطري علي العمادي، قد وصل إلى العاصمة المصرية القاهرة، على رأس وفد بطائرة خاصة من الدوحة، في زيارة استغرقت ساعات عدة، افتتح خلالها مشروعاً استثمارياً كبيراً.
وأعلنت وزارة الطيران المدني المصرية إعادة فتح الأجواء المصرية أمام الطيران القطري، الثلاثاء 12 يناير 2021، وذلك بعد قرار إغلاق المجال الجوي منذ صيف عام 2017.
وبعدها بأيام قررت وزارة النقل المصرية، في 25 يناير، استئناف أنشطة الشحن والملاحة البحرية بين مصر وقطر؛ في ضوء الالتزامات المتبادلة بين البلدين وعودة العلاقات بينهما.
وأعلنت الخارجية المصرية في بيان، 20 يناير الماضي، الاتفاق مع قطر على استئناف العلاقات الدبلوماسية بينهما، مضيفةً أن تلك الخطوات تأتي في سياق "الخطوات التنفيذية لقمة العلا".
كما سارعت القاهرة إلى الإفراج عن مراسل قناة الجزيرة في 5 فبراير 2020، بعد نحو 4 سنوات على اعتقاله.
الإعلام والإخوان
المحلل السياسي المصري قطب العربي، يعتقد من جانبه أن هذا اللقاء بالكويت "شأنه شأن اللقاء القطري الإماراتي الذي يستهدف بالأساس إعادة بناء الثقة، وفتح مسار الحوار المباشر بين الطرفين ليتم بعد ذلك دون الوساطة الكويتية".
أما الملفات الساخنة بين نظام السيسي ودولة قطر- وفقاً للعربي خلال حديثه لـ"الخليج أونلاين"- فتتركز حول "الملف الإعلامي وملف الإخوان والأمور الاقتصادية"، مشيراً إلى أن الجانب الاقتصادي يبرز "قضية الديون القطرية المستحقة على القاهرة، والاستثمارات القطرية الجديدة".
ويضيف: "أما عن الملف الأول والخاص بالإعلام فقد جرت تمهيدات له بالعفو عن صحفي الجزيرة محمود حسين ووقف هجوم الإعلام المصري على قطر، وبالتأكيد سيطلب النظام المصري من قطر وقف دعمها لبعض القنوات المعارضة"، موضحاً: "لكن هذا الإعلام الذي تعتبره القاهرة مدعوماً من قطر يقابله إعلام مدعوم من الإمارات وكذلك السعودية، أي إن الموقف معقد فلن يستطيع أحد إيقاف طرف إعلامي مع ترك الآخر".
وفيما يتعلق بملف الإخوان، يرى العربي أنه من الأرجح سيطلب النظام المصري "تسليم رموز إخوانية مطلوبة أمنياً أو قضائياً، لكنه سيفاجأ أن هذه الرموز لم تعد مقيمة في قطر، وأما الحديث عن دعم قطري للإرهاب فلن يستطيع النظام المصري تقديم أي أدلة في هذا الشأن الذي يراقبه العالم كله، ولم يكن ليسكت عن شيء من ذلك سواء من قطر أو غيرها".