سياسة وأمن » لقاءات

بأمر من الملك سلمان.. ما وراء الاهتمام السعودي بالتقارب مع العراق؟

في 2021/03/27

الخليج أونلاين-

دعوتان وجههما العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز لرئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي؛ إحداهما بلقاء جرى افتراضياً بين الطرفين، والثانية بحضور شخصي للأخير لزيارة الرياض وعقد لقاءات مع كبار قياداتها.

هذا ما تكشَّف عن لقاء جرى الخميس (25 مارس 2021) عبر الدائرة التلفزيونية، حيث قالت وكالة الأنباء السعودية (واس)، إنه جرى خلاله الاتفاق على تكثيف التعاون والتنسيق بين البلدين، بما يسهم في دعم وتعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة.

الزعيمان أكدا "دور مجلس التنسيق السعودي العراقي بما يخدم مصالح البلدين والشعبين الشقيقين، وأهمية توسيع آفاق التعاون الثنائي وتعزيزه في المجالات المختلفة، لا سيما السياسية والأمنية والتجارية والاستثمارية والسياحية، وذلك استكمالاً للجهود المبذولة والنتائج الإيجابية المتحققة للزيارات المتبادلة للمسؤولين بين البلدين خلال الفترة الماضية".

كما "اتفق الجانبان على تكثيف التعاون والتنسيق، وتبادل وجهات النظر بخصوص المسائل والقضايا التي تهم البلدين على الساحتين الإقليمية والدولية، وبما يسهم في دعم وتعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة، وضرورة إبعادها عن التوترات وأسبابها، والسعي المشترك لإرساء دعائم الأمن والاستقرار".

أيضاً، دعا الملك سلمان، الكاظمي إلى زيارة المملكة في "القريب العاجل"، ولقاء الأمير محمد بن سلمان؛ "لبحث سبل تعزيز العلاقات بين البلدين والشعبين الشقيقين، وبحث الموضوعات كافة ذات الاهتمام المشترك"، بحسب "واس".

وفي اليوم التالي أكدت وسائل الإعلام العراقية، أن الكاظمي سيزور الرياض يوم الأربعاء 31 مارس الجاري، تلبية لدعوة وجهها له العاهل السعودي في أثناء اللقاء الذي جرى بينهما.

ملفات أمنية

العلاقات السعودية العراقية شهدت تحسناً تدريجياً بعد عقود من التوتر، وجرى استئنافها دبلوماسياً في ديسمبر  2015، بعد 25 عاماً من انقطاعها إثر الغزو العراقي للكويت عام 1990.

والتحسن الأبرز في العلاقات جاء عقب زيارة لبغداد، في 25 فبراير 2017، أجراها وزير الخارجية السعودي آنذاك، عادل الجبير.

وفي 21 فبراير، أجرى وزير الداخلية العراقي، عثمان الغانمي، زيارة رسمية للسعودية، أعقبتها بيوم زيارة لوزير الخارجية العراقي فؤاد حسين، تناولت التنسيق الأمني والسياسي بين البلدين.

ومطلع مارس الجاري، أجرى رئيس الأركان السعودي، فياض الرويلي، زيارة رسمية للعراق، بحث خلالها ملفات التنسيق الأمني والعسكري بين البلدين، وفق وكالة الأنباء العراقية الرسمية (واع).

واليوم هناك ملفات أمنية تلقى اهتماماً من البلدين، خاصةً التعاون في مكافحة تنظيم "داعش"، كما تسعى المملكة إلى منع استخدام الأراضي العراقية في أي هجوم عليها من قِبل جماعات مسلّحة مرتبطة بإيران.

اهتمام سعودي

الاهتمام السعودي بتوطيد العلاقات مع العراق بات واضحاً، خاصة في الأشهر القليلة الماضية، ويعتبره مراقبون محاولة من المملكة لتحجيم النفوذ الإيراني داخل العراق.

ووفق المحلل السياسي العراقي الناصر دريد، الذي تحدث لـ"الخليج أونلاين"، فإن الاهتمام السعودي بالعراق بعد عام 2003 يمكن تقسيمه إلى مرحلتين أساسيتين، مشيراً إلى أن المرحلة الأولى تمثلت بـ"مرحلة الإنكار"؛ من خلال "رفض السعودية إلى حد ما، الاعتراف بالتطورات التي حصلت على مستوى النظام السياسي العراقي والفكرة التي تقول إن هناك سيطرة لطائفة معينة في العراق".

وأضاف وهو يشير في حديثه، إلى الطائفة الشيعية، أن السعودية كانت تعالج فكرة سيطرة طائفة معينة على الحكم في العراق "بنوع من الرفض والإنكار والمعاداة إلى حد ما".

لكن بعد ذلك -يقول دريد- "تغيرت النظرة السعودية كثيراً، وتطورت الأمور أكثر وأصبحت الرياض تعي أن من الصعب إعادة عقارب الساعة إلى الوراء، خاصة في مرحلة ما بعد داعش".

المرحلة الثانية -وفقاً للمحلل السياسي العراقي- أن السعودية أدركت "عدم وجود ما يستوجب الربط الطائفي بين طائفة معينة وبلدان معينة، تحديداً الطائفة الشيعية في العراق والنظام الإيراني".

ووصف ما يقال بأن الطائفة "الشيعية" في العراق مرتبطة بإيران، بأنه "إشاعة وليس له أساس من الصحة"، مضيفاً: "شيعة العراق ليسوا تبعاً لإيران، ومرجعية النجف (يتزعمها المرجع علي السيستاني) تمثل صخرة حقيقية أمام تغلغل النفوذ الإيراني في العراق. وأصبحت السعودية تعي ذلك".

وعليه يرى دريد أن الرياض تسعى بكل الوسائل إلى "محاولة جذب أو التحالف" مع كل الأطراف العراقية التي تشعر بأنها بعيدة عن النفوذ الإيراني، مفيداً بأن "هذا هو ما يفسر تقارب الرياض مع رؤساء الوزراء العراقيين بدءاً من حيدر العبادي وعادل عبد المهدي والآن الكاظمي، وتواصلها مع أطراف سياسية معينة مثل مقتدى الصدر والذين تشعر السعودية بأنهم غير تابعين لإيران مثل قوى أخرى سياسية أو مليشيات تابعة للحشد الشعبي وغيرها".

الأطراف التي ذكرها دريد يقول عنها إنها تواجه انفتاحاً من قِبل السعودية "بغض النظر عن قدرة هذه الأطراف فعلاً على مناهضة النفوذ الإيراني الآن".

ويصف "النفوذ الإيراني في العراق" بأنه "حقيقة واقعة لا يمكن تجاوزها أو تجاهلها أو تمنّي زوالها بالأمنيات فقط"، ويتساءل دريد عما إذا كانت الأطراف التي تمد السعودية يدها إليها "قادرة فعلاً على الوقوف بوجه النفوذ الإيراني أم لا؟".

السعودية -بحسب دريد- لا تملك غير الأمل أو السعي من أجل وقف النفوذ الإيراني بالتعاون مع هذه القوى، في حين تشهد حكومة الكاظمي تحديات خطيرة ليس فقط على المستوى الأمني، بل حتى على مستوى السمعة أو المكانة أو الهيبة أمام رئيس الوزراء تحديات غير مسبوقة في تاريخ النظام العراقي بعد 2003.

وتابع: "لم يسبق قط أن استهانت القوى المؤيدة من قِبل إيران، بهذا الشكل المخيف والمضحك في الوقت نفسه، بحكومة عراقية؛ وتأمل السعودية أن تدفع بأسباب القوة بشخص الكاظمي وحكومته؛ لكي يستطيع الوقوف ضد النفوذ الإيراني أو على الأقل ضد نفوذ الجماعات التي تأتمر بأوامر إيران".

لكن دريد لم يخفِ شكوكه في "قدرة الكاظمي" على أداء هذا الدور، لكنه استدرك بأن "السعودية لا تملك وخلفها عدد كبير من دول المنطقة والعالم، إلا أن تمضي في هذا الطريق".

تقارب غير متوازن

العلاقات العراقية السعودية سجلت حراكاً عملياً منذ عام 2018، وكان يفتر ثم ينشط بين وقت وآخر، لكن الإقبال السعودي على العراق هو الأكبر، بحسب ما يقوله لـ"الخليج أونلاين" المحلل السياسي العراقي عثمان المختار.

ويصف المختار التقارب السعودي العراقي بـ"غير المتوازن"، حيث تحاول السعودية أن تقترب إلى العراق أكثر، في وقت تعارض فيه قوى سياسية وفصائل مسلحة تدعمها إيران، هذا التقارب، وفق قوله.

وتبقى مصالح الطرفين سبباً لهذا التقارب -يقول المختار- الذي أشار إلى أنه "في الفترة الأخيرة شاهدنا سعياً سعودياً للاستثمار في زراعة مليون هكتار بالعراق، وحاولت تقديم هِبات ومِنح، من ضمنها مدينة رياضية وإنشاء مرافق طبية لصالح العراقيين بالمدن المنكوبة (من جرّاء المعارك مع داعش 2014-2017).

لكن بطبيعة الحال، هناك ملفات مهمة يتصدرها الملف الأمني الذي يتعلق بالحدود، وفقاً للمختار، الذي أضاف: "السعوديون يشعرون بالقلق من وجود 1800 كم هي حدود بين البلدين غير مسيطر عليها؛ هناك انتشار لمليشيات مسلحة موالية لإيران على هذه الحدود. بعض التقارير تؤكد وجود تهديدات من قِبل هذه المليشيات للسعودية؛ والسعوديون بالتأكيد يحاولون أخذ تعهدات وضمانات من الحكومة العراقية بملف الحدود لتأمينها".

المحلل السياسي العراقي يعتقد أن زيارة الكاظمي القادمة للرياض، والتي سبقتها تفاهمات وزيارات وتواصل لوفود وزارية تبادلها الجانبان خلال الفترة الماضية، قد ينتج عنها "توقيع اتفاقية أمنية تتعلق بالحدود".

لكن مع ذلك، يرى المختار أن مصطفى الكاظمي "لا يعوَّل عليه"؛ لكون حكومته تقود البلاد لفترة انتقالية، كذلك يعتقد أن الكاظمي "مقيد جداً ويتم ابتزازه بملفات سياسية وأمنية واقتصادية"، رغم ذلك "تبقى للزيارة أهميتها".

ولا يخفي المختار وجود مصالح تجارية أيضاً، فالسعوديون -بحسب قوله- يدركون أن السوق العراقية سوق مفتوحة وتكاد تستأثر بها ثلاثة أسواق هي الصينية والإيرانية والتركية، ويحاولون أيضاً أن يجدوا مَنفذاً لهم في هذه السوق، خاصةً "المستثمرين السعوديين".

بشكل عام هناك أيضاً "تبادل منفعة اقتصادية"، لكن يبقى الملف الأمني هو المسيطر على أي حوار بين الجانبين، بحسب المختار.

من جانب آخر فإن العراق الذي يعاني تدهوراً في إنتاج الطاقة الكهربائية، بحاجة إلى ربطه بمنظومة الكهرباء الخليجية، وهذا أيضاً يلقى رفضاً واعتراضات من قِبل أوساط سياسية ومليشيات؛ على اعتبار أن هذا الربط سيغني العراق عن الكهرباء والغاز الإيرانيَّين، وبطبيعة الحال هو "إيعاز إيراني لهذه القوى برفضه"، وفقاً للمختار.