الخليج أونلاين-
تعود العلاقات الكويتية السعودية بالزمن لمواقف تاريخية وروابط ثنائية متميزة على مختلف الأصعدة بين الجارتين الخليجيتين.
وتمكنت الكويت والرياض من إحداث نقلات نوعية في مسيرتهما، خصوصاً بما يتصل بعوامل مشتركة عديدة مثل التاريخ والدين والثقافة والجغرافيا واللغة، بالإضافة إلى الإسهام الحقيقي بكل فاعلية بالحفاظ على الأمن والسلم بمنطقة الخليج.
وفي ضوء هذه الاعتبارات التي تضفي أهمية كبيرة على العلاقات الدبلوماسية والسياسية والاقتصادية، يواصل الجانبان التوجه لعلاقات أقوى في ظل التحديات التي تواجه المنطقة.
علاقات تاريخية
تميزت العلاقات السعودية الكويتية عن غيرها من العلاقات بعمقها التاريخي الكبير، حيث ترجع إلى عام 1891، حينما حل الإمام عبد الرحمن الفيصل آل سعود، ونجله الملك المؤسس عبد العزيز آل سعود، ضيوفاً على الكويت، قُبيل استعادة الملك عبد العزيز الرياض عام 1902.
وأبدى الملك المؤسس حرصاً كبيراً على توثيق علاقاته مع الكويت، حيث زارها عدة مرات حينما كان يعمل على تأسيس دولته في ظل الظروف الصعبة التي واجهها حينها.
وجمعت قيادات البلدين علاقات قوية منذ عقود طويلة، تخللتها مئات الزيارات لكبار المسؤولين والوزراء، الأمر الذي دعم روابط الدم والدين واللغة وتجانس الأسر والمصاهرة وحسن الجوار الممتد لقرون فيما بينهما.
وفي خطوة مهمة، شارك جنود المملكة قوات التحالف في حرب الخليج الثانية إبان الغزو العراقي للكويت، في بداية تسعينيات القرن الماضي.
وأثّرت هذه العلاقة الجيدة بين البلدين على الكثير من الملفات والقضايا العربية والإسلامية، بالإضافة إلى الدولية، خصوصاً في ظل انخراطهما تحت راية مجلس التعاون الخليجي الذي تأسس عام 1981.
وفي ظل ذلك قال وزير الإعلام والثقافة ووزير الدولة لشؤون الشباب الكويتي، عبد الرحمن المطيري: إن "العلاقات الكويتية السعودية التاريخية عميقة، وتشهد ازدهاراً على كافة المستويات الرسمية والشعبية، برعاية كريمة من قيادتي البلدين".
وأضاف في تصريح له مع وكالة الأنباء الكويتية "كونا"، في 6 مايو 2021، عقب لقائه مع نظيره السعودي ماجد القصبي في مكة المكرمة، أن "ما يميز علاقات البلدين الشقيقين الثنائية هو تطابق المواقف تجاه القضايا في المنطقة والعالم، وذلك بفضل التنسيق الدائم بين البلدين، عبر كافة القنوات الرسمية والشعبية".
المصالحة الخليجية
وفي ظل علاقات الكويت الممتازة مع دول الخليج الست، قادت منذ انطلاق الأزمة الخليجية، عام 2017، بين (السعودية والإمارات والبحرين ومعهم مصر) و(قطر) وساطة للحل وبذلت جهوداً مضنية في إقناع جميع الأطراف بضرورة الحوار لإنهاء أكبر أزمة عصفت بمجلس التعاون الخليجي.
وعمل كبار مسؤولي الكويت؛ بدءاً من الأمير الراحل الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، والأمير الحالي الشيخ نواف الأحمد الجابر الصباح، والوزراء والمسؤولين الدبلوماسيين الكويتيين كخلايا نحل مستمرة لإنجاح فرص عودة الأمور لنصابها بين دول مجلس التعاون الخليجي، منطلقين من علاقات الكويت الجيدة مع كل دول العالم، خصوصاً الولايات المتحدة الأمريكية المؤثرة إلى حد بعيد بالملف الخليجي.
وتصدر مشهد العمل على إنهاء ملف الأزمة الخليجية عدة شخصيات كويتية؛ من أبرزهم وزير الخارجية الكويتي الشيخ أحمد الناصر الصباح، والأمين العام لمجلس التعاون الخليجي نايف الحجرف، بالإضافة للعناصر الفاعلة من قطر أو السعودية.
وبعد أكثر من 3 سنوات ونصف على حدوث الأزمة الخليجية، تمكنت جهود الوساطة الكويتية من تحقيق اختراق في جدار الأزمة، لتعقد قمة العلا في الرياض، 5 يناير 2021، معلنة انتهاء الأزمة وانطلاق "المصالحة الخليجية" وعودة الأمور لما كانت عليه في السابق.
زيارة مهمة
وانطلاقاً من هذه العلاقات القائمة بين الجانبين، وما أسهمت به الكويت خلال الفترات السابقة، يبدو أنها في صدد تطوير علاقاتها مع المملكة لمراحل أكبر في المستقبل القريب.
وفي أول زيارة خارجية له منذ تسلمه لولاية العهد، في 7 أكتوبر 2020، بدأ الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح جولة خليجية من العاصمة السعودية الرياض، يوم الثلاثاء 1 يونيو 2021.
ورأس الشيخ مشعل وفداً رسمياً يضم كلاً من وزير النفط وزير التعليم العالي محمد عبد اللطيف الفارس، ووزير الخارجية وزير الدولة لشؤون مجلس الوزراء الشيخ أحمد ناصر المحمد الصباح، ووزير الداخلية الشيخ ثامر علي صباح السالم الصباح، والمستشار بديوان ولي العهد ضاري عبد الله العثمان، وعدداً من كبار المسؤولين.
وتأتي زيارة ولي عهد الكويت (80 عاماً) للمملكة تلبية لدعوة تلقاها من ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز، وفقاً لمصدر دبلوماسي في العاصمة الرياض، بحسب مصدر تحدث لوكالة الأنباء الألمانية (د.ب.أ).
وذكرت وكالة الأنباء الكويتية "كونا" أن ولي العهد السعودي كان في استقبال الشيخ مشعل والوفد المرافق له، قبل أن يعقدا اجتماعاً للتباحث، حيث تسلّم بن سلمان رسالة خطية للملك سلمان من أمير الكويت.
وعن أهمية هذه الزيارة قال وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان، إنه من المتوقع أن تحقق زيارة الشيخ مشعل العديد من الآثار الإيجابية بتعزيز العلاقات السياسية بين الجانبين، وذلك من خلال ارتفاع مستوى التنسيق إلى مستوى القيادتين في البلدين في كثير من القضايا السياسية على مستوى المنطقة.
وأشار إلى أن من أهم تلك القضايا "التنسيق المشترك في المحافل الإقليمية والدولية بما يخدم مصالحهما ويدعم قضايا الأمتين العربية والإسلامية، بما يحقق الأمن والاستقرار في المنطقة، والتنسيق المشترك حيال التهديدات الإيرانية في المنطقة مع الإدارة الأمريكية الجديدة حيال إيران، واستمرار فرض العقوبات الاقتصادية وحظر الأسلحة عليها".
وأوضح بن فرحان أن "المملكة ترتبط مع دولة الكويت بعلاقات وطيدة ممتدة منذ عهد الملك عبد العزيز، مروراً بالعلاقات المتميزة التي تجمع ملوك السعودية وأمراء دولة الكويت".
وسبق أن قال سفير الكويت لدى السعودية الشيخ علي الخالد الجابر، إن زيارة الشيخ مشعل الأحمد إلى المملكة "تاريخية ومهمة؛ كونها أول زيارة لسموه منذ تسلمه منصبه ولياً للعهد".
وأضاف السفير الكويتي: "اختيار ولي العهد للمملكة العربية السعودية كأول دولة يزورها منذ توليه يؤكد المكانة الكبيرة والمهمة للسعودية وما تمثله من أهمية لدولة الكويت"، مشدداً على أن "ذلك يترجم العلاقة الوطيدة والمتينة التي تجمع البلدين الشقيقين"، وفق صحيفة "الراي" الكويتية.
وأفاد بأن "هذه الزيارة تأتي امتداداً للعلاقات الأخوية الوطيدة التي تجمع قيادتي البلدين على مر العصور، وتميزها بالنهج الثابت على التعاون والتكامل في كل المحافل الدولية وعلى كل الأصعدة.
نحو علاقات أقوى
وقال المحلل السياسي سالم الصواف: إن "العلاقات بين الكويت والسعودية تميزت منذ عقود طويلة سبقت تأسيس الدولتين بالتعاون المشترك والتنسيق المستمر في عموم القضايا والملفات المحلية والعربية والدولية".
وأضاف في حديث مع "الخليج أونلاين"، أن الترابط الوثيق بين البلدين "انعكس إيجاباً على الخروج بسياسات متقاربة في معظم الملفات على جميع المستويات"، مبيناً أن زيارة الشيخ مشعل تندرج في إطار تعزيز هذه العلاقات، وبحث قضايا مهمة تهم الطرفين؛ مثل أسواق النفط والطاقة والاقتصاد والتجارة، بالإضافة إلى الاستثمارات المتنوعة.
ويرى الصواف أن "دور الكويت بتحقيق المصالحة (بين دول الخليج) زاد من أسهمها الخليجية، وأصبحت محط احترام مضاعف من جميع الدول؛ لأنها كانت سباقة من الأسابيع الأولى للأزمة الخليجية لإقناع الجميع بإنهاء الخلاف والجلوس على طاولة حوار والتفاهم على الملفات العالقة، واستطاعت النجاح بجدارة".
وأكّد أن "اختيار السعودية كأول جهة بأول زيارة خارجية يحمل دلالات ورسائل على أهمية العلاقات مع الأخت الكبرى (السعودية) وأهمية تطوير العلاقة معها، ودعم التنسيق تحت مظلة مجلس التعاون بين الجانبين، والتحديات التي تواجه المنطقة؛ مثل العلاقة مع إيران، ومباحثات الملف النووي الإيراني مع الولايات المتحدة الأمريكية، بالإضافة إلى الأزمة اليمنية، وما جرى مؤخراً في فلسطين المحتلة".
ولفت الصواف قائلاً: "صحيح أن علاقات الكويت قوية مع الجميع، إلا أنها ترتبط بعلاقات استثنائية مع بعض الدول مثل السعودية وقطر، فهي تجد بالسعودية دولة جارة وكبيرة ومؤثرة بالمنطقة، وتجد بقطر شريكاً استراتيجياً واقتصادياً لديه علاقاته التي لا يمكن الاستغناء عنها".