متابعات-
بدأ وزير الخارجية الجزائري رمطان لعمامرة جولة عربية شملت دولاً خليجية، وذلك تمهيداً للقمة العربية المقرر عقدها في الجزائر، في مارس المقبل، وقد سلّم خلالها رسائل خطية من الرئيس عبد المجيد تبون إلى قادة الخليج.
وقالت وزارة الخارجية الجزائرية، في بيان، إن جولة لعمامرة تهدف لتعزيز التشاور والتنسيق حول القضايا ذات الاهتمام المشترك، خاصة مستجدات الأوضاع على الساحة العربية، وضمان التحضير الجيد للاستحقاقات المقبلة للعمل العربي المشترك.
واستهل لعمامرة جولته بزيارة السعودية، يوم الأربعاء 12 يناير 2022، حيث التقى نظيره السعودي الأمير فيصل بن فرحان، وبحث معه العلاقات الثنائية والمستجدات الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك، وسلّمه رسالة خطيّة من تبون إلى العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز.
كما زار الوزير الجزائري دولة الإمارات، يوم السبت 15 يناير 2022، وسلّم رسالة خطية من الرئيس الجزائري لنظيره الإماراتي الشيخ خليفة بن زايد، وأجرى مباحثات مع نائب رئيس مجلس الوزراء، ووزير شؤون الرئاسة الإماراتية منصور بن زايد، تناولت القمة العربية المرتقبة والأوضاع الإقليمية.
وقالت الخارجية الجزائرية إن المسؤول الإماراتي "أثنى على جهود الجزائر الحثيثة وعلى مقاربتها العقلانية في سبيل توفير شروط نجاح هذ الموعد المهم ولمّ الشمل العربي".
ويوم الاثنين 17 يناير 2021، استقبل الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي الوزير الجزائري، وتسلّم منه رسالة خطيّة من الرئيس تبون، تتعلق بتعزيز العلاقات بين البلدين.
وغادر لعمامرة القاهرة متجهاً إلى الدوحة، حيث التقى أمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد، وسلّمه رسالة خطية مماثلة.
وتكثّف الجزائر اتصالاتها بالدول العربية، سعياً لوضع أرضية تفاهم حول أجندة القمة العربية المقبلة، والسعي لإنجاحها على صعيد المخرجات السياسية، والحرص على ضمان مستوى حضور رفيع في القمة.
ملفات كثيرة يمكن بحثها
وكان الرئيس الجزائري جدد في لقاء مع قناة محلية، نوفمبر 2021، موقفه الداعم لعودة دمشق إلى مقعدها الشاغر في الجامعة العربية، وقال بوضوح إن سوريا ستكون حاضرة في قمة مارس 2022 المرتقبة.
ويتعارض الموقف الجزائري في هذا الصدد مع مواقف دول أخرى مهمة ترفض عودة نظام الأسد إلى الجامعة، وفي مقدمتها السعودية وقطر، اللتان تقولان إن أسباب تجميد عضوية دمشق في الجامعة ما تزال قائمة.
ومن المرجح أن يسعى لعمامرة خلال جولته الأخيرة لإقناع السعوديين والقطريين تحديداً بحضور القمة إلى جانب النظام السوري، حيث إن دولاً مثل مصر والإمارات لا تمانع هذا الأمر، بل وتدفع في اتجاهه بكل قوة وبشكل معلن.
وتبدو الجزائر متمسكة بانعقاد القمة العربية في موعدها، وبمشاركة بشار الأسد أو من ينوب عنه، بعد انقطاع استمر أكثر من عشر سنوات، كما أنها تبذل كل الجهود الممكنة لرفع مستوى الحضور.
لكن المحلل السياسي الكويتي الدكتور عايد المناع، قال إن الهدف الأساسي من جولة لعمامرة هو إيصال الرسائل المتعلقة بالقمة المرتقبة، وربما تشمل اللقاءات مناقشة جدول أعمال القمة، الذي سيكون مزدحماً بالملفات المهمة.
وفي تصريح لـ"الخليج أونلاين"، قال المناع إن من بين الملفات التي قد تناقشها الجولة التمهيدية التي يجريها وزير خارجية الجزائر أزمات سوريا واليمن وليبيا والعراق، إضافة إلى العلاقات العربية مع تركيا وإيران، والخلاف المغربي الجزائري.
وتوقع المناع أن تكون القضية الفلسطينية حاضرة بقوة أيضاً خلال هذه المشاورات التمهيدية للقمة، إلى جانب ملفات مثل مكافحة الإرهاب، ومواجهة الجائحة، وسوق النفط، وقرارات "أوبك +" الخاصة بإنتاج الخام.
كما توقع المناع أن يسعى الوزير الجزائري لإقناع القادة بحضور النظام السوري للقمة المقبلة، لكنه يرى أن دولة قطر تحديداً لن تقبل بهذا الأمر، فضلاً عن السعودية التي تتحفظ على العلاقات السورية الإيرانية رغم حرصها على وحدة سوريا.
وقال المناع: "لو كانت هناك رغبة حقيقية لحضور دمشق لبدأت المشاورات في وقت مبكر جداً، وليس قبل أسابيع من القمة"، مشيراً إلى أن الرياض ربما تبدي مرونة في هذا الجانب مقابل الحصول على تعهد من الأسد بتحجيم علاقاته مع طهران، وهو ما لن يفعله الأسد أبداً.
أما قطر، يقول المناع، فلن تقبل بعودة الأسد أبداً إلى الجامعة؛ "نظراً لعلاقاتها مع بعض الجماعات التي تقاتل ضد النظام، وخصوصاً الإخوان المسلمين".
استعادة الدور
بدأت الجزائر مؤخراً محاولات استعادة دورها على المستوى العربي، حيث بدأت الخوض في العديد من الملفات المهمة على مستوى المنطقة، ومنها قضية فلسطين، والأزمة الليبية، وأزمة سد النهضة الإثيوبي، إضافة إلى الأزمة السورية التي تمثل نقطة خلاف في القمة العربية المرتقبة.
وأولت الجزائر مؤخراً الملف الفلسطيني اهتماماً خاصاً، وذلك على هامش الخلاف المتصاعد بينها وبين المغرب، والذي وصل إلى حد القطيعة الدبلوماسية، أواخر العام الماضي.
واستقبلت الجزائر، الشهر الماضي، الرئيس الفلسطيني محمود عباس، وقالت إنها ستجمع الفرقاء الفلسطينيين على أمل إنهاء الخلاف طويل الأمد بينهم.
وأطلقت الجزائر على القمة القادمة اسم "قمة فلسطين"، وقد رفع لاعبوها علم فلسطين في الدورة الكروية العربية الأخيرة في الدوحة، وأهدوا الكأس لها وللصامدين المقاومين من أهلها في الضفة والقطاع.
جاءت هذه التحركات بعد استقبال المغرب وزير جيش الاحتلال بيني غانتس، ووزير الخارجية يائير لابيد، وتوقيع اتفاقيات أمنية وصفقات أسلحة لتفعيل تطبيع العلاقات.
يبدو هذا التحرك المتصاعد تجاه فلسطين مقدمة لمزيد من التحركات السياسية للحد من النفوذ الإسرائيلي المتزايد جداً في المنطقة خلال الفترة الأخيرة، وهو هدف يصطدم بتحركات أخرى تسعى لتهيئة مزيد من السبل أمام "تل أبيب" للاندماج في المنطقة.
وخلال الأسابيع القليلة الماضية، أطلق الرئيس الجزائري مبادرات لتعزيز توجه بلاده الجديد؛ أبرزها دعوة الفصائل الفلسطينية إلى مؤتمر مصالحة في عاصمة بلاده في أقرب فرصة ممكنة.
كما زار تبون تونس، وقدّم لها مساعدات مالية في حدود 300 مليون دولار؛ لمساعدتها على مواجهة أزمتها المالية الطاحنة، وتمكين حكومتها من دفع رواتب مواطنيها بسبب الأزمة الاقتصادية التي تواجهها حالياً.
ومن المقرر أن يزور الرئيس الجزائري العاصمة المصرية القاهرة، هذا الشهر؛ لتصحيح الخلافات التي طالت العلاقة بين الجانبين بسبب الملف الليبي.
ترتيب للقمة
المحلل السياسي الجزائري الدكتور إدريس عطية يرى أن جولة وزير خارجية الجزائر تأتي في سياق الترتيب للقمة، وإعادة لم الشمل العربي كلياً أو جزئياً، عبر تعزيز قوة القمة المرتقبة.
وفي تصريح لـ"الخليج أونلاين"، قال عطية إن "لم الشمل" هو العنوان الرئيس للقمة، خصوصاً فيما يتعلق بقضية فلسطين، وغيرها من القضايا المحورية في العالم العربي.
ويرى عطية أن الجولة لا تتعلق تحديداً بحشد قبول عربي لحضور النظام السوري، مشيراً إلى أن "الجزائر ستوجه الدعوة لكافة الدول العربية، ومن ضمنها سوريا؛ لكونها دولة مؤسسة للجامعة".
وأعرب المحلل الجزائري عن قناعته بأن العقلية الجزائرية واعية وتتسم بالحنكة، ومن ثم ستعمل على تقريب وجهات النظر في العديد من القضايا دون التصادم، خصوصاً أن السعودية لم تبد مرونة في موضوع عودة سوريا للقمة.
وخلص إلى أن مكافحة الجريمة المنظمة وتعزيز التعاون العربي في القضايا الرئيسية ولم الشمل ستكون هي الهدف الأساسي من الجولة، وذلك في إطار تحرك الجزائر من منطلق عقلاني، وهو أمر تتقاسمه معها مصر والسعودية، حسب قوله.
واعتبر عطية أن التركيز على مسألة حضور سوريا يهدف بالأساس للتشويش على القمة بهدف إفشالها، خصوصاً من قبل دولة الاحتلال التي لا تريد للعرب أن يلتئموا؛ لأن هذا الأمر لا يخدم مصالحهم ولا مصالح دول غربية أخرى.