أشرف كمال - الخليج أونلاين-
دخلت العلاقات القطرية المصرية مرحلة جديدة بعد زيارة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إلى العاصمة الدوحة، وهي الزيارة التي يقول مراقبون إنها تعكس التفاهم الكبير الذي وصل إليه البلدان بعد سنوات من الخلاف.
ووصل السيسي، يوم 13 سبتمبر 2022، إلى العاصمة القطرية في أول زيارة رسمية له للبلد الخليجي منذ توليه السلطة عام 2014، وأجرى مشاورات موسّعة مع أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، وكبار المسؤولين ورجال الأعمال القطريين.
وجاءت الزيارة بعد ثلاثة أشهر من زيارة رسمية أجراها أمير قطر للقاهرة، وعكست حجم التفاهمات التي توصل لها البلدان بعد اتفاق المصالحة الذي جرى توقيعه في مدينة "العلا" السعودية مطلع 2021.
تحولات إقليمية
الرئيس المصري قال في حوار مع وكالة الأنباء القطرية الرسمية إن الزيارة تعكس رغبة البلدين في تعزيز التعاون مستقبلاً، وتؤكد تطور العلاقات خلال الفترة الماضية.
وأكد الرئيس المصري أن ما شهدته الزيارة يعكس التطور الكبير للعلاقات ويؤكد الرغبة في دعم التضامن العربي وتفعيل العمل المشترك من أجل الحفاظ على أمن واستقرار المنطقة التي تواجه تحديات دقيقة في الوقت الراهن.
ولفت إلى أن عدم الاستقرار الإقليمي والدولي يتطلب تكثيف التعاون والتنسيق المشترك بين مصر وقطر، مشيراً إلى أن التعاون الاقتصادي بين البلدين يتصدر اهتمام الجانبين.
لم تكن زيارة السيسي للدوحة وليدة لحظتها ولكنها كانت تتويجاً لعام كامل من المشاورات الثنائية رفيعة المستوى بين البلدين، التي تبلورت في شكل تقارب في عدد من الملفات، وشراكة اقتصادية تتجلّى يوماً بعد يوم.
وكانت الدوحة تعهدت، في مارس من العام الجاري، باستثمار 5 مليارات دولار في مصر، وقالت وزيرة التخطيط المصرية، هالة السعيد، آنذاك إن هذه الاستثمارات تتضمن بيع عدد من الأصول المصرية للجانب القطري.
كما قدّمت قطر وديعة قصيرة الأجل للقاهرة مطلع العام الجاري بقيمة 3 مليارات دولار، وفق ما أعلنه البنك المركزي المصري في أغسطس الماضي.
وخلال الزيارة وقّع البلدان مذكرة تفاهم بين صندوق مصر السيادي للاستثمارات والتنمية وجهاز قطر للاستثمار، وأخرى في مجال الشؤون الاجتماعية، وثالثة في مجال التعاون بين الموانئ المصرية والقطرية.
وقال أمير قطر في حسابه على "تويتر" إن الزيارة "زادت العلاقات القطرية المصرية رسوخاً، وأتاحت لنا بحث سبل تحقيق تطلعات شعبينا الشقيقين في تعزيز تلك العلاقات، وخدمة قضايا أمتينا العربية والإسلامية، ودعم الأمن والسلم والاستقرار في منطقتنا".
تجاوز الخلاف السياسي
بعيداً عن الاقتصاد، تعكس الزيارة تفكيك العديد من الخلافات السياسية التي احتدمت لسنوات بين الجانبين، وفي مقدمتها ملف جماعة الإخوان المسلمين التي تصنفها القاهرة "إرهابية"، وكانت تتهم الدوحة بدعمها.
بعد المصالحة، قال وزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن في لقاء تلفزيوني إن بلاده تدعم خيارات المصريين، وإن السيسي حالياً "يمثل الشرعية المنتخبة في مصر".
يبدو التقارب القطري المصري جزءاً من حراك أوسع في المنطقة يقوم على أساس تنحية الخلافات وعدم تدخل الدول في شؤون غيرها، وعدم دعم نظام سياسي لمعارضة سياسية في مواجهة نظام بلد آخر.
وقد طفت الكثير من التحديات الأمنية والسياسية والاقتصادية على سطح المنطقة والعالم خلال العامين الماضيين، وهي التحديات التي دفعت جميع الحكومات إلى تنحية الخلافات السياسية وتقديم التعاون الاقتصادي على ما عداه.
تمتلك دول المنطقة عموماً الكثير من الإمكانيات والفرص التي يمكن من خلالها توثيق تحالفات اقتصادية تضمن مجابهة العديد من التحديات التي تلوح في الأفق، ومن ضمنها مشكلات الطاقة والغذاء وتغير المناخ، فضلاً عن التحديات الأمنية التي تتزايد يومياً.
وفي سبيل تعزيز التعاون العربي المشترك الذي كان أساساً في اتفاق "العلا"، عملت القاهرة والدوحة على معالجة الخلافات السياسية الأساسية في مقدمتها الخلاف بشأن ليبيا وجماعة الإخوان المسلمين.
فيما يتعلق بالأزمة الليبية، بدأت الحكومة القطرية قبيل زيارة السيسي حراكاً سياسياً لرأب الصدع بين الفرقاء والحيلولة دون تفاقم الخلاف السياسي الذي بدأ يتخذ مظهراً عسكرياً خلال الشهور الستة الماضية.
واستضافت الدوحة هذا الشهر رئيس حكومة الوحدة الوطنية الليبية عبد الحميد الدبيبة وخصمه السياسي رئيس مجلس النواب عقيلة صالح، في محاولة لإيجاد صيغة مشتركة تمضي بالبلاد قدماً نحو الانتخابات المتعثرة التي يُعتقد أنها ستكون بداية نهاية الأزمة المستمرة منذ 11 عاماً.
كما تتشارك قطر ومصر في ملف تثبيت الهدنة بين جيش الاحتلال الإسرائيلي وفصائل المقاومة في قطاع غزة، وهي الهدنة التي كان للبلدين دور كبير في التوصل إليها خلال عدوان مايو 2021.
حجر زاوية في العلاقات
الخبير السياسي والاقتصادي القطري، عبد الله الخاطر، قال في تصريحات لقناة "الحرة" يوم 13 سبتمبر 2022، إن زيارة السيسي للدوحة "تمثل حجر زاوية في العلاقات العربية المشتركة؛ لأنها تستبق اجتماعات القمة المرتقبة بالجزائر في نوفمبر القادم".
وأضاف الخاطر أن الجانب الاقتصادي "يستحوذ على الشق الأكبر من المناقشات بين البلدين"، وأشار إلى "استثمارات قطرية متوقعة في مصر".
وتتنوع الاستثمارات القطرية الحالية في مصر بين قطاعات "البنوك والعقارات والطاقة"، وسيؤدي "تنشيط العلاقات" بين البلدين إلى مضاعفة حجم استثمارات الدوحة في القاهرة والتي يقدر حجمها بنحو 18 مليار دولار.
وكان السفير القطري لدى القاهرة، سالم مبارك آل شافي، شدد على أهمية زيارة السيسي إلى قطر، وقال قبل يومين من الزيارة إنها تعكس زخم العلاقات في وقت يشهد فيه العالم ظروفاً استثنائية.
تعامل مع المخاطر
مدير المركز العربي للبحوث والدراسات في القاهرة، هاني سليمان، قال إن زيارة الرئيس المصري للدوحة تعكس بداية مرحلة مهمة جداً من العلاقات بين البلدين ونهاية لفترة من التوترات.
وفي تصريح لـ"الخليج أونلاين"، قال سليمان: "إننا بصدد بداية مرحلة جديدة من العلاقات على أساس الاحترام المتبادل والبناء على المشتركات وتنسيق المواقف، واستعادة الطبيعة الأساسية للعلاقة بين البلدين".
وأضاف: "العلاقات المصرية القطرية كانت دائماً استراتيجية، ولا يمكن اختصارها في فترة خلاف تعتبر محدودة بالنظر لعمق الصداقة"، معرباً عن اعتقاده بأن العودة إلى ما قبل الخلاف هو التوجه السائد بين الجانبين حالياً.
ولفت سليمان إلى أن الدولة المصرية تسعى منذ مدة إلى تفعيل العمل العربي - العربي، وهو ما يتضح من النشاط الذي شهدته الفترة الأخيرة لتنسيق العلاقات وتقويتها بين عدد من الأطراف، من بينها الأردن والعراق والخليج.
وأشار إلى أن الحراك السياسي الذي تشهده المنطقة حالياً يؤكد قناعتها بأن الترابط والتعاون على أساس وحدة اللغة والهوية والتاريخ والمشتركات يمثل حائط الصد الأقوى في مواجهة التحديات المتزايدة، بعيداً عن الاستقطابات وتغذية الخلاف.
كما أن هذه الخطوات المصرية القطرية تؤكد فرضية وجود حراك عربي جمعي لتعزيز الترابط بين الدول وبعضها، خصوصاً بعدما أخفقت العلاقات مع الولايات المتحدة والغرب في تحقيق الأهداف التي كانت مرجوة منها، وهو ما يعكس أهمية التعاون العربي العربي.
وقال سليمان إن الزيارة تعكس قوة ومركزية النظام السياسي العربي، معرباً عن قناعته بأن الفترة المقبلة ستشهد تنسيقاً عربياً أوسع بشأن قضايا مهمة، في مقدمتها قضية فلسطين، وأزمة سوريا وليبيا، والنفوذ الإيراني، ومواجهة التنظيمات المتطرفة.
وتابع: "أعتقد أننا سنشهد تفاهمات في مجال الإعلام أيضاً، وغالباً سنشهد انفراجة في ملف صحفيي الجزيرة بمصر كجزء من هذه التفاهمات".
وخلص إلى أن زيارة السيسي لقطر تؤكد أن التعاون العربي العربي أقوى من أي خلافات، وأنها تعكس نجاحاً مصرياً قطرياً في تجاوز الخلافات، ومحاولة البناء على المشتركات، والمضي قدماً نحو تحقيق التكامل السياسي والاقتصادي في مرحلة تاريخية دقيقة.