سياسة وأمن » لقاءات

زيارة الرئيس الصيني للسعودية.. الأهداف والتوقعات

في 2022/12/07

متابعات- 

بدأ الرئيس الصيني "شي جين بينغ" الأربعاء، زيارة إلى السعودية هي الأولى له منذ 2016 ويُتوقّع أن تتركّز على تعزيز التقارب الاقتصادي والدبلوماسي بين العملاق الآسيوي والدول العربية.

تأتي الزيارة في مرحلة حساسة في العلاقات الأمريكية السعودية، مما يشير إلى تصميم الرياض على الإبحار في نظام عالمي مستقطب، بغض النظر عن رغبات حلفائها الغربيين.

وأعلن الإعلام الرسمي الصيني ثم السعودي وصول "شي" إلى الرياض، حيث كان في استقباله في مطار الملك خالد الدولي، أمير منطقة الرياض "فيصل بن بندر بن عبدالعزيز" ووزير الخارجية الأمير "فيصل بن فرحان".

وسيعقد الرئيس الصيني خلال الزيارة التي تستمر حتى الجمعة، لقاءات مع العاهل السعودي الملك "سلمان بن عبدالعزيز"، ونجله ولي العهد الأمير "محمد بن سلمان"، على أن يشارك أيضا في قمتين خليجية - صينية، وعربية - صينية، يحضرهما قادة دول المنطقة.

وقالت وزارة الخارجية الصينية الأربعاء، إن برنامج "شي" مثّل "أكبر نشاط دبلوماسي على نطاق واسع بين الصين والعالم العربي منذ تأسيس جمهورية الصين الشعبية".

وحسب وكالة الأنباء السعودية، تأتي الزيارة بدعوةٍ من الملك "سلمان"، وتعزيزاً للعلاقات التاريخية والشراكة الاستراتيجية المتميزة التي تجمع البلدين.

وخلال القمتين مع الزعماء العرب، ستُناقش "سبل تعزيز العلاقات المشتركة في كافة المجالات، وبحث آفاق التعاون الاقتصادي والتنموي"، وذلك "انطلاقاً من العلاقات المتميزة التي تربط دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية والدول العربية" مع الصين، وفقا للوكالة.

فيما أعلنت الامانة العامة لمجلس التعاون الخليجي، أن القمة الخليجية-الصينية ستعقد الجمعة، فيما أكدّ الأمين العام للمجلس "نايف الحجرف" في بيان على "أهمية العلاقات الخليجية – الصينية، حيث تعد الصين الشريك التجاري الأول لدول مجلس التعاون".

والشهر الماضي، قال القنصل الصيني العام في دبي "لي شيوي هانغ" في تصريحات نُشرت على موقع القنصلية، إن الزيارة "حدث كبير لتحسين العلاقات الصينية العربية، وعلامة بارزة في تاريخ العلاقات الصينية العربية".

ويقول المحلّل السعودي المقرّب من الحكومة "علي الشهابي"، إن الزيارة تعكس "علاقات أعمق تطوّرت في السنوات الأخيرة" بين البلدين.

ويتابع: "الصين بصفتها أكبر مستورد للنفط السعودي، شريك مهم للغاية والعلاقات العسكرية تتطوّر بقوة"، مضيفا أنه "يتوقع توقيع عدد من الاتفاقات".

ومن المقرر توقيع اتفاقات مبدئية بـ110 مليارات ريال (أكثر من 29 مليار دولار) خلال الزيارة، وفق الوكالة.

والسعودية هي أكبر مصدّر للنفط في العالم، والصين هي أكبر مستورد للخام، وتشتري ما يقرب من ربع الشحنات السعودية.

ويركز الأمير "بن سلمان" على تنفيذ خطة التنويع الخاصة بـ"رؤية 2030" لإنهاء اعتماد الاقتصاد على النفط من خلال إنشاء صناعات جديدة، من بينها تصنيع السيارات والأسلحة وكذلك الخدمات اللوجستية، على الرغم من أن الاستثمار الأجنبي المباشر يتسم بالبطء.

واحتلت الصين مركز الشريك التجاري الأول للمملكة لآخر 5 سنوات، إذ كانت الوجهة الأولى لصادرات المملكة ووارداتها الخارجية منذ العام 2018، حيث بلغ حجم التجارة البينية 309 مليارات ريال (82.2 مليار دولار) في العام 2021، بزيادة قدرها 39% عن العام 2020.

كما بلغ إجمالي حجم الصادرات السعودية إلى الصين 192 مليار ريال (51.07 مليار دولار)، منها صادرات غير نفطية بقيمة 41 مليار ريال (10.91 مليارات ولار).

وبلغت قيمة الاستثمارات السعودية في الصين 8.6 مليارات ريال (2.29 مليار دولار)، وجاءت المملكة في المرتبة 12 في ترتيب الدول المستثمرة في الصين حتى نهاية العام 2019، في المقابل بلغت قيمة الاستثمارات الصينية في المملكة 29 مليار ريال (7.71 مليارات دولار) بنهاية العام 2021.

وتسعى المملكة إلى بناء شراكة استراتيجية تدعم التجارة والاستثمار مع الجانب الصيني، إذ جاءت كأكبر الدول العربية استقبالاً للاستثمارات الصينية خلال تلك الفترة بنحو 39.9 مليار دولار.

وأبدت 15 ‏شركة صينية مؤخراً رغبتها في الاستثمار في المملكة، والدخول في مشاريع التخصيص لعدد من القطاعات الحكومية، إضافة إلى مشاريع البنية التحتية.

يتوقّع محللون أن يناقش قادة البلدين الصفقات المحتملة التي يمكن أن تشهد انخراط الشركات الصينية بشكل أعمق في المشاريع الضخمة التي تعتبر محورية في رؤية الأمير بن سلمان لتنويع الاقتصاد السعودي بعيدًا عن النفط.

وتستثمر السعودية بشكل كبير في البنية التحتية الجديدة والمشاريع العملاقة في السياحة والمبادرات مثل منطقة "نيوم" التي تبلغ تكلفتها 500 مليار دولار، فيما يمثل ربحا كبيرا لشركات البناء الصينية.

بالإضافة إلى ذلك، يقول "توربورن سولتفات" من مؤسسة "فيريسك مابليكروفت" الاستشارية، إنه "من المحتمل أن يكون النفط على رأس جدول الأعمال أكثر مما كان عليه عندما زار بايدن المملكة"، مضيفا: "هذان هما اللاعبان الأكثر أهمية في سوق النفط".

فيما ذكرت صحيفة "وول ستريت جورنال"، في مارس/آذار، أن الرياض تدرس تسعير بعض عقودها النفطية باليوان بعد تداولها حصريًا بالدولار لعقود، لكن رئيس شركة "أرامكو" وصف التقرير بأنه عبارة عن "تكهنات".

مع ذلك، فإنّ تبني علاقات أوثق مع الصين لا يعني أن السعودية تريد خفض مستوى شراكتها مع الولايات المتحدة.

فحتى في ذروة التصريحات الصاخبة حول خفض إنتاج النفط في أكتوبر/تشرين الأول، حين تحدّث "بايدن" عن "عواقب"، شدّد المسؤولون السعوديون على أهمية علاقاتهم مع واشنطن.

ويقول المحللون إنه في الوقت الذي تتعاون فيه الصين والسعودية في مبيعات الأسلحة وإنتاجها، لا تستطيع بكين توفير الضمانات الأمنية التي دعمت الشراكة الأمريكية السعودية، منذ بدايتها في نهاية الحرب العالمية الثانية.

وتأتي زيارة "شي" في وقت تراجعت فيه العلاقات بين الولايات المتحدة والسعودية إلى أدنى مستوياتها ومع تأثير الغموض على أسواق الطاقة العالمية بسبب فرض الغرب حد أقصى لأسعار النفط الروسي، وفي الوقت الذي تتابع فيه واشنطن بقلق تنامي نفوذ الصين في الشرق الأوسط.

كما تشهد العلاقات الأمريكية السعودية توترا بالفعل بسبب حقوق الإنسان، والحرب اليمنية التي تقود فيها الرياض تحالفا عسكريا، وقد زادت توترا خلال حكم إدارة الرئيس "جو بايدن" بسبب حرب أوكرانيا وسياسة "أوبك+" النفطية.

توعد "بايدن" بعواقب بالنسبة للرياض بعد خطوة "أوبك+" بشأن الإنتاج، ولكن واشنطن أكدت بعد ذلك دعمها لأمن المملكة مع تشديد المسؤولين الأمريكيين على "الميزة النسبية" للولايات المتحدة في بناء هياكل دفاعية متكاملة في الخليج.

يقول رئيس قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مجموعة أوراسيا "أيهم كامل"، إن "الرياض تعمل وفق حسابات استراتيجية لا بد وأن تستوعب بكين لأنها الآن شريك اقتصادي لا غنى عنه".

ويضيف إنه على الرغم من أن الولايات المتحدة لا تزال الشريك المفضل لدول الخليج التي تعتمد عليها لأمنها، فقد بدأت الرياض تضع سياسة خارجية تخدم تحولها الاقتصادي الوطني مع ابتعاد العالم عن الهيدروكربونات، شريان الحياة للسعودية.

ويتابع "كامل": "هناك بالتأكيد خطر أن يؤدي تعزيز العلاقات مع الصين إلى نتائج عكسية وإلى مزيد من الانقسام في العلاقات الأمريكية السعودية... لكن ولي العهد السعودي لا يقوم بالتأكيد بذلك بدافع الحقد".

وعاد الأمير "بن سلمان" إلى الساحة العالمية بعد مقتل الصحفي "جمال خاشقجي" عام 2018، الذي ألقى بظلاله على العلاقات بين الرياض وواشنطن، وأبدى تحديا في مواجهة غضب الولايات المتحدة بشأن سياسة الطاقة التي تنتهجها المملكة والضغط من واشنطن للمساعدة في عزل روسيا.

يقول "جوناثان فولتون" من "أتلانتك كاونسل"، إن الأمير "محمد" يريد أن يثبت لمؤيديه في الداخل أن الرياض مهمة للعديد من القوى العالمية.

ويضيف: "ربما يشير إلى الولايات المتحدة أيضا ولكنه... مهتم بشكل أكبر بما يراه الناس داخل المملكة".

وأمام ذلك، يتوقع دبلوماسيون في المنطقة، أن "شي" سيحظى باستقبال فخم على غرار ما حدث مع الرئيس السابق "دونالد ترامب" عندما زار المملكة في عام 2017، وعلى النقيض من الزيارة غير الملائمة التي قام بها "بايدن" في يوليو/تموز، والتي كانت تهدف إلى إصلاح العلاقات مع الرياض.

يقول المتحدث باسم الأمن القومي الأمريكي "جون كيربي"، إن واشنطن تريد التأكد من أن علاقتها "الاستراتيجية" مع الرياض تحقق "أفضل مصالحنا".

وامتنع المسؤولون الأمريكيون عن التعليق عندما سئلوا عن العلاقات السعودية الصينية قبل زيارة "شي"، بيد أن متحدث باسم الخارجية الأمريكية (رفض كشف هويته)، يقول إن الولايات المتحدة "لديها علاقة مع الصين، وكذلك حلفاؤنا وشركاؤنا في جميع أنحاء العالم".

ويضيف: "لا يحق لنا أن نقول كيف يجب أن تبدو العلاقة الثنائية بين أي دولتين عندما لا تكون الولايات المتحدة من بين هذين البلدين".

ويتابع أن "النقطة التي أوضحناها باستمرار على مدار هذه الإدارة هي أننا لا نسأل دولا حول العالم أن تختار بين الولايات المتحدة وجمهورية الصين الشعبية".

ويشير المتحدث إلى أن "الدول ستتخذ قراراتها السيادية بشأن سياستها الخارجية وعلاقاتها وشراكاتها وتحالفاتها.. هدفنا هو منح البلدان في جميع أنحاء العالم خيارا وجعل اختيار الولايات المتحدة وما نطرحه على الطاولة الخيار الأكثر جاذبية من بين كل الخيارات المتوفرة".

ويشدد المتحدث على أن "الولايات المتحدة تبقى ملتزمة بشدة بالأمن في الشرق الأوسط وأن ميزتنا النسبية في بناء التحالفات والشراكات ودمج الهياكل الدفاعية لا مثيل لها".

فيما يقول "جون ألترمان" مدير برنامج الشرق الأوسط في مركز واشنطن للدراسات الاستراتيجية والدولية، إنه على الرغم من أن العلاقات السعودية مع الصين تنمو "بسرعة أكبر بكثير" من العلاقات مع الولايات المتحدة إلا أن العلاقات الفعلية ليست مماثلة.

ويتابع أن "العلاقات مع الصين تتضاءل مقارنة بالعلاقات مع الولايات المتحدة من حيث التعقيد والألفة".

وكان الرئيس الصيني الذي ثبّته الحزب الشيوعي الصيني في أكتوبر/تشرين الأول الماضي في منصبه لفترة ثالثة كأمين عام له، زار المملكة عام 2016.

كما زار ولي العهد السعودي، الصين والتقى الرئيس الصيني في جولة آسيوية في عام 2019، قبل عام من انتشار جائحة "كورونا".