يوسف حمود - الخليج أونلاين-
تتسارع التطورات في اتجاه حلحلة كافة الملفات العالقة بين السعودية وإيران، وتبرز على وجه الخصوص آثار التفاهم الأخير الذي جرى في مارس الماضي، من خلال الزيارات المتبادلة بين مسؤولي البلدين.
وتشكل زيارة وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان إلى الرياض، نقطة تحول في العلاقات الإيرانية - السعودية، والإيرانية - الخليجية، وربما حملت ترجمة عملية لنتائج تطبيع العلاقات الدبلوماسية والسياسية بين القوتين الإقليميتين.
وأنهى الاتفاق الإيراني السعودي، بوساطة الصين، سبع سنوات من القطيعة الدبلوماسية، وجاءت عملية السلام متسارعة وسط حديثٍ عن دور محوري إقليمي للجانبين خلال الفترة القادمة، فما الذي ستنتجه هذه التقاربات، وإلى أي مدى ستنمو؟
عبد اللهيان في الرياض
لا تنفصل زيارة وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان إلى الرياض (17 - 18 أغسطس 2023)، عن النتائج التي أفضى إليها الاتفاق الإيراني السعودي، فهي زيارة ضمن خطوات تبادل الثقة بين الجانبين لاستكمال جميع الملفات العالقة بينهما.
ويعد عبد اللهيان أكبر مسؤول إيراني يزور الرياض منذ الأزمة بين البلدين عام 2016، حيث عقد لقاءات مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، ووزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان، ومسؤولين سعوديين، كما زار سفارة بلاده التي فتحت أبوابها، في يونيو الماضي.
ووفق وكالة الأنباء السعودية "واس"، استقبل ولي العهد الوزير الإيراني (18 أغسطس)، واستعرضا العلاقات بين البلدين، و"الفرص المستقبلية للتعاون وسبل تطويرها".
كما نوقشت تطورات الأوضاع على الساحتين الإقليمية والدولية، والجهود المبذولة تجاهها"، وفق الوكالة.
ونقلت قناة "الجزيرة الإخبارية" عن وزير الخارجية الإيراني قوله إنه أجرى مع ولي العهد السعودي مباحثات صريحة ومفيدة ومثمرة بناء على حسن الجوار.
وقال عبد اللهيان إن هناك اتفاقاً في وجهات النظر بين إيران والسعودية على أن الأمن والتنمية في المنطقة للجميع.
تأكيد للتعاون
وفي مؤتمر صحفي (17 أغسطس) أعلن وزير خارجية السعودية فيصل بن فرحان استئناف بعثات المملكة وإيران أعمالها ومباشرة سفيري البلدين مهامهما، فيما قال عبد اللهيان إن المحادثات بين الجانبين ناجحة.
وبينما قال بن فرحان: إن "المملكة تأمل في زيارة من الرئيس الإيراني (إبراهيم رئيسي) تلبية لدعوة من العاهل السعودي (الملك سلمان بن عبد العزيز)"، أشار عبد اللهيان إلى أن زيارة رئيسي "ستحدث قريباً"، مؤكداً بالوقت ذاته اتفاق وجهات النظر بين الجانبين على تفعيل الاتفاقيات الأساسية.
وأوضح أنه أجرى مباحثات مثمرة في الرياض، مشيداً بدور المملكة في المنطقة، مضيفاً: "بإمكاننا العمل مع السعودية لحل الموضوعات العالقة بالمنطقة فوراً".
بدوره أشار بن فرحان إلى أن بلاده "حريصة على بحث سبل تفعيل الاتفاقيات الخاصة بالجوانب الأمنية والتشاور والتنسيق مع إيران".
لكن الأبرز خلال هذه الزيارة ما نشرته وسائل إعلام ونشطاء لمقطع فيديو للوزير الإيراني خلال المؤتمر الصحفي المشترك مع نظيره السعودي، حين وصف الخليج العربي بـ"الفارسي"، حيث قال: "استمراراً للمحادثات السابقة بيني وبين المسؤولين ورؤساء دول الجوار في جنوب الخليج الفارسي، طرحت فكرة إجراء الحوار والتعاون الإقليمي، وطرحت هذه الفكرة مع زميلي فيصل بن فرحان".
وهذا الوصف يثير جدلاً بين إيران ودول الخليج العربية، التي تعتمد اسم "الخليج العربي"، وترفض التسمية التي تطلقها إيران، وقد يصبح أحد الملفات العالقة وذات حساسية بين الجانبين.
ملفات عالقة
وقد تصطدم لغة التفاؤل في حديث الوزيرين بقضايا شائكة وملفات معقدة قد تُهدد مستقبل وطموح العلاقات بين البلدين، لعل أبرزها ملفات الحرب في اليمن وسوريا، وغيرها من دول المنطقة.
وحتى الآن لا يزال ملف اليمن عالقاً مع استمرار التهديدات الحوثية باستهداف السعودية، وسط محاولات عُمانية لإحياء وساطة كانت قد بدأت بها في أبريل الماضي؛ لإنهاء أكبر أزمة يعيشها اليمن.
وإلى جانب ذلك فإن تسليح إيران للحوثيين لا يزال مستمراً مع إعلان واشنطن والحكومة اليمنية، في مايو الماضي، ضبط سفن وقوارب تنقل أسلحة للمليشيا، على الرغم مما كشفته صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية، في مارس الماضي، من أن إيران وافقت على وقف شحنات الأسلحة السرية إلى حلفائها الحوثيين في اليمن كجزء من صفقة الوساطة.
وفي سوريا، وعلى الرغم من تطبيع السعودية العلاقات مع نظام بشار الأسد، فإن تعيين سفير لها في دمشق تأخر عما كان محدداً سابقاً، حيث أرجعت وسائل إعلام سورية معارضة سبب ذلك إلى ضغوطات أمريكية.
وإلى جانب ذلك فإن ملكية حقل "الدرة" النفطي أصبحت نقطة توتر مؤخراً بين الجانبين، حيث تؤكد الرياض والكويت أن الملكية المشتركة لهذه الثروة الطبيعية تنتمي لهما حصراً، في حين تقول إيران إن ترسيم الحدود ينبغي أن يتم خارج إطار القوانين الدولية المعترف بها.
مكملة للاتفاقية
يعتقد الأكاديمي المختص في العلاقات الدولية وشؤون الخليج والشرق الأوسط د. عبد الله باعبود، أن هذه الزيارة "كانت مهمة ومكملة للاتفاقية التي تمت بين الجانبين برعاية صينية".
وأشار "باعبود" في حديثه لـ"الخليج أونلاين" إلى أن الاتفاقية نصت على "تفعيل الاتفاقيات التي وقعت في مجالات تعاون مختلفة، وعملية تبادل السفراء، إضافة إلى اللقاءات والزيارات بين المسؤولين في البلدين، وكانت الزيارة في إطارها".
ويؤكد أن السعودية حالياً "تركز بشكل رئيسي على حل الخلافات في الجانب الأمني، إضافة إلى الخلافات المتصلة بالطرفين في منطقة الخليج كحرب اليمن وموضوع ملف سوريا، وغير ذلك من الملفات".
ويضيف: "هذه الزيارة مهمة وتعمل على تعميق وتوسيع الاتفاقيات والعلاقات وتوطيدها أكثر"، مرجعاً أهميتها أيضاً إلى "وجود لغط لدى كثيرين في أن الاتفاقية كانت على ورق فقط، ولذلك فإن الزيارة إثبات عملي أن الطرفين جادان في الوصول إلى تفعيل الاتفاقية وحل الخلافات".
ويرى أن ذلك "لا يعني حل الخلافات بشكل كامل؛ لأن بعضها سيبقى دون حل"، مستدركاً بقوله: "لكن يبقى الحوار وتبادل المصالح وتحجيم بعض هذه الخلافات مهماً، ويمكن حلها خلال فترات مستقبلية".
وفيما يتعلق بالجدل حول تصريحات عبد اللهيان عن "الخليج الفارسي"، يقول باعبود: "هذا الأمر خارج إطار الحوار بين البلدين، لأن اسم الخليج الفارسي هو الاسم المعترف به لدى إيران، وأما دول الخليج ففيها جدل حول هذا الأمر".
وأضاف: "مؤخراً أصبح كثيرون يستخدمون اسم الخليج بدلاً من الخليج العربي، لكن بالنسبة للإيرانيين طبيعي أنهم اعتادوا على هذا الاسم، ولن يؤثر ذلك على الحوار، وسيبقى تأثيره عند الرأي العام الشعبي ومواقع التواصل الاجتماعي، خصوصاً أن دولاً كثيرة، منها أمريكا وأوروبا، أصبت مؤخراً تستخدم اسم الخليج الفارسي بدلاً من الخليج العربي".
اتفاق الجانبين
كانت طهران والرياض قد قطعتا علاقاتهما عام 2016 بعد هجوم متظاهرين في إيران على البعثات الدبلوماسية السعودية، على خلفية إعدام رجل دين سعودي بارز، واستمرت حتى العام 2021.
وخلال سنتي 2021 و2022، عقدت السعودية وإيران حوارات متعددة في العاصمتين العراقية والعُمانية بغداد ومسقط، إلا أن اللافت أن إعلان الاتفاق السعودي الإيراني حدث في بكين بوساطة صينية، وكان مفاجئاً لكثير من الأطراف السياسية، حيث جاء بلا مقدمات واضحة.
ركز الاتفاق على "تأكيد الطرفين على سيادة كل منهما، وعدم التدخل في شؤونه الداخلية، وتعزيز السلم والأمن الإقليمي والدولي".
كما أكد "بدء تفعيل اتفاقية التعاون الأمني بين البلدين الموقعة سنة 2001، والاتفاقية العامة للتعاون في مجال الاقتصاد والتجارة والاستثمار والتقنية والعلوم والثقافة والرياضة والشباب الموقّعة سنة 1998".
وعقب الاتفاقية، عقدت عدة لقاءات مختلفة، أبرزها بين وزيري خارجية البلدين في بكين، في أول لقاء بين أكبر مسؤولي البلدين منذ أزمة 2016، كما زار وزير الخارجية السعودي طهران والتقى بالرئيس الإيراني.
كما أعلن الجانبان تعيين سفراء لهما، وبدء استئناف عمل السفارتين، حيث أعلنت طهران بدء عمل سفارتها، في يونيو الماضي، في حين أعلنت الرياض فتح سفارتها، مطلع أغسطس الجاري.