شؤون خليجية -
ما أبعاد التغلغل الإماراتي في دول ومؤسسات كبرى نافذة ومهيمنة على عملية صناعة القرارات المصيرية لمستقبل الشرق الأوسط ودول الخليج؟، وهل يستهدف الاستحواذ على إدارة أهم الملفات الإقليمية والتسويات المتعلقة بها، وذلك محاولة من أبوظبي لمواجهة النفوذ السعودي بالمنطقة؟، تساؤلات متزايدة ومطروحة بقوة في ظل تحليلات تشير إلى محاولة أبو ظبي منافسة الرياض بشكل مستتر خرج أحيانًا للعلن، حيث لديها رغبة في تصدر المشهد السياسي والعسكري عبر شبكة مصالح واسعة ومؤثرة ظهرت بملفات حيوية، أهمها اليمن وليبيا.
دوائر صنع القرار
يرى مراقبون أن الإمارات سعت في السنوات الأخيرة، إلى تسويق نفسها لدى واشنطن ولندن والأمم المتحدة كشريك أساسي في مواجهة الإرهاب وداعش، ودعمت الانقلاب المصري ونظام السيسي والانقلاب في ليبيا بدعم اللواء المتقاعد خليفة حفتر، لتسويق نفسها لدى الغرب بقدرتها على إعادة رسم التوازنات الإقليمية وخارطتها السياسية بما يخدم المصالح الغربية الدولية، تحت شعار محاربتها للإسلام السياسي المعتدل وثورات الربيع العربي التي جاءت برموزه لسدة الحكم، ولذلك عرقلت تقدم حزب الإصلاح اليمني المنتمي لجماعة الإخوان المسلمين في اليمن، الأمر الذي زاد من الفجوة، وولد تضاربًا في المصالح بين أبو ظبي والرياض حول شكل الدولة وأطرافها الفاعلة.
فيما يرى محللون أن العلاقات الإماراتية الإيرانية والإماراتية المصرية انعكست على موقف الإمارات من النظام السوري حيث خفت دعمها العملي والحقيقي للسعودية في مواجهة بشار الأسد.
تغلغل إماراتي؟
هناك عدد من المؤشرات تدل على أن الإمارات تسعى لمنافسة السعودية دوليًا وإقليمًا من خلال أرواق ضغط وتغلغل اللوبي الإماراتي، لخلق مناطق نفوذ تؤثر على صناع القرار النافذين، للهيمنة على مستقبل المنطقة وإعادة رسم حدودها وأنظمة الحكم فيها عبر ذرائع مختلفة وعبر لغة المال والصفقات، حيث كشف تقرير صحفي بريطاني، أمس الأول الثلاثاء، أن وزراء بريطانيين شكلوا وحدة سرية لتسهيل وصول دولة الإمارات إلى النخبة السياسية في المملكة المتحدة، ولتسهيل الحصول على صفقات الأراضي الرئيسية والمؤسسات العالمية الشهيرة في الأوساط الأكاديمية، وقطاع خدمات الصحة.
وقالت صحيفة "الغارديان" في تقريرها، إن الفريق الذي تم تشكيله في صيف عام 2013 لصالح الإمارات، يتكون من 10 من كبار المسؤولين، ويطلق عليه مشروع «فالكون»، بهدف ضمان أن الدولة الخليجية سوف تنفق أموالها في بريطانيا.
وأنشئت «فالكون» بهدف التعامل مع الاستثمارات غير العسكرية، وكان يشرف عليها في البداية بول دايتون وزير الخزانة في حكومة المحافظين، ويديرها مايكل بويد مدير عام في الخدمة المدنية، ولم يتم إشهار تعاملاتها مطلقًا. ولكن، وبعد طلبات مكثفة من جانب صحيفة "الغارديان" للكشف عن المعلومات والتحدث إلى المصادر الرئيسية في الحكومة، توصلت الصحيفة للمرة الأولى إلى المعلومات التالية:
ـ قام مسؤولو وحدة «فالكون» واللورد دايتون بإعداد قائمة عرض منسقة من المشاريع، التي ينتظر عرضها على صندوق استثمار أبو ظبي التابع لولي العهد الشيخ محمد بن زايد، خلال اجتماع سري استثنائي في يوليو 2013 مع توني بلير، رئيس الوزراء البريطاني السابق، الذي كان يعمل كأحد موظفي جماعات الضغط في لندن.
ـ تدخلت الحكومة البريطانية حين قامت إحدى أكبر الجامعات في لندن بإثارة أزمة، على إثر تشكيكها في تبرع بقيمة 6 ملايين جنيه إسترليني من قبل دولة الإمارات.
ـ حافظ مجلس بلدية مانشستر على سرية التفاصيل الخاصة بالطريقة التي بها نقلت ملكية أراضي عامة إلى شركة يتم التحكم بها من خلال شقيق ولي عهد أبو ظبي.
يأتي ذلك بعد إعلان صحيفة «الغارديان» الأسبوع الماضي، أن دولة الإمارات كانت هددت بمنع صفقات للأسلحة بقيمة مليار جنيه مع المملكة المتحدة ووقف الاستثمار وقطع التعاون الاستخباراتي، إذا لم يقم رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون بالتحرك ضد جماعة الإخوان المسلمين بعد توليها للسلطة في مصر. كما وعدت أبوظبي بتقديم صفقات أسلحة مربحة وصفقات نفطية للشركات البريطانية إذا تم التحرك ضد الجماعة.
وذكرت الصحيفة أنه في الوقت الذي كانت تجري خلاله الاجتماعات السرية مع توني بلير في عام 2013، كان بلير يعمل كمبعوث للسلام في الشرق الأوسط، وفي الوقت نفسه كان يعمل لحساب دولة الإمارات.
يأتي التهديد الإماراتي ضد بريطانيا في توقيت شديد الحساسية، ويعكس تضاربًا في المصالح والاتجاهات بين أبو ظبي والرياض، حيث توقع مراقبون اتجاه السعودية لرأب الصدع في العلاقة مع الإخوان المسلمين، لأن الصراع معهم ولد آثارًا كارثية على الأمن القومي السعودي والخليجي، بسبب تمدد المشروع الإيراني الشيعي في سوريا واليمن واستقطابه لمصر أيضًا، بل أصبحت القاهرة مهددة بسيناريو الحرب الأهلية في حال استمرار نظام السيسي الانقلابي، بما يهدد الأمن القومي العربي والخليجي، في المقابل تسعي الإمارات للعكس وتهدد بريطانيا لاتخاذ خطوات ضد الإخوان، بل وتحشد لذلك في أمريكا أيضا.
فهناك خلاف بارز بين الإمارات والسعودية في موقفهما من نِظام السيسي والإخوان المسلمين ودورهما في المستقبل، ويعزز ذلك حملات هجومية للإعلام المصري على النظام السعودي، ثمَّ محاولات دائمة لتحسين صورة الإمارات أكثر من غيرها، بينما يرى محللون أن السعودية تنظر للسيسي بأنه يحاول ابتزازها ويتضارب مع مصالحها في سوريا واليمن.
شراء النفوذ
شراء النفوذ الغربي والدولي هدف إماراتي دائم، حقيقة كشفها تقرير لصحيفة "ديلي ميل" في 19 أكتوبر 2015، عن طبيعة شبكة العلاقات التي تربط حكام دولة الإمارات ورئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون وبعض المقربين منه، بصورة دفعت الحكومة البريطانية إلى تحديد سياساتها في بعض المناطق بما يتماشى مع علاقاتها مع حكام الإمارات.
وقالت الصحيفة: إن "دولة الإمارات تملك نظام حكم استبدادي فاق نظراءه في الظلم والقمع والاستبداد". فدولة كالإمارات تتميز بعائدات نفطية هائلة وناطحات سحاب حديثة ومراكز تسوق ضخمة، بالإضافة إلى ثروة ضخمة تتركز في يد مجموعة محدودة من الأشخاص استطاعت أن تشتري النفوذ والسلطة في أوروبا، وخاصة في دولة كبريطانيا. لكن الصحيفة كشفت مدى التأثير الذي تمكنت الإمارات من إحداثه خلال الفترة الماضية.
الإمارات تهيمن
للتأثير على الملف الليبي ومحاولة فرض وجهة النظر الإماراتية داخل الأمم المتحدة، كشفت تقارير عن علاقة بين الإمارات والمبعوث الأممي لليبيا برنارد ليون، حيث اتهمت صحيفة "الغارديان" البريطانية في 4 نوفمبر الجاري "الإمارات باستخدام ليبيا ساحة حرب بالوكالة ضد الإسلاميين، كما عرضت على المبعوث الأممي برنارد ليون راتبًا يوميًا مقداره ألف جنيه إسترليني"، وتقول "الغارديان" في تقرير أعده رانديب راميشن: "إن المبعوث الأممي سيحصل على راتب شهري مقداره 35 ألف جنيه إسترليني لتدريب الدبلوماسيين الإماراتيين، ودعم السياسة الخارجية الإماراتية".
وتعد الساحة الليبية ساحة خلاف "إماراتي - مصري – سعودي"، فالإمارات تدعم الجنرال خليفة حفتر في ليبيا، وبينما كانت مصر ذراعها الأقوى لهذا الأمر، رفضت السعودية هذا التدخل رفضًا تامًا، بحسب مراقبين، ثم بدأت مصر والإمارات قصفًا جويًّا لبعض المناطق التي تُعَادِي الجنرال حفتر. في مراحل متقدِّمة بدأت مشكلات أخرى في الظهور عندما استقبلت مصر– أثناء زيارة السيسي للسعودية– وفدًا من الحوثيين (أعداء السعودية التاريخيين).
الموقف الثالث الذي تتفق فيه مصر (إلى حدٍ ما) مع الإمارات في مواجهة السعودية، هو الموقف من النِّظام السوري، وطبيعة الخلاف مع إيران. حيث إنَّ مصر قد تورطت في تحركات في ليبيا وتدعم بقاء الأسد في السُّلطة، لكنَّها لم تُحاول أن تُوقِفَ الزحف الإيراني في المنطقة، حسب مراقبين. ما يبدو أنَّ العلاقة بين السعودية والإمارات تتأثر كذلك بدور الإمارات الإقليمي.
في اليمن هناك مؤشرات على وجود تنافس على إدارة الملف اليمني والتسويات النهائية، وبخاصة ملف دور حزب الإصلاح اليمني الإسلامي وقياداته النافذة داخل هيكل المقاومة اليمنية الشعبية، وملف تقسيم اليمن، حيث يرى مراقبون أن دولة الإمارات تسعى إلى توسيع خارطة نفوذها في اليمن، بعدما باتت واحدة من أهم القوى المؤثرة في الساحة السياسية العربية والإقليمية، بفضل حضورها القوي الذي لعبته في العمليات العسكرية التي يشنها التحالف العربي، ضد الحوثيين المدعومين من إيران وقوات الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح، كذلك دورها في عملية حفظ الأمن في عدن وتطبيع الأوضاع الأمنية.
ليس تنافسًا سياسيًا فقط، بل واقتصادي عبر الإشراف على كثير من مصالح اليمن الاقتصادية، خصوصًا الموانئ، والثروة السمكية، وجزيرة سقطرى، وغيرها من المشاريع ذوات العائد المادي الكبير للإمارات.
في الوقت نفسه يرى محللون أن الخلاف الظاهر بين الإمارات والسعودية قد يكون من قبيل توزيع الأدوار، وليس صراعًا حقيقيًا، لأن السعودية دولة خليجية مركزية ولا يستطيع أحد منافستها أو الخروج عن قرارها النهائي.