سياسة وأمن » اتفاقيات

مخرجات الاتفاق الأمني السعودي الأمريكي المرتقب

في 2024/06/01

مزهر جبر الساعدي - القدس العربي- 

الاتفاق الأمني المرتقب بين السعودية وأمريكا، والمتوقع الاتفاق على إبرامه خلال أسابيع، أو ربما أشهر على أبعد احتمال، من دون أن تكون دولة الاحتلال الإسرائيلي طرفا فيه، تم الإعلان عن أن محاوره قيد النقاش. ومن أهم وأبرز هذه المحاور كما أعلنت الصحافة الأمريكية والإسرائيلية عنها؛ ان تعمل الولايات المتحدة الأمريكية أو تساعد السعودية على توطين برنامج نووي سعودي للأغراض السلمية، كما أُعلِنَ عن بعض البنود الأخرى، التي لا تزال قيد النقاش، ولم تعلن تلك الصحافة عنها.

أسئلة كثيرة؛ تدور حول هذا الاتفاق المفترض، أهمها؛ هل سيفتح الباب أمام التطبيع مع دولة الاحتلال الإسرائيلي؟ خصوصا وقد رافق هذه التسريبات الصحافية القصدية؛ تصريحات المسؤولين السعوديين؛ من أن السعودية تريد ان يكون العمل جديا وموثوقا؛ بشأن الحوار لإقامة دولة فلسطين.

من اللافت للانتباه، أن هناك الكثير من الأسئلة، والكثير من التنبؤات؛ لما يخطط، ربما خلف الأبواب المغلقة، فيما يخص الأوضاع في المنطقة العربية وفي جوارها وقضية فلسطين، وهل ستصاحب هذه التطورات عملية تطبيع العلاقة بين أمريكا وسوريا، وبالتالي أو بالنتيجة بين سوريا ودول المنطقة العربية. فقد لوحظ مؤخرا تخفيف الضغط الأمريكي على سوريا، التي لم تحرك ساكنا حول ما يجري في غزة من إبادة، تقوم بها دولة الاحتلال الإسرائيلي. وهل التطبيع مع سوريا سيشكل بداية لفك الارتباط بين سوريا وإيران؟ وما هو موقف روسيا من هذه التطورات؟ وهل سيجري كل ذلك بموافقتها ومباركتها؟ من المؤكد أن هناك طبخات يجري إعدادها في مطابخ السياسة الأمريكية والنظام الرسمي العربي؛ تستهدف تغيير شكل المنطقة العربية، وربما وفي حدود معلومة، إحدى دول الجوار، أي إيران على وجه التحديد. (لذا فإن إيران ستسرع عملية صناعتها للقنبلة النووية. وهذا موضوع آخر له حديث آخر).

تصفية القضية الفلسطينية؛ لا بد منها؛ لإتمام هذا التغيير الجاري، أو الجاري العمل عليه منذ (الربيع العربي) في المنطقة العربية، التي زلزل كيانها هذا الربيع، الذي حُرف عن خط وهدف شروعه، بالأفعال الأمريكية والغربية والعربية.. في السياسية كل شيء جائز، خصوصا عند غياب الإرادة العربية، أو شراكتها في المخطط الأمريكي والإسرائيلي.

عندما تغيب الإرادة العربية عن مفاعيل الأحداث وتطوراتها واتجاه حركتها، والأمرّ أن تلك الإرادة تدفع في اتجاه هذه المشاريع حفاظا على كراسيها من الاهتزاز والسقوط. وإذا ما وسعنا دائرة النظر لتشمل كل المراكز الدولية والإقليمية الفاعلة في المشهد السياسي في المنطقة العربية وفي جوارها، وفي قضية العرب المركزية، لتشمل روسيا والصين وإيران وتركيا. يبرز لدينا السؤال التالي: ما الذي يمنع القوى الدولية والإقليمية هذه في ظل الغياب الكامل للإرادة العربية، التي تتبع خطوات الراعي والحامي الأمريكي، في مخطط قد يكون؛ رُسِمَ، وتم التوافق والاتفاق عليه، من ان تساوم وتقايض أمريكا وغيرها على حساب المصلحة العربية والفلسطينية؛ لضمان مصالحها في المنطقة العربية وحتى في جوارها، وما أقصده هنا الصين وروسيا. هذه المساومات والمقايضات واردة جدا في ظل عالم يسود فيه صراع المصالح والنفوذ.

في الحرب الباردة التي كان الصراع فيها بين الاتحاد السوفييتي وأمريكا على أشده في أكثر من مكان؛ وكاد أن يصل إلى الصدام بين العملاقين النوويين في خليج الخنازير عام 1961، لتحدث كارثة في العالم، لكن في اللحظة الأخيرة جرى الاتفاق واحتواء الصراع ومنعه من بلوغ حافة الهاوية، هذا الصراع المحتدم في وقته؛ لم يمنع أن تتم المساومة والمقايضة مصلحيا بينهما على حساب مصالح الشعوب في أكثر من مكان في العالم. لقد وصل هذا الأمر بهما، على أن يتفقا وأن يضعا خرائط لمصالحهما يجب على كل منهما عدم الاقتراب منها. الأمر ذاته ينطبق على كل من إيران وتركيا لناحية المساومات والمقايضات، إنما بدرجة أقل كثيرا، لأنهما ستتبعان خطوات القوى الدولية العظمى، بمعنى أن القوى الدولية ستحفظ لهما مصالحهما على حساب المصالح العربية والفلسطينية. ولو أن إيران، سيتم اللعب معها، حسب الرؤية المستقبلية الأمريكية في التعامل التكتيكي، إلى أن يتم إنضاج الداخل الإيراني لتغيير النظام، ويدرك المسؤولون الايرانيون هذه الحقيقة، ويعملون بجد ونشاط على مجابهة هذه المشاريع. هذا في رأيي؛ ما تخطط له أمريكا للتعامل مع إيران النظام الإسلامي، لكن الواقع ربما يأتي بما لا تشتهيه سفن التكتيكات الأمريكية.

أما الأوضاع في سوريا والسودان وليبيا واليمن، فهي مضطربة وغير مستقرة وتعاني من الانقسامات والتشظي، وهناك دول عربية أخرى تعاني من المشكلة نفسها لكن بدرجة أقل، وحتى في فلسطين حيث الانقسام واضح جدا. هذه الاضطرابات والتشظيات وضياع خريطة الطريق، لا يمكن عزلها عن أهداف الفاعل الدولي والإقليمي، بل هي في صميم هذه الأوضاع. إن كلا من الصين وروسيا تربطهما علاقات وثيقة جدا في الاقتصاد والسياسة، وفي المال والأعمال وحتى في التكنولوجيات الرقمية والعسكرية المتقدمة؛ والأخيرة حصريا، في العلاقة بين الصين ودولة الاحتلال الإسرائيلي. أما سوريا فإن الاتصال بينها وبين أمريكا؛ له أجندة وأهداف تعمل أمريكا عليها، وأولها ترتيب ما، بين سوريا ودولة الاحتلال الإسرائيلي، التي ليس من السهولة أن تقدم عليها سوريا، من دون ضوء أخضر روسي، فسوريا ترتبط مع روسيا بمعاهدة حماية أمدها 49 عاما قابلة للتجديد. وبالعودة إلى الاتفاق الأمني الأمريكي السعودي المرتقب، الذي يجري البحث في بنوده بين الشريكين الأمريكي والسعودي؛ ربما يقود او ينتج عنه تطبيع السعودية مع دولة الاحتلال الإسرائيلي (وإن بشرط حل القضية الفلسطينية). إن توسعة خريطة التطبيع هذه إن صارت واقعا سوف تقود الى تمييع القضية الفلسطينية، كما أنها ستجعل دولة الاحتلال الإسرائيلي أكثر عنصرية وعنجهية، وتبتعد عن أي حوار حول حل الدولتين.. إن مواجهة هذه التطورات المفترضة عربيا وفلسطينيا، وبالذات قوى الجهاد والنضال العربي والفلسطيني؛ يجب ان تبدأ من الآن، قبل ان يكون لها وجود على ارض الواقع، وقبل توسعتها لجروح النضال الفلسطيني.