رأي الوطن العمانية-
تتكامل أشكال التدمير في المجتمعات العربية والإسلامية لبعثرتها عبر هجمات متوالية ومتنوعة، منها ما يستهدف البناء الإنساني بصورة كلية، ومنها ما يستهدف الهوية وطمسها، ومنها ما يستهدف الثقافة والقيم والمبادئ والأخلاق والتسامح واحتضان الآخر والاعتراف به، ومظاهر المروءة الإنسانية، ومنها ما يمس العقيدة والممارسات الدينية، ومحاولة النيل من ذلك بغرس بدائل مضادة لها كالتغريب والتطرف والغلو والإرهاب والعنف، وإقصاء الآخر، والكفر بالأوطان وقيم الولاء والانتماء، وتمضي عملية التدمير والهدم هذه مع نسق من التضليل والاختلاط وإشباع الشباب العربي والمسلم بثقافات مغايرة، وتقديمها في صور جاذبة وخادعة في الوقت ذاته، تجعله منجذبًا ومنساقًا إليها، ليبدأ مرحلة الاقتناع ومن ثم المقارنة مع ثقافته وهويته لتبدأ معها عملية الانسلاخ التدريجي، فيبقى الشاب مسلوب الوعي الوطني والقومي ومُقادًا إلى مجاهل ومناطق متداخلة للثقافات المغايرة.
“إعلان مسقط” الذي اعتمده وزراء الثقافة بدول العالم الإسلامي في ختام مؤتمرهم أمس الأول في دورته التاسعة التي استضافتها السلطنة في الفترة من الـ2-4 من نوفمبر الجاري تحت شعار “نحو ثقافة وسطية تنموية للنهوض بالمجتمعات الإسلامية”، جاء ملامسًا للواقع الذي تعاني فيه الدول العربية والإسلامية من مهددات حقيقية تمس هويتها وثقافتها ومعتقداتها بما فيها رسالة الإسلام بصورة خاصة، في عملية استهداف واضحة وممنهجة، حيث شخص الإعلان داء العصر وأعراضه ووصف له الدواء من خلال وثيقة الخطوط العريضة لمشروع خطة العمل للنهوض بدور الوساطة الثقافية في العالم الإسلامي، ودعوة الإيسيسكو بالتنسيق مع الأمانة العامة لمنظمة التعاون الإسلامي إلى التعريف بهذه الخطة داخل الدول الأعضاء وخارجها، وتفعيل هذه الخطة عبر تخصيص عدد من الأنشطة والبرامج الثقافية لقضايا الوساطة الثقافية في الدول الأعضاء، ولفائدة المراكز الثقافية خارج العالم الإسلامي، إضافة إلى دعوة الدول الأعضاء إلى تعزيز الاهتمام بالوساطة الثقافية في تدبير الشأن الثقافي، وخاصة داخل القطاعات الحكومية ذات الصلة، وفي المؤسسات الجامعية والتشريعات ومدونات الشغل ذات الصلة بالمهن الثقافية الجديدة المتعلقة بالوساطة، ودعوة الدول الأعضاء إلى توجيه الأنشطة والبرامج لفائدة المرأة والشباب من أجل تعزيز قيم الحوار بين الثقافات واحترام التنوع الثقافي، والاهتمام بالموارد البشرية وقطاع التقنية والاتصال، وتغليب المصلحة العليا للأمة الإسلامية، وتقوية عناصر الوحدة الثقافية الإسلامية بين شعوبها، والعمل على حلِّ الخلافات الناشبة في بعض دولها بشكل سلمي يحفظ سلامة كياناتها وكرامة أبنائها، ويسهم في تقوية الوشائج بينها وفي حفظ الأمن والسلم الدوليين، ويحقق التنمية الشاملة المستدامة في بلدانها، واعتماد الحوار والوساطة الثقافية في التقريب بين أتباع الأديان والثقافات، وفي تحقيق السلم العالمي، وفي دعم التنمية الشاملة المستدامة، وفي معالجة أسباب العنف والتطرف والإرهاب من خلال الحوار واعتماد الحلول العملية البديلة، واتخاذ جميع الإجراءات التنفيذية الكفيلة بإعادة إدماج الشباب المغـرَّر بهم في المجتمع، حتى يقوموا بواجبهم في خدمته، ويساهموا في النهوض به.
لا ريب أن “إعلان مسقط” بمضامينه يمثل وصفة علاج ناجع للراهن الثقافي والسياسي والاجتماعي والديني والأمني إذا ما نفذت وطبقت بكل مسؤولية وأمانة وتجرد؛ لأن من شأنها أن تنظف بداية البيئات الحاضنة لمظاهر الهدم والتدمير الفكري والثقافي والديني في المجتمعات العربية والإسلامية، وتحصن مناخات البشر من أي هجمات خارجية أو حتى داخلية تقودها شرائح وتنظيمات في الداخل العربي وفي العالم الإسلامي لها وظيفتها التبريرية لتلك المظاهر، وتقودها كذلك شلة من مدَّعي الثقافة والرأي السياسي لهم اصطفافهم المباشر في الترويج للإرهاب والاستعمار بطريقة التحليل الكاذب.
والحق، أن ثمة عوائق كثيرة تحول دون اندماج المسلمين اليوم وجعلتهم أشتاتًا، سواء في مجتمعاتهم أو في المجتمعات الغربية جراء تطرف الخطاب الديني والسياسي وانحرافه، وترافقه مع حملات لتشويه العقيدة الإسلامية والإساءة للمسلمين، واتهام الإسلام بالإرهاب والتطرف والعنف وإقصاء الآخر، ولذلك لا بد من تجديد الخطاب الديني والسياسي، والقضاء على الفكر المأفون الإقصائي، مع إعداد وتنفيذ خطط التنمية الشاملة والاهتمام بالموارد البشرية واحتضان الشباب وتبني أفكارهم وآرائهم.