كينيث كاتزمان - منتدى الخليج الدولي- ترجمة شادي خليفة -
لم تكن العلاقات الدفاعية الأمريكية مع دول مجلس التعاون الخليجي (المملكة العربية السعودية، الكويت، الإمارات العربية المتحدة، قطر، البحرين، سلطنة عمان) عميقة بالقدر الذي كانت عليه طوال الثلاثة عقود الأخيرة.
ومنذ نشأتها، تطورت تلك العلاقات بالعديد من الطرق غير المقصودة، التي لم تكن متناغمة دائما مع مصالح الولايات المتحدة.
وقبل غزو "صدام حسين" للكويت عام 1990، كان التعاون بين الولايات المتحدة ومجلس التعاون الخليجي محدودا وغير رسمي، ولكنه أصبح أكثر حدة وشمولا في أعقاب طرد القوات العراقية في أوائل 1991 من الكويت تحت قيادة أمريكية.
وخلال الفترة بين عامي 1991 و1994، وقعت الولايات المتحدة عقودا دفاعية متعاقبة مع الكويت والبحرين وقطر والإمارات العربية المتحدة، والتي شملت تقديم المشورة الأمنية والتدريب، والوصول إلى المرافق الدفاعية الرئيسية في الخليج (مثل القاعدة الجوية في العُديد بقطر، وقاعدة الظفرة الجوية بالإمارات).
وقد بنيت هذه الاتفاقيات على غرار اتفاقية عام 1980 بين الولايات المتحدة وعمان، والتي أعطت القوات الأمريكية إمكانية الوصول إلى القواعد الجوية العمانية.
وقبل ذلك بفترة طويلة، وبعد الحرب العالمية الثانية، تمركزت القوات البحرية الأمريكية في المنطقة في ميناء بحريني، وهو ترتيب تمت شرعنته في اتفاقية التعاون الدفاعي بين الولايات المتحدة والبحرين عام 1991.
ومع ذلك، فإن ما أصبح الآن وجودا عسكريا أمريكيا عميقا في المنطقة لم يكن دوما حقيقة ثابتة سهلة المنال.
وفي البداية، كانت الولايات المتحدة تعتزم التعاون مع دول الخليج لمجرد ردع أي أعمال عدوانية أخرى.
وخلال تسعينات القرن الماضي، تمركز نحو 6 آلاف فرد، أغلبهم من القوات الجوية الأمريكية، في القواعد الجوية في المملكة العربية السعودية لقيادة عملية المراقبة لمنطقة حظر الطيران المفروضة فوق جنوب العراق.
ومع تراجع العراق إلى حد كبير، انتقل التعاون الدفاعي بين الولايات المتحدة ودول مجلس التعاون الخليجي تدريجيا للتركيز أكثر على إيران، خاصة بعد أن أصبح واضحا عام 2002 أن إيران قد أقامت منشآت لتخصيب اليورانيوم، ما أثار مخاوف من أن طهران ربما تطور القدرة على امتلاك سلاح نووي.
ومع تحول التركيز الأمريكي الخليجي إلى إيران، تركزت مبيعات الأسلحة الأمريكية إلى دول المجلس بشكل متزايد على أنظمة الدفاع الصاروخية، مثل نظامي "باتريوت" و"ثاد"، بالإضافة إلى الطائرات المقاتلة الجديدة والمطورة، بما في ذلك "إف-15" و"إف-16".
ويبدو أن مبيعات الدروع الأرضية، مثل نظام الدبابات "أبرامز"، لم تكن تمثل أولوية آنذاك، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى أن تهديد الغزو البري للعراق تلاشى مع الإطاحة بـ"صدام حسين" عام 2003، ولم تكن لدى إيران مطلقا القدرة على عرض القوة التقليدية في أي من أنحاء الخليج.
فوائد استراتيجية
وعلى الرغم من تجاوز هذا الأمر، لكن هذه المواثيق الدفاعية قد تم اكتشاف أنها محورية بالنسبة للعديد من العمليات العسكرية الأمريكية الحديثة في المنطقة.
ولم تكن الفوائد الاستراتيجية مقتصرة على الولايات المتحدة فقط، حيث إن هذه العمليات العسكرية المشتركة أعطت قوة متنامية لقوات دول مجلس التعاون الخليجي، ومنحتها الفرصة لتطوير قدراتها من خلال الدخول في تدريبات ومعارك إلى جانب الجيش الأمريكي الأكثر خبرة وفعالية.
وبعد هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001 على الولايات المتحدة، تجمعت القوات الأمريكية المتمركزة في دول المجلس بسرعة في حرب أفغانستان، والتي شهدت مشاركة قوات من البحرين والإمارات العربية المتحدة.
وقد استخدمت القوات الأمريكية القواعد في الكويت وقطر، لإطلاق حرب العراق في مارس/آذار 2003، والتي كانت حاسمة في الإطاحة بنظام "صدام حسين".
وعلى مدى الأعوام اللاحقة، نمت أعداد القوات الأمريكية في الخليج إلى نحو 13 ألف جندي، معظم القوات البرية منهم في الكويت، وما يقرب من 10 آلاف فرد من القوات الجوية في قطر، ونحو 5 آلاف فرد من البحرية في البحرين، ونحو 5 آلاف جندي أمريكي في الإمارات.
ولم يقتصر هدف تواجد الولايات المتحدة على احتواء إيران فحسب، بل شاركت في العمليات ضد تنظيم "الدولة الإسلامية" عام 2014.
وقد طارت القوات الجوية التابعة للإمارات والسعودية والبحرين وقطر لضرب معاقل التنظيم في سوريا، إلى جانب طيارين أمريكيين.
وفي عام 2011، ساعدت القوات الجوية الخليجية في نجاح الجهود التي قادتها الولايات المتحدة لتقديم الدعم الجوي لمعارضي الديكتاتور الليبي "معمر القذافي".
وبالإِضافة إلى هذه الحالات من التعاون والفوائد الملموسة التي تلقتها الولايات المتحدة ومجلس التعاون الخليجي، فإن الدعم والإرشاد من قبل الولايات المتحدة مكّن وبصورة مشجعة بعض دول المجلس للقيام بعمليات عسكرية إقليمية مستقلة عن الولايات المتحدة، وفي بعض الحالات، كانت غير منسجمة مع رغبات واستراتيجيات الولايات المتحدة.
وعلى وجه الخصوص، في مارس/آذار 2015، جمعت السعودية والإمارات تحالفا عربيا للتدخل في في اليمن، وهي عملية أعطتها الولايات المتحدة الضوء الأخضر، ومنحتها الدعم اللوجستي.
وتدخلت الإمارات في ليبيا عبر توفير الدعم الجوي للزعيم العسكري الليبي "خليفة حفتر"، الذي يسيطر على معظم شرق ليبيا، في تحدٍ للحكومة المدعومة من قبل الأمم المتحدة في طرابلس.
وشملت العمليات الإماراتية في ليبيا ضرباتٍ جوية ضد فصائل مرتبطة بـ"الإخوان المسلمون"، وهي ضربات انتقدتها الولايات المتحدة باعتبارها غير مفيدة للاستقرار في ليبيا.
كما تمتعت الإمارات بالجرأة الكافية لتمديد نفوذها إلى ما وراء حدودها عبر تطوير قواعد عسكرية في القرن الأفريقي، بما في ذلك إريتريا وأرض الصومال الانفصالية.
وعلى الرغم من أن بعض دول مجلس التعاون الخليجي قد تجاوزت مستوى التنسيق المفترض اتباعه مع الولايات المتحدة، لكن التعاون الدفاعي الشامل بين الولايات المتحدة ودول المجلس سوف يستمر إلى أجل غير مسمى، مع استمرار الهدف الرئيسي المتمثل في احتواء إيران.
وفي الوقت نفسه، من المرجح أن تعمل الولايات المتحدة مع دول المجلس لضمان ألا تضطلع إلا بالعمليات الإقليمية التي تعزز مصالح الطرفين معا.