متابعات-
ظهرت خدعة "وزارة السعادة" في الإمارات والسعودية ومصر، الدول الثلاث التي عرفت بانتهاكات جسيمة ضد مواطنيها وجرائم بحقوق الإنسان بالداخل والخارج، محاولة تقديم الوجه الحضاري للدولة من خلال الترويج لفكرة إسعاد المواطن.
وتسعى هذه الوزارة إلى إظهار "الوجه المتلألئ" للدولة التي تُنشأ بها، وتُلمّع صورتها داخلياً وخارجياً لتحظى بمكانة لدى شعوبها والدول الأخرى، إلا أن سمعة الانتهاكات والجرائم يبقى أثرها ولو بعد حين.
واستحدثت هذه الوزارة بشكل رسمي، لأول مرة بالعالم، في الإمارات بشهر فبراير من العام 2018، وسط استهجان كبير من التناقض الذي تمارسه أبوظبي بالواقع وما تحاول أن تروّج به لنفسها، إذ طفحت انتهاكاتها من الداخل لتعمّ العديد من الدول العربية والغربية، ولتطول يدها مصائر الشعوب فتعبث بها.
الإمارات حاولت تبييض سمعتها وصورتها أمام العالم بعدما تضررت بسبب ما ارتكبته أياديها التي تسيل منها دماء الشعوب العربية في السودان واليمن وليبيا ومصر، ومحاربتها تطلعات الشعوب الثائرة من أجل حريتها وكرامتها.
وجاء إعلان أبوظبي عن الوزارة في خطوة لم تفعلها دول أقدر منها تتصدر مؤشرات السعادة في العالم؛ كالدنمارك وكندا وفنلندا.
وتسعى الإمارات الآن إلى تصدير تجربتها إلى مصر، وسط مطالبات أخرى بالسعودية بإنشاء هذه الوزارة فيها.
وأعلنت الإمارات عن وزارتها بالرغم من أنها تعيش في مسلسل من الفضائح التي تلاحقها بسبب دورها التخريبي ونشر الفوضى في عموم المنطقة؛ بهدف تحقيق أطماعها التي أراقت دماء شعوب في سبيلها، وهو ما يتعارض تماماً مع ما تروجه عن نفسها بأنها تسعى لتحقيق السلام والسعادة.
وذاع صيت الإمارات، خلال السنوات الأخيرة، بوصفها واحدة من أكثر البلدان نشاطاً في مجال الاتجار بالبشر، بما يشمله من عبودية واستغلال جنسي واستثمار في البغاء.
كما أنه لسنوات طويلة ظلّت الإمارات تُخفي الجرائم في السجون التي تديرها داخل البلاد وخارجها، لكن بعد مشاركتها بالتحالف العربي لإعادة الشرعية في اليمن، منذ العام 2015، وإدارتها للسجون السرية هناك، باتت تُظهر الوجه "الكالح" لـ"دولة السعادة"، لا سيما عند الحديث عن المعتقلين السياسيين على أراضيها.
وكان تقرير لمفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان قد وجه انتقادات لاذعة لأوضاع حقوق الإنسان في الإمارات، معرباً عن قلقه من توثيق حالات "اختفاء قسري"، ومحاكمة نشطاء حقوقيين لتعبيرهم عن آرائهم، وتعذيب سجناء، وظلم العمال الأجانب، والتمييز ضد المرأة، وتبعية القضاء للسلطات التنفيذية.
السعادة والسعودية!
وفي خطوة مشابهة لما فعلته الإمارات، فاجأت السعودية مواطنيها بتعيين الهنوف هليل، أول امرأة تُدير "جودة السعادة" في منطقة حائل، شمالي المملكة، بحسب ما ذكرت صحيفة "عكاظ" المحلية، الاثنين (29 يناير 2019)، لتكون مختصة في رصد سعادة المواطنين وتحليل جودتها.
هذه الخطوة جاءت صادمة في ظل الاقتصاد المتأزم الذي تعاني منه السعودية، والبطالة المتفشية، وتكميم الأفواه، والاعتقالات التي تطول المعارضين السياسيين، فضلاً عن ترحيل الوافدين وفرض التقييدات عليهم، من ناحية داخلية.
أما من الجهة الخارجية، فالسعودية متورطة بجرائم حرب في اليمن، وحاصرت قطر بالتعاون مع الإمارات والبحرين ومصر، في العام 2017، وضيقت على القطريين والإيرانيين في الحج والعمرة، وقتلت المعارض السعودي جمال خاشقجي، في الثاني من أكتوبر الماضي، وغيرها من الانتهاكات الجسيمة التي لا تزال توثق في سجلها.
ولم يتوقف الأمر هنا؛ إذ طالب الكاتب السعودي صالح المسلم، في مقال له بصحيفة سبق المحلية، الأحد (14 يوليو الجاري)، بأن يتم إنشاء وزارة للسعادة في المملكة، إذ يرى أن كافة المتطلبات والموارد موجودة بالمملكة، وهي كفيلة باستحداث هذه الوزارة.
ويدعي الكاتب بأنه إذا تحققت السعادة في السعودية فسوف تتحقق في المنطقة كافة، متجاهلاً جميع الانتهاكات التي تمارسها سلطات بلاده، والتي تصنف كجرائم حقوقية وجرائم حرب.
عدوى وزارة السعادة
هذه الخدعة لم تتوقف عند البلدين الخليجيين؛ إذ طالت مصر أيضاً، وكانت المفاجأة الكبرى التي حققت صدى كبيراً بالأوساط المصرية وموجة من السخرية والاستهزاء، حين كشف مدير منظومة الشكاوى الحكومية الموحدة بمجلس الوزراء المصري، طارق الرفاعي، عن نية بلاده إنشاء وزارة لـ"السعادة".
ولا يعرف كيف ستجد هذه الوزارة مكاناً لها في بلد يعاني من ارتفاع متواصل بأسعار السلع الأساسية في البلاد، وتزايد حالات القمع ضد المعارضين، وزج الآلاف منهم بالسجون، وفق تقارير دولية.
والأدهى من ذلك أن الرفاعي بيّن، في برنامج على قناة "صدى البلد" المحلية، أنّ "تعاوناً كبيراً تجريه مصر مع الإمارات لنقل تجربة وزارة السعادة الإماراتية إلى مصر".
الإعلان عن الوزارة يأتي في ظل وصول حالة القمع في عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى أسوأ مستوياتها على الإطلاق، وفق آخر تقرير لمنظمة العفو الدولية (أمنستي).
كذلك تؤكد بيانات منظمة "هيومن رايتس ووتش" الحقوقية أن هناك 60 ألف سجين سياسي في مصر، من جراء حملة القمع المستمرة، منذ انقلاب يوليو 2013، على الرئيس الراحل محمد مرسي، عدا الإعدامات التي تزايدت بحق المعارضين.