مركز بيجن - السادات للدراسات الاستراتيجية-
منذ قيام دولة (إسرائيل)، رفضت الدول العربية منحها أي شكل من أشكال الاعتراف. ولم يُخترق هذا الجدار الرافض حتى مارس/آذار عام 1979، عندما قامت مصر بعقد معاهدة سلام مع الدولة اليهودية، وحذت الأردن حذوها في عام 1994. أما بقية العالم العربي فقد بقي معاديًا بشكل موحد لفكرة أي دفء في العلاقات مع (إسرائيل).
مع ذلك، تشير الأحداث الأخيرة، إلى أن هذا العداء الموحد قد يكون في طريقه إلى الانخفاض. وتشير التطورات التي حدثت خلال العام الماضي إلى احتمال وجود مستقبل يمكن للدول العربية و(إسرائيل) فيه التعاون دبلوماسيا وأمنيا وتقليل العداء المتبادل بينهما.
تقارب خليجي إسرائيلي
قال ولي العهد السعودي الأمير "محمد بن سلمان" في اجتماع مع قادة الجاليات اليهودية في الولايات المتحدة في أبريل/نيسان، رداً على الاشتباكات العنيفة التي استمرت لمدة عام على امتداد السياج الحدودي بين غزة و(إسرائيل): "يحتاج الفلسطينيون إما إلى قبول اقتراح [ترامب] أو التوقف عن الشكوى"، وبعد ذلك بفترة وجيزة، قال في مقابلة مع مجلة "ذا أتلانتيك"، إنه يعترف بحق الشعب اليهودي في وطنه وأرضه.
وفي مايو/ أيار، شاركت فرق من الدراجين من البحرين والإمارات في مسابقة "جيرو دي إيطاليا" لركوب الدراجات التي أقيمت في (إسرائيل). وفي يوليو،/ تموز شارك وفد إسرائيلي في المؤتمر الدولي السنوي لليونسكو في البحرين. وفي أكتوبر/تشرين الأول، زارت وزيرة الثقافة والرياضة الإسرائيلية "ميري ريجيف" أبو ظبي خلال منافسات جراند سلام العالمية للجودو، وفي اليوم التالي، زار رئيس الوزراء "نتنياهو" مسقط، عاصمة سلطنة عمان.
وفي اليوم التالي لزيارة "نتنياهو"، دعا وزير الخارجية العماني "يوسف بن علوي بن عبدالله" أعضاء مجلس التعاون الخليجي إلى الاعتراف بـ(إسرائيل). وفي 6 نوفمبر/تشرين الثاني، قام وزير الاستخبارات والنقل الإسرائيلي "يسرائيل كاتز" بزيارة سلطنة عمان لحضور مؤتمر دولي حول النقل، وتم استقباله دبلوماسيا بشكل علني. وفي ديسمبر/كانون الأول، استضافت (إسرائيل) وفداً من 30 من رجال الدين المسلمين من البحرين للمشاركة في الحوار الديني، وشهد العام الماضي أيضًا إنشاء أول كنيس في دبي.
هذه ليست سوى قائمة جزئية بالأحداث التي نشأت بين الطرفين على مدى السنوات القليلة الماضية، مما يشير إلى حدوث تغيير كبير في نمط السلوك الدبلوماسي بين (إسرائيل) ودول مجلس التعاون الخليجي.
بخلاف ذلك، جاءت الوفد الإسرائيلي في المؤتمر الدولي السنوي لليونسكو في البحرين بعد أن ألقى ملك البحرين "حمد بن عيسى آل خليفة" كلمة في مركز "سايمون ويزنثال" في لوس أنجلوس أدان فيها المقاطعة العربية لـ(إسرائيل) وأعلن علناً أنه يُسمح لمواطني بلاده بزيارة الدولة العبرية. وغرد وزير الخارجية البحريني، "خالد بن أحمد آل خليفة"، قائلا "إن (إسرائيل) الحق في حماية نفسها من الاعتداءات الإيرانية".
وتكاد هذه التصريحات الصادرة عن شخصيات عربية بارزة عن (إسرائيل) تكون غير مسبوقة تقريباً.
غير أن زيارات الوزراء الإسرائيليين ووفود الرياضيين الإسرائيليين إلى الأحداث الرياضية التي تقام في الدول العربية لا تعد أمرا جديدا. ومع ذلك، عندما فاز لاعب الجودو الإسرائيلي "ساغي موكي" بالميدالية الذهبية في منافسة "أبوظبي جراند سلام"، تم عزف النشيد الوطني الإسرائيلي على أرض الإمارات لأول مرة، مما يعد تغييرا مهما.
وهناك حدث آخر وقع للمرة الأولى، عندما تمت دعوة وزير الرياضة والثقافة الإسرائيلية من قبل نظيرها المحلي لزيارة أكبر مسجد في الإمارات، مسجد الشيخ زايد. كانت هذه لفتة غير عادية، حيث كانت الزيارات السابقة التي قام بها الإسرائيليون قصيرة وسرية قدر الإمكان.
هناك مثال آخر يتمثل في الزيارة التي قام بها "نتنياهو" ومدير الموساد "يوسي كوهين" في أكتوبر/تشرين الأول إلى مسقط واجتماعهما مع السلطان "قابوس". كوانت آخر مرة التقى فيها رئيس وزراء إسرائيلي علناً بقائد دولة عربية لا تقيم علاقات رسمية مع (إسرائيل)، في أبريل/نيسان 1994، عندما التقى "إسحق رابين" مع "قابوس" نفسه. وقد أشادت جارة عُمان ذات النفوذ الكبير؛ السعودية، بزيارة "نتنياهو".
وأدى التقارب الحادث بين (إسرائيل) ودول مجلس التعاون الخليجي إلى ظهور مظاهر نادرة للوحدة بين حركتي حماس وفتح الفلسطينتين، حيث أصدر كلاهما تصريحات رسمية ترفض أي نوع من التقارب مع (إسرائيل) دون تحقيق تقدم في قضايا الفلسطينيين.
استجابة لتهديد إيران
غير أن قادة دول مجلس التعاون الخليجي صاروا يرفضون السماح لحالة العلاقات الإسرائيلية الفلسطينية بأن تفرض نفسها على تقدم العلاقات مع (إسرائيل)، ويرجع ذلك في المقام الأول نتيجة طبيعية التهديد المتزايد الذي تشكله إيران على أمن مجلس التعاون الخليجي (وبالطبع إسرائيل). ومع ذلك، فإن كلا من الفلسطينيين والإسرائيليين قد يستفيدون في نهاية المطاف من دف العلاقة السريع هذا. على سبيل المثال، جاءت زيارة "نتنياهو" إلى عمان بعد عدة أيام من زيارة رئيس السلطة الفلسطينية "محمود عباس" للسلطنة. وهكذا تبدو الإمارة في وضع جيد للتنسيق والتوسط في المفاوضات بين الاثنين.
وكان القلق بشأن التهديد الإيراني عنصرا أساسيا في العلاقات بين (إسرائيل) ومجلس التعاون الخليجي لسنوات عديدة؛ وفي الواقع، ناقش "قابوس" و"رابين " هذا الملف عندما التقيا في عام 1994. وتعد إيران الآن أكثر عدوانية تجاه (إسرائيل) والولايات المتحدة والدول العربية المجاورة، كما يتضح من أنشطتها في العراق وسوريا ولبنان واليمن عبر الميليشيات شبه العسكرية، ما يدفع جيرانها إلى التعاون بشكل أوثق لمواجهة هذا التحدي والدفاع عن أنفسهم.
يشمل التعاون بين الولايات المتحدة و(إسرائيل) وممالك مجلس التعاون الخليجي ضد تصرفات طهران عدة عناصر في مقدمتها إدانة إيران في الساحة والمؤسسات الدولية، وتبادل المعلومات الاستخباراتية، وتتبع النشاط الاقتصادي، وتنسيق الجوانب الأمنية السرية الأخرى. وتسهم أنشطة (إسرائيل) في سوريا، والتي تهدف إلى منع النفوذ الإيراني من الترسخ في البلد الذي مزقته الحرب، تسهم في هذا التعاون، لأن جميع الأطراف لها مصلحة في منع طهران من تعزيز نفوذها في سوريا.
شعوب غير راضية
وفي هذا الصدد، من المهم أن نتذكر أنه حتى لو كان قادة مجلس التعاون الخليجي إيجابيين بشأن تحسين العلاقات مع (إسرائيل) وقرروا أن المشكلة الفلسطينية لم تعد تمثل حاجزاً على الطريق، فإن شعوبهم ما زالت تشعر بالعداء تجاه الدولة العبرية.
يمكن رؤية أحد مؤشرات ذلك في استطلاع غير رسمي أجرته وزارة الخارجية الإسرائيلية، والذي أظهر أن الرأي العام في العالم العربي كان أكثر عدائية تجاه (إسرائيل) خلال الدورة الأخيرة من التصعيد العسكري في غزة منه في اندلاعات سابقة مماثلة. ويبدو إّن أنه بدون حدوث تقدم (ولو نسبي) في الحوار بين (إسرائيل) والفلسطينيين، لن تتمكن دول مجلس التعاون الخليجي و(إسرائيل) من إقامة علاقات رسمية.
وكانت آخر التطورات في العلاقات الإسرائيلية الخليجية هي القمة الاقتصادية التي عقدت يومي 25 و 26 يونيو/حزيران في المنامة، عاصمة البحرين. وكان الهدف الرئيسي للقمة هو إطلاق الجانب الاقتصادي من "صفقة القرن" للرئيس "ترامب"، وقد تم اختيار موقع الاجتماع بعناية بحيث يرسل رسالة حول عمق التعاون بين الولايات المتحدة ودول الخليج و(إسرائيل)، وأن الأطراف الثلاثة تواصل العمل من أجل تعاون أوثق.
ولم يكن من الممكن عقد ورشة البحرين إلا بعد منح الموافقة السعودية، لأن المملكة هي الراعي الأكثر أهمية للبحرين. وتريد الرياض أن يُنظر إليها -داخليًا وخارجيًا- كقوة تعمل لصالح الفلسطينيين السنة في معارضة لإيران الشيعية وقطر التي تعد الراعي المالي الأول لقطاع غزة. لكن المساعدات السعودية يبدو أنها تأتي مشروطة بقبول الفلسطينيين لخطة "ترامب" للسلام وهو أمر يبدو مستبعدا في الوقت الراهن.