الخليج أونلاين-
لم يعُد التطبيع بين دول خليجية و"إسرائيل" خافياً على أحد؛ إذ تكشف الأيام يوماً بعد يوم عن علاقات متصاعدة بين الطرفين، ضاربةً عرض الحائط بحجم الغضب الشعبي في الوطن العربي من نسج علاقات طبيعية مع الدولة العبرية.
ومنذ الأزمة الخليجية وما تبعها من حصار خانق لقطر في 5 يونيو 2017، وثقت دول الحصار، وهنا يدور الحديث عن السعودية والإمارات والبحرين إضافة إلى مصر، علاقاتها مع الإسرائيليين في مختلف المحافل؛ السياسية والاقتصادية والرياضية والثقافية وغيرها.
لكن المنامة أخذت على عاتقها مهمة إظهار الوجه الجديد للأنظمة العربية الحاكمة، التي عارضت ثورات الربيع العربي بشدة؛ بعدما دأبت الأخيرة سنوات طويلة على نفي وقوعها في وحل التطبيع، رغم علاقاتها السرية بعيداً عن عدسات الكاميرات.
حامل راية التطبيع
ولوحظ في الأشهر الأخيرة، نشاط لافت لوزير الخارجية البحريني خالد بن أحمد آل خليفة، مطلِقاً سلسلة تصريحات يؤيد فيها حق "إسرائيل" في "الدفاع عن نفسها"، وهي الكلمة ذاتها التي اعتادت الإدارات الأمريكية المتعاقبةُ ترديدها في كل شاردة وواردة.
ويعتبر "آل خليفة" المسؤول البحريني والعربي الوحيد الذي عزز من تحركاته ولقاءاته مع الإسرائيليين بشكل علني وواضح، وتصدَّر المشهد مؤخراً داخل البحرين وفي الخليج والوطن العربي، وهو ما جعله محل استهجان وغضب عربي، حتى بات يُلقبه البعض بـ"السادات الجديد"، في إشارة إلى الرئيس المصري الراحل أنور السادات وزيارته الشهيرة لـ"الكنيست" الإسرائيلي.
وأواخر يونيو 2019، قال وزير خارجية البحرين، في تصريحات لصحيفة "تايم أوف إسرائيل": إن "إسرائيل وُجدت لتبقى، ولها الحق في أن تعيش داخل حدود آمنة"، كاشفاً عن رغبة بلاده ودول أخرى في التطبيع معها.
ولم يكتفِ المسؤول البحريني بذلك، بل التقى نظيره الإسرائيلي علناً ودون أي خجل، على هامش مؤتمر الأديان بالعاصمة الأمريكية واشنطن، في يوليو 2019، في تأكيد منه أن الوقت بات مناسباً لتدشين حلف مع "تل أبيب"، متذرعاً بالخوف من تمدُّد إيران والهلال الشيعي في الخليج والشرق الأوسط.
وتاريخياً لم تتجرأ طهران على مواجهة "إسرائيل"، واكتفت دائماً بالتصريحات التهديدية والعنترية، وهو ما ينفي مزاعم البحرين وتسويغها للتحالف مع الدولة العبرية لمواجهة الأخطار الإيرانية المحدقة.
دفاع عن النفس
تزامنت تحركات "آل خليفة" مع نشاط الدولة العبرية في الآونة الأخيرة عسكرياً في عديد من الدول العربية؛ إذ شنت الأخيرة هجمات صاروخية على معسكرات لـ"الحشد الشعبي" في العراق، كما قصفت هدفاً في "الضاحية الجنوبية" للعاصمة اللبنانية بيروت، فضلاً عن هجماتها المتكررة في سوريا على مواقع ومعسكرات للحرس الثوري الإيراني.
"ما كان مستهجناً سابقاً، بات مرحَّباً به حالياً"، هكذا تحولت سياسة الأنظمة العربية، بل رافقتها بتصريحات مؤيدة لكل ما تقوم به الدولة العبرية، التي حظيت بترحيب شديد في البحرين على هامش انعقاد "ورشة المنامة"، أواخر يونيو 2019، والتي ناقشت الشق الاقتصادي من "صفقة القرن"، التي تعدها إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لتسوية النزاع الفلسطيني-الإسرائيلي.
ولا يُمكن بأي حال من الأحوال تسويغ اعتداء تل أبيب على دول عربية، والتصفيق لها، خاصة أن "إسرائيل" لديها سجلٌّ حافل من جرائم الحرب ضد الفلسطينيين والعرب بشكل عام، كما أنها سفكت الدماء ولا تزال تحتل أراضي عربية كهضبة الجولان في سوريا ومزارع شبعا بلبنان.
هل تتحرك المنامة بأمر الرياض؟
تشير تقارير غربية عدة إلى أنه منذ وصول محمد بن سلمان إلى ولاية العهد بالسعودية في يونيو 2017، وسيره على نهج ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد نفسه، ارتفعت وتيرة التطبيع، وحتى إن حاولت الرياض إخفاء ذلك تارة، أو نفيه تارة أخرى.
ويعلم القاصي والداني أن السعودية تمتلك نفوذاً كبيراً على البحرين، التي تدرك في الوقت عينه أنه لولا مساعدة الرياض العسكرية ودفعها بقوات كبيرة إلى المنامة لصدّ الانتفاضة الشعبية التي اندلعت في مارس 2011، لاختلف الوضع رأساً على عقب، ولما استمر النظام بشكله الحالي حتى وقتنا هذا.
ويُمكن فهم كل ذلك، بأن السعودية في حال أرادت الترويج لشيء ما، يخالف سياساتها التي تتبناها علناً، فإنها توعز إلى البحرين بفعل ذلك بدلاً عنها، حتى لو ادَّعت خلاف ذلك في وسائل الإعلام والمؤتمرات الصحفية.
كما لا يُمكن إغفال ما أشار إليه رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، عندما تحدث في أكثر من مناسبة عن إقامة بلاده علاقات سياسية مع ست دول إسلامية كانت "معادية لإسرائيل إلى وقت قريب"، مؤكداً أن بعض هذه العلاقات لا تزال في طور السرية.
وحتماً لا يشير نتنياهو إلى مصر والأردن، اللتين وقعتا اتفاقيتَي سلام مع الدولة العبرية، وإنما ركز على دول إسلامية، تشير الوقائع والتصريحات والفعاليات كافة إلى أن دول حصار قطر في القلب منها، أو على الأقل بعضها، وفق مراقبين.
دفء منذ ربع قرن
ولا تعدُّ العلاقات بين المنامة وتل أبيب وليدة الساعة وإنما الدفء بين الطرفين يعود إلى عام 1994، عندما زار وفد دبلوماسي إسرائيلي برئاسة وزير البيئة آنذاك، يوسي ساريد، المنامة، للمشاركة في مؤتمر حول قضايا البيئة، ثم تواصلت اللقاءات بعد ذلك وإن بشكل غير معلن.
وفي 29 يناير 2000، التقى ولي عهد البحرين، سلمان بن حمد آل خليفة، في دافوس، الرئيس الإسرائيلي الأسبق شمعون بيريز، وبحث معه كيفية تعزيز التعاون بين الطرفين، خاصة في مجال التربية والتعليم.
وقبل الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة بعشرة أيام، وتحديداً في 18 ديسمبر 2008، كشفت صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية أن الرئيس الإسرائيلي شمعون بيريز، ووزيرة الخارجية تسيبي ليفني، التقيا ملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة سراً في نيويورك، فضلاً عن لقاء جمع وزيراً إسرائيلياً بأمير بحريني يُدعى "مبارك آل خليفة" بتل أبيب في فبراير 2018.